الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بعد تبنيهم خلال الحرب الأهلية.. لبنانيون يبحثون عن ذويهم

بعد تبنيهم خلال الحرب الأهلية.. لبنانيون يبحثون عن ذويهم
15 أغسطس 2017 19:33
تمكنت اللبنانية ديدا غويغان، التي تبنتها أسرة خلال الحرب الأهلية في لبنان، من العثور على والدتها بعد تسع سنوات من البحث المضني. ديدا تبنتها عائلة في سويسرا عندما كان عمرها أسبوعين فقط، على غرار آلاف الأطفال اللبنانيين في تلك الفترة. وبعد بحث استمر تسع سنوات، وجدت ديدا والدتها في سويسرا البلد ذاته الذي عاشت فيه. شهد لبنان حرباً أهلية بين العامين 1975 و1990، تبنت خلالها عائلات أجنبية أطفالاً من لبنان واصطحبتهم إلى الخارج. وبعد مضي سنوات طويلة، بدأ العديد منهم على غرار ديدا (32 عاماً) رحلة بحث شاقة لإيجاد أمهاتهم والتعرف على جذورهم اللبنانية. لكن المهمة تبقى صعبة جداً نتيجة الفوضى التي وسمت إجراءات التبني خلال الحرب، وما تخللها من استخدام وثائق مزورة وأسرار منسية يفضل الكثيرون عدم البوح بها. وسهّل مسؤولون محليون ووسطاء تلك العمليات مقابل الحصول على بدل مادي. وتقدر جمعية «بدائل» غير الحكومية عدد الأطفال الذين تم تبنيهم خلال الحرب بعشرة آلاف على الأقل. وتشرح زينة علوش من مؤسسي الجمعية «كانت العملية (التبني) سهلة». وأوضحت أنه «كان زمن العصابات، ما من قانون أو أمن. كان هناك نوع من التواطؤ أيضاً إذ كان الناس يرون في ذلك الطريقة الأنسب لإنقاذ الأطفال». في العام 1984، تركت ديدا مع العائلة التي تبنتها لبنان لتنشأ في سويسرا. وكانت على دراية بأنها طفلة بالتنبي من دون أن تعلم شيئاً عن والدتها الحقيقية. حين بلغت الثامنة عشرة من عمرها، أعطتها العائلة وثائق تبنيها وضمنها ورقة تبين أن أمها قد تخلت عنها. وتقول ديدا «حالفني الحظ حينها، فاسمها كان مكتوبا على الورقة». ورغم حصولها على أول دليل يساعدها في البحث، احتاجت ديدا إلى تسع سنوات وتمكنت بمساعدة قناة تلفزيونية لبنانية من الوصول إلى أمها. في غضون تلك السنوات، سافرت ديدا مرات عدة إلى بيروت لتكتشف لاحقاً أن أمها تعيش معها في البلد ذاته، أي سويسرا، على بعد ساعة واحدة منها فقط. في العام 2012، التقت ديدا بأمها البيولوجية للمرة الأولى. وتقول «لم أصدق حقيقة أن ذلك قد يحصل، استعددت كثيراً للأسوأ». وأضافت «كان لقاؤها ومعرفة أنها على قيد الحياة واحدة من أجمل التجارب التي عشتها في حياتي». بعد تواصلهما للمرة الأولى، اكتشفت ديدا أنها ووالدتها تتشاركان نبرة الصوت ذاتها. وبخلاف ديدا، بدأت صوفي (51 عاماً) التي تبنتها عائلة فرنسية قبل اندلاع الحرب عندما كانت تبلغ ستة أشهر، مؤخراً عملية البحث عن عائلتها. وتقول هذه السيدة، التي فضلت استخدام اسم مستعار عبر الإنترنت، «في عمر السابعة والأربعين، شعرت بحاجة إلى ملء فراغ كبير داخلي وهو معرفة قصة ولادتي». عادت صوفي إلى لبنان ومعها اسم والدتها البيولوجية، لكنها فوجئت بأشخاص لم يرحبوا بمجيئها. وتروي «قالوا لي: لديك عائلة هناك! لقد حالفك الحظ حين غادرت هذا المكان». وأضافت «لم يفهموا لماذا أبحث، وبدا لي أن القضية لا تزال معقدة وحتى محظورة». ووجد أشخاص كثيرون يبحثون عن جذورهم الجواب ذاته، حتى إن بعض العائلات رفضتهم تماماً تفادياً للفضيحة، وفق علوش. وتقدم جمعية «بدائل» النصائح للباحثين عن جذورهم حول الطرق الأنسب لذلك، وبينها إجراء فحوصات تحليل الحمض النووي، وهو ما قامت به صوفي. بعد إجرائها تحليل الحمض النووي، نشرت صوفي نتائجه على مواقع شركات تعنى بمقارنتها مع أشخاص آخرين. وكانت النتيجة أن وجدت أحد أقربائها، وتعرفت -من خلاله عبر مواقع التواصل الاجتماعي- على ابن خالها. وتقول صوفي «تبين أنه كان على دراية بوجودي». وتضيف «والده، أي خالي، ساعد أمي في البحث عني لسنوات عدة بعد ولادتي». وعلمت صوفي من خلاله أن والدتها هاجرت إلى أستراليا، وهما تتواصلان حاليا عبر الإنترنت بمساعدة أختها غير الشقيقة هناك. وتقول «ارتحت كثيراً وفرحت لأني أخيراً وجدتها». خلال سنوات الحرب، تمكنت عائلات أجنبية عدة من تبني أطفال بمساعدة أصدقاء لبنانيين في الاغتراب، كما حصل مع تيري (29 عاما) الذي غادر لبنان بعمر عشرة أشهر في العام 1988. ويقول «لم أكن أعرف ماذا تعني الحرب. كنت أتخيل غرفة كبيرة مليئة بالأشخاص الذين يتقاتلون فيما وضعت أنا كطفل صغير على الأرض». وصل تيري إلى أدلة حول قصة تبنيه وبينها وثيقة تبين أنه وُضع طفلا أمام باب مستشفى «سيدة المعونة» في جبيل. لم تثمر زيارة قام بها إلى لبنان عن أي نتيجة، لكنه وجد أحد أقاربه عبر نشر نتائج تحليل حمضه النووي على موقع إلكتروني مختص. لم يحالف تيري الحظ، فهذا الشخص «لم يكن مهتما بإعطائي أي معلومات، تمنى لي الحظ فقط». تبدو مهمة تيري أكثر تعقيدا من غيره، لأنه متحول جنسياً فهو ولد أنثى واختار في العشرينيات من عمره أن يتحول إلى ذكر. ومنذ إنشائها في العام 2013، جمعت «بدائل» أسماء 2700 شخص جرى تبنيهم خلال فترة الحرب الأهلية ويبحثون اليوم عن عائلاتهم البيولوجية فضلا عن أسماء أمهات يبحثن عن أطفالهنّ. تراجع هذا النمط من عمليات التبني في لبنان مع انتهاء الحرب الأهلية، لكن النزاع الدائر في سوريا المجاورة أعادها إلى الواجهة. وتتوقع علوش أن يأتي اليوم الذي يخوض فيه لاجئون سوريون رحلة البحث ذاتها مثل تيري. ويقول تيري «هناك رابط دم قوي لا يمكن كسره (...) أريد بشدة أن ألتقي الشخص الذي منحني الحياة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©