الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«قصة حديقة الحيوان».. وحي أميركي و«الدب» تجسد الحب مغلفاً بالكبرياء

«قصة حديقة الحيوان».. وحي أميركي و«الدب» تجسد الحب مغلفاً بالكبرياء
2 أكتوبر 2016 17:22
عصام أبوالقاسم (كلباء) تواصلت مساء أمس الأول فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة الذي تنظمه إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في المركز الثقافي لمدينة كلباء، حيث شهد الجمهور أولاً المسرحية القصيرة الموسومة «قصة حديقة الحيوان» للكاتب الأمريكي إدوارد آلبي الذي رحل الأسبوع الماضي عن عمر ناهز 88 عاماً، بتوقيع المخرج الإماراتي الواعد أحمد عبدالله راشد الذي شارك أيضاً في التمثيل إلى جانب عبدالله الخديم، تلتها مسرحية «الدب» للروسي أنطوان تشيخوف بتوقيع المخرج محمد النجار. قصة حديقة الحيوانات في هذا النص المسرحي القصير المحكم الذي كتب خمسينيات القرن الماضي، نحن بإزاء لقاء عابر مع «بطرس» قام بالدور أحمد عبدالله راشد، و«جيري» قام بالدور عبدالله الخديم، على مقعد مشترك في شارع عام أو متنزه. فيما يظهر الأول منهمكاً في قراءة كتاب بين يديه، يبدو الثاني قلقاً حين يدخل إلى المشهد وهو ينظر إلى الثاني، وسرعان ما يحاول الدخول معه في حوار، فهو يرغب في أن يسمعه أحدهم وهو يكمل جملته «كنت في حديقة الحيوان..». لكن بطرس يبدو منشغلاً، فيعيد جيري كلامه «كنت في حديقة الحيوان»، وأخيراً ينتبه بطرس فيرفع رأسه وينتظره حتى يكمل جملته «كنت في حديقة الحيوان وسرت حتى وصلت إلى هذا المكان فهل كنت أسير في اتجاه الشمال؟». من هنا، تبدأ أحداث المسرحية في التصاعد، ما بين سؤال لجيري وإجابة لبطرس الذي يظهر دائماً مضطراً إلى الاستجابة، وعبر هذه المقابلة الحوارية التي تبدو كمحاكمة أكثر منها محادثة لطيفة بين شخصين في شارع عام، يعرفنا العمل برؤية كل واحد منهما لمسائل مثل العائلة والإنجاب والمال والعيش الكريم. يطرح جيري الأسئلة ولا يسكت لا عن عدد أطفال بطرس ولا الحيوانات التي يملكها في الدار ولا راتبه أو مكان سكناه فحسب، ولكنه أيضاً يتكلم عن نفسه ويستعيد أيام يتمه والذكرى البائسة لوالديه وخالته في خاطره وخبراته في الحب والصداقات. ونفهم من حديثه ألا بؤس يفوق بؤس معيشته برغم أنه يبدو ساخراً ومتهكماً في استعادته سيرة حياته. في مقاربته الإخراجية توجه أحمد عبدالله راشد إلى تغيير الزمن المقترح في النص، من نهار إلى ليل، وعمد إلى توظيف الإضاءة بين التعتيم والتلوين لإضفاء لمحة تعبيرية على الصورة العامة للعرض، وفي خطته لحركة الممثلين، ركز على إظهار الحالة الشعورية المضطربة لجيري بخطوط متقاطعة ومتداخلة في فضاء العرض المحدد بالضوء وبالمقعد العمومي، فيما ثبتت حركة بطرس إلا في أحوال نادرة، لتعدل حالته الساكنة أو لتعبّر عن استغرابه وحتى صدمته، هو الرجل الأربعيني المعتني بمظهره ومزاجه والذي وجد نفسه في خضم مقابلة لا قدرة لديه ولا رغبة في متابعتها. ولعل من الملامح اللافتة في معالجة راشد للنص العصي على التجسيد فوق الخشبة والمستلزم أداء تمثيلياً عالياً، أنه عمد إلى تقديم شخصية «جيري» في صورة فنان تشكيلي، ربما لتوكيد أو لتبرير البعد البوهيمي في شخصيته غير المتقبلة لوضعه والناقمة على الأحوال من حولها. بيد أن ما بدا أوضح، مع المشهد الأخير من العرض، هو المعنى الذي يفيد أن الحياة هي ذاتها في منظور الشخصيتين لكن أحدهما قبلها والآخر رفضها إلى الحد الذي حمله إلى دفع الشخص الغريب الذي رآه يقرأ في متنزه عام إلى قتله! بشكل مجمل، يمكن القول إن العرض جاء بمخرج جديد إلى الساحة المسرحية الإماراتية، يمكن أن يقدم الكثير بالمزيد من الصقل والدعم&rlm? ?.? «دب» تشيخوف أما العرض الثاني فهو «الدب» من تأليف الكاتب الروسي الراحل أنطوان تشيخوف وإخراج محمد النجار وتمثيل نورا الصباح (في دور ايلينا بوبوفا) وعبدالله محمد (في دور سمرنوف) وطلال محمد (في دور الخادم لوكا). المسرحية التي تصف بـ«المزحة»، تصور في نسختها الأصلية التحول العاطفي الذي يحصل في حياة الأرملة ايلينا بوبوفا التي بقيت في بيتها، وقتاً طويلاً تبكي فراق زوجها في حزن، عندما يدخل إلى بيتها الريفي النبيل سمرنوف لأخذ استحقاقه المالي من زوجها الذي رحل منذ أشهر قليلة. الزوجة ما عادت تملك هذا القدر الكبير من المال وعلى الدائن أن يصبر عليها. تبدأ المقابلة بين الاثنين عادية ثم سرعان ما تتوتر لتصل أقصى درجاتها قرب النهاية حتى ليكاد الأمر بينهما أن يصل إلى أن يتبارزا عبر المسدسات. تشعر الزوجة بمرارة مضاعفة، فزوجها، عدا عن كونه لم يكن وفياً وهي مع ذلك ستبقى مخلصة له، هو أيضاً خلّف ديناً لن يكون في وسعها سداده لكنها ستسعى إلى سداده. هذا الطبع الغريب في شخصية الزوجة الذي يحملها على أن تكون وفية لزوج لطالما خانها هو ذاته ما سيتجلى في مواجهتها الريفي النبيل، فبقدر ما أظهرت له من عداء وما واجهته به من نعوت شائنة بما في ذلك وصفها له بالدب السمين، هي أيضاً أحبته في النهاية وانهارت بين يديه! ففيما هما على وشك أن يطلقا الرصاص على بعضهما يكتشف الريفي النبيل أنها لا تجيد إمساك المسدس وحين يقترب منها ليعلمها كيفية فعل ذلك تنحل العقدة بينهما ليكتشفا أن الترجمة الصائبة لما وقع بينهما من شجار هي: الانجذاب أو الحب! لكن المخرج محمود نجار، غيّر في اقتراحات النص، الذي كتبه تشيخوف 1888?، ?حين ?أخرجه ?فوق ?الخشبة ?إذ ?جعل ?من ?سمرنوف ?تاجر ?زهور ?ولعله ?فعل ?ذلك ?بهدف ?إضفاء ?حس ?رومانسي ?على ?شخصيته، ?كما ?أنه ?عرض ?العمل ?في ?فضاءين: ?بيت ?الأرملة ?ومحل ?بيع ?الزهور ?بدلاً ?من ?حصره ?في ?بيت ?الأرملة، ?ولكن ?هذه ?الانتقالات ?لم ?تؤثر ?بشكل ?واضح ?في ?الدلالة ?العامة ?للعرض، ?فلقد ?حافظ ?النجار ?على ?تفاصيله ?بمعظمها. بقي القول إن العمل الذي قدم باللغة العربية الفصحى كشف القدرات الأدائية الواعدة لدى الممثلين المشاركين وبصفة خاصة الممثلة التي برغم قصر قامتها بين الممثلين الآخرين فإنها بدت طويلة النَفَس ومفعمة بحرارة الدور وهي ترسم صورة السيدة الروسية التي تحب وتكره وتنسى من دون أن يكون واضحاً لها لما وكيف فعلت ذلك!  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©