عقارب القرية أبطال الشاشة

بأسلوب نقدي ساخر ولاذع نجح فيلم ''التلفزة جاية'' للمخرج المنصف ذويب في إضحاك التونسيين على عيوبهم واظهر لهم جانبا من حقيقتهم· والشريط هو من نوع الكومييديا السوداء المعتمدة على السخرية التي تعري المأساة والواقع المر· انتشر خبر يقول إن فريقاً تلفزيونياً ألمانياً سيأتي إلى قرية تونسية نائية بالجنوب لإعداد شريط وثائقي عنها: تلك هي الفكرة الرئيسية لفيلم المخرج المنصف ذويب ''التلفزة جاية''· وأما قصته فتدور حول استعدادات القرية لهذا ''الحدث الهام''· تنقلب حياة القرية رأسا على عقب، ويشرع المسؤولون عن مختلف شؤون القرية في إعداد العدة لتلميع الصورة وتجميلها وإبراز الانجازات وتضخيمها··· ويستنبط ''الفيتوري''، وهو مسؤول بسيط في المندوبية الثقافية كل التصورات الممكنة لإعطاء صورة لامعة ومبالغ فيها عن الانجازات في القرية، همّه الوحيد وهدفه الأكبر أن ينال جزاء اجتهاده و''إخلاصه'' ترقية في وظيفته· فهو نموذج للوصولي والانتهازي، ومع ''الفيتوري'' تظهر شخصيات أخرى من صنف الموظفين الصغار المتزلفين والطامعين هم أيضا في الترقية، وكلّ منهم يدلو بدلوه في اجتماع لهم لاستنباط الحيل لإظهار القرية أمام الفريق التلفزيوني الألماني المنتظر في مظهر القرية المتقدمة المزدهرة في شتى المجالات، وهم في الحقيقة يتسابقون في صنع قناع يطمس الحقائق ويغطيها· ويبرز الشريط بشكل كاريكاتوري حماس المذيع التلفزيوني التونسي الذي بدأ في نقل وقائع الحدث على الهواء الى ملايين المشاهدين، ويتهكم الفيلم من اللغة الخشبية المتهرئة التي كان المذيع يستعملها وهو يتحدث الى الناس، ثم يكتشف الجميع في الأخير أن البعثة التلفزيونية الألمانية جاءت لإعداد ''ريبوتاج'' عن العقارب· ومن هذه الزاوية فالشريط يظهر جانبا من نظرة الغرب ودول الشمال لدول الجنوب، ففي الوقت الذي كان فيه أهل قرية من الجنوب التونسي يفكرون بالليل والنهار في إعداد استقبال ضخم لفريق تلفزيوني ألماني ظنا منهم بأنهم يعتزمون انجاز شريط وثائقي عن القرية يبرز تقدمها كان الطرف المقابل من الشمال يخطط لتصوير انتشار العقارب بها فقط· والطريف ان مخرج الفيلم المنصف ذويب قدم اول عرض للفيلم بعد انجازه في قرية ''السند'' التي صور بها احداث الفيلم، ولأن القرية لا يوجد بها قاعة سينما فقد تم عرض ''التلفزة جاية'' في ساحة عمومية وجلس الجمهور أرضا، وتابع القصة بحضور المخرج وبعض أبطال الفيلم· وتولى المخرج الطواف بشريطه عبر عديد القرى والمدن لعرضه في الهواء الطلق معللا هذا الاختيار برغبته في ان يذهب هو الى الجمهور ومحتجا بهذا الاسلوب على قلة قاعات العرض وتقلص عددها من عام الى آخر·