الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ريتشارد فورد·· روائي الواقعية القذرة

ريتشارد فورد·· روائي الواقعية القذرة
20 نوفمبر 2008 01:37
أكد الروائي الاميركي ريتشارد فورد ـ قبل الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ـ إنه إذا فاز جون ماكين فانه سيهاجر الى كندا، وخطط هو وزوجته للاستقرار بمدينة تورونتو، ورغم انه يعيش منذ عشرة أعوام في مكان ساحر وينعم بالرفاه على بعد أربع ساعات من مدينة بوسطن في منزل يقع بين الغابة والبحر، ويشرف على بحيرة صغيرة، الا أنه لم يعد يطيق العيش في وطن يحكمه بوش او ماكين، وحلل أسباب وخلفيات موقفه بعمق وصراحة· يعدّ ريتشارد فورد أحد كبار الروائيّين الأميركيّين ويطلق عليه النقاد نعت ''عملاق الأدب الأميركي'' ورغم ما لهذه الصفة من مبالغة، ولكنّها تستند بلا شكّ إلى القيمة الفكريّة والأدبية للرّجل، فروايته الأخيرة L'Etat des Lieux، وهو العنوان الفرنسي للاصل الانجليزي The Lay of the Land هي بشهادة النقاد رواية ممتعة وناجحة، وتقع في 700 صفحة، وهي الجزء الاخير من ثلاثية تروي وتصور عشرين عاما من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية من خلال شخص واحد هو Frank Bascombe فرانك باسكومب، وهو اميركي ابيض له طفلان وفقد الابن الثالث عندما بلغ التاسعة من عمره، وهو مطلّق، والمرأة الثانية التي تعرّف عليها تهجره هي ايضا· إنه يأمل في أن ينعم بالدفء والسّعادة ويعيش في ضواحي مدينة جيرسي الجديدة، بدأ حياته صحافيا رياضيّا ثمّ أصبح بعد عشرة أعوام يتاجر في العقارات وهو في الخامسة والخمسين من عمره وعلم أنه مصاب بالسّرطان· دعوة لفهم الحياة ويرى النقاد أنّ الرواية إيجابيّة لأنّ البطل يتحدّى الصعاب ويسعى إلى مقاومة الإحباط، فهو يعلم أنّه مصاب بالسرطان ولكنّه يقاوم ويواصل حياته العاديّة، رغم أنّه كان يعلم أنّ حياته لن تستمرّ إلا عشرة أعوام أخرى فقط، ولو كان الحظّ إلى جانبه فربّما يعيش أكثر من ذلك بقليل، وهو يريد أن يعطي معنى لما بقي من حياته· والبطل في هذه الرّواية لا يمثّل الحلم الأميركي، وإنّما يصوّر معاناة الإنسان الوجوديّة أين كان هذا الإنسان ومهما كان، أميركيا أو فرنسيّا أو صينيّا· ويؤكد المؤلف إنّ شخصيّات هذه الثلاثية ليست ممثلة للشعب الأميركي، فبطل الرواية يمكن أن يكون فرنسيّا ويمكن للألماني أن يجد نفسه فيها· جوهر الأدب والفن يقول الروائي: ''إنّي أصوّر شخصيّة إنسانيّة صادف أنّها أميركيّة تدعو القارئ للحياة وتخاطبه ليعطي معنى عميقا لحياته، وهذا هو جوهر الأدب والفنّ، فهو دعوة لفهم الحياة لكي نحياها بعمق''·مضيفا في لقاء له مع مجلة ''لير'' (إقرأ) الفرنسية: ''إنّ الرّواية ـ في تصوّري ـ لا يجب أن تُقرأ ليصدّق الناس أحداثها، وإنّما لربط حوار مع القارئ، فالشخصيّة الرّئيسيّة في الرواية هي موجودة لعقد صلح عند القارئ بينه وبين نفسه وبينه وبين الكاتب، ومع الأسف فإنّ النهاية المحتومة للناس أجمعين هي في المقبرة، وفكرة التطوّر في الحياة هي خدعة نخترعها ونصدّقها لتغذية الأمل فينا· إنّي أردت أن أصوّر الحالة النفسيّة لرجل في الخامسة والخمسين وهو العمر الذي يشعر فيه الإنسان أنّ ما بقي من حياته هو أقصر ممّا مضى، وهي المرحلة التي يشعر فيها الإنسان أنّه ارتكب أخطاء في ماضيه وأنّه لم يعد يرغب في ارتكاب أخطاء أخرى فيما بقي من عمره، وهذا الشعور ـ إذا سكن الإنسان ـ فإنّه يمنحه شعورا بالحرّية والانعتاق''· النساء أفضل سُئل الكاتب وهو اليوم في الرابعة والستين من عمره: لماذا الرّجال في رواياته يتألمون أكثر من النساء من جراح لا تندمل؟ فأجاب: ''لأنّ النساء هنّ أحسن من الرّجال وافضل منهم وهذا ما أعتقده اعتقادا راسخا· إنّي أعيش مع زوجتي منذ اكثر من أربعين عاما ولديّ اليقين بأنّها معنويّا أقوى من أيّ رجل عرفته في حياتي'' ولمّا سُئل عن تفسيره لذلك، أجاب: ''لو كنتُ قادرا على تفسيره لما أصبحتُ روائيا''· طقوس وعن طقوس كتاباته قال: ''إنّي أكتب في أيّ مكان، شريطة أن لا يكون بجانبي جهاز هاتف وأن يتوفر لي شيء من الضّوء· إني لا أستعمل الكمبيوتر ولا أستعمل الآلة الكاتبة إلاّ عند تحرير رسائلي· إنّي أكتب بقلم جاف صغير زهيد الثمن، فالكتابة عندي أمر عاديّ وليس أمرا مقدّسا، والقاعدة الوحيدة التي أحرص عليها هي عدم شرب الخمر عندما أكتب· أحيانا عندما أكون بصدد كتابة رواية أجلس إلى مكتبي وأبقى مدّة طويلة أتأمّل في كلّ ما هو موجود فوق مكتبي، وعندما أشرع في الكتابة أكون كمن يبني جدارا''· الواقعية القذرة وفي ردّه عن سؤال عن الأسلوب الذي يكتب به، اجاب بأنّه لا يعترف بضرورة أن يكون لكلّ روائيّ أسلوب خاصّ به، علما وأنّ النقاد وصفوا أسلوبه في رواياته بـ ''الواقعيّة القذرة'' ولكن الروائي ريتشارد فورد يفسر هذا النعت الذي اطلقه عليه الناقد Bill Buford بيل بيفورد بقوله ان الناقد هو صاحب مجلة أدبيّة وقد سعى إلى التعريف بالروائيين الأميركيّين المغمورين لدى جمهور القراء في بريطانيا، وهو بصفته صحفيّ لامع، فقد ابتدع لكلّ كاتب نعتا خاصّا به وألصق به صفة لتسويقه، وفي هذا السياق وصف أسلوبي بـ''الواقعية القذرة''، ولكنّ الحقيقة هو ''اختراع صحفيّ''· فضول الكاتب وسئل الروائي الاميركي عن المسافة الفاصلة بينه وبين الشخصية الروائية التي ابتدعها، فبطل روايته الاخيرة شخصيّة تطلّقت مرتين، وله ابنان وبدأ حياته روائيّا ثمّ أصبح تاجر عقارات ويكتشف وهو في عقده الخامس أنّه مصاب بالسرطان، في حين أن الكاتب ريتشارد فورد رجل يعيش مع نفس الزوجة منذ 44 عاما، وقد اختار عن رغبة وإرادة بأن لا يكون له أطفال، ولا يشكو من مرض السرطان والسؤال الذي القي عليه هو: لماذا تكتب عمّا لم تعشه وعمّا لا تعرفه؟ فكان جوابه: ''لأنّ بي فضول لمعرفة ما أجهله، فخيالي يعوّض تجربتي الشخصيّة، ولذلك تصورت حياة هي تقريبا مناقضة لحياتي الشخصيّة''· مضيفا: ''إنّ الطلاق والموت والمرض أمور مخيفة، وأعتقد أنّ الفنّ يعوّض ما لم يجد الكاتب الوقت أو الشجاعة للقيام به وإنّ الفكرة التي أشاعها آرنست هيمنغواي والقائلة بأن الكاتب لا يجب أن يكتب إلاّ عن أشياء يعرفها هي فكرة مجنونة، ولو طبّقت هذه القاعدة على نفسي لما استطعت أن أكتب شيئا قط، وإنّ الأسلوب الوحيد الذي اكتشفتُ به كلّ ما لا أعرفه هو الخيال، فهو الذي غذّى فضولي لاكتشاف ما أريد معرفته''· أحداث11 سبتمبر والنقاد المتابعون لتجربة ريتشارد فورد الروائية سألوه عن إمكانية إصداره لجزء رابع يتلو الثلاثية حتى يكتشفوا كيفيّة تفاعل البطل مع أحداث 11 سبتمبر؟ فكان رده: ''إنّي لا أستطيع ككاتب وروائيّ أن تكون لي القدرة على التفاعل مع حدث قريب، فلا بدّ من مسافة زمنيّة لأكون قادرا على كتابة رواية يكون محور احداثها ما حصل يوم 11 سبتمبر، ويصحّ القول أنّ هذه الأحداث حاليّا هي في ''ملعب الصحافيّين''· إنّي أحترم دون دليللو Don Delillo وجون إيبولايك Johon Upolike كروائيّين كتبا عن أحداث 11 سبتمبر، ولكن ليست لي رغبة في مطالعة كتاباتهم تلك· إنّي روائيّ حرّ ولا أشعر أني ملزم بالكتابة إلاّ فيما أريد الكتابة عنه، وإنّي أختار بكلّ حرية وخارج أيّ شعور بالواجب مواضيع رواياتي وأحداثها، ولقد اخترتُ أن أكتب روايتي الأخيرة على خلفية انتخاب بوش، ولكنه اختيار مني وليس مرتبطا بواجب مفروض، الرأي عندي أنّ أحداث 11 سبتمبر هي حاليا في مجال التناول الصحفيّ وليس الفن والرواية مجالها حاليا''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©