الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات أكثر الدول قدرة على التواصل لحل أزمات العراق والمنطقة

الإمارات أكثر الدول قدرة على التواصل لحل أزمات العراق والمنطقة
16 أغسطس 2017 18:54
سماحة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري بالعراق شخصية جامعة ومقاتلة على جبهات كثيرة داخل وخارج العراق.. فالرجل مشتبك اشتباكاً تاماً مع كل الأحداث والملفات في محيطه المحلي والإقليمي .. ويحظى بتأييد شعبي كبير من كل التيارات والطوائف التي تبدو متناقضة في المشهد العراقي. حرصت كثيراً على لقائه والتحاور معه خلال زيارته للإمارات؛ لأن سماحته نادر التحدث لوسائل الإعلام، لكنه رحب كثيراً بلقاء «الاتحاد»، وكنا على ثقة بأن سماحته لديه الكثير الذي يقال حول مختلف الأمور. بدا سماحته سعيداً للغاية بلقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأكد لنا أن شخصية الشيخ محمد بن زايد المحبوبة والقوية في الوقت نفسه جعلت اللقاء أخوياً دافئاً وأبعدته تماماً عن الرسميات.. ورغم أننا تحدثنا في موضوعات كثيرة وأزمات متلاحقة بالمنطقة، فإن الحوار بيننا ظل طوال الوقت ودياً ودافئاً. وأكد سماحة السيد مقتدى الصدر خلال لقائنا معه أن الإمارات أكثر الدول قدرة على التواصل من أجل حل أزمات العراق والمنطقة بعلاقاتها الطيبة وانفتاحها على الجميع.. كما أكد أن المرحلة القادمة ستشهد تطوراً كبيراً في العلاقات الإماراتية العراقية على كل المستويات، وفي كل المجالات.. وحيث إنه من المعروف أن سماحته لا يجري حوارات إعلامية مطولة، فقد أحالنا سماحته بعد مقابلته إلى الناطق الرسمي باسمه الشيخ صلاح العبيدي، حيث جرى هذا الحوار المطول والذي أوضح من خلاله مواقف سماحة السيد من الكثير من القضايا والمسائل المهمة المتعلقة بالشأن العراقي العربي، وغيرها من القضايا. وإلى نص الحوار: * نبدأ حوارنا بالسؤال حول اللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يوم الأحد الماضي بسماحة السيد في أبوظبي، كيف كان اللقاء وما هي انطباعات السيد؟ ** كان اللقاء مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أخوياً بامتياز، وذلك بسبب التلقائية التي تميز بها اللقاء بين الطرفين، وأنا إذا ما ارتحت إلى شخص أو إلى مكان، أكون تلقائياً، وأحاول أن أرفع الرسميات الموجودة في أطر العلاقات الدبلوماسية بالمقدار الذي يجعل العلاقة أخوية، وهذا ما فعلته حقيقة. أيضاً أفرحنا جداً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قابل ذلك بكل رحابة صدر وبكل أخوية، وكان تلقائياً في إجاباته وعرض المواضيع التي تم التحدث عنها. * هل تم التركيز على نقطة معينة في هذا اللقاء؟ ** نقاط عدة تم التركيز عليها، واحدة من النقاط وأهم النقاط وضع العراق، وكيفية إعانة العراق على أن يخرج من أزمة الحروب التي يعيشها منذ زمن النظام السابق وحتى الآن، والإمارات يمكن أن يكون لها دور في هذا الموضوع لسبب مهم جداً؛ لأن أزمة العراق وكثرة الحروب والنزاعات فيه التي كانت في الفترة الأخيرة مبنية على أساس الخلاف الطائفي، وهذه الأزمة أضرت بالمنطقة جميعاً، ولم تضر العراقيين فقط ومستوى ضررها أنها تفجرت اليوم، وأصبحت في المنطقة كومة من الأزمات، المنطقة تطفو على أزمات، لذلك إذا أريد الحل في المنطقة فمنطلقه يجب أن يكون من العراق. والإمارات منفتحة على كل المحيط أكثر من انفتاح دول الخليج الأخرى، ولعل السبب هو الانفتاح التجاري والاقتصادي الذي تتمتع به دولة الإمارات مع الكل، وهذا يمكنها من التواصل رغم وجود بعض التوتر في العلاقة مع إيران، وهذا يجعل الإمارات أكثر من أي دولة أخرى من دول الخليج تمكناً من التواصل لحل الأزمات. وبالنسبة للعراق، فإن دولة الإمارات لها دور كبير؛ لأنها واحدة من بوابات العراق الاقتصادية والتجارية سواء دبي أو أبوظبي، وتجار العراق معروفون بانفتاحهم وانطلاقهم إلى العالم سواء في الشرق إلى الصين والهند وماليزيا في تجارتهم ومحطتهم الأولى هي الإمارات. فلذلك أكدت أن تطوير العلاقة الدبلوماسية بين الإمارات والعراق يمكن أن يخطو خطوات كبيرة جداً تختلف عن الخطوات قبل سبع أو ثماني سنوات، والحكومة العراقية الآن تختلف عن سابقاتها في تجاوبها مع العالم العربي المحيط بها، كما تدير دبلوماسية ناعمة تختلف عن دبلوماسية الصقور التي أدارتها الحكومة السابقة وسببت تشنجات كبيرة جداً في المنطقة، وأيضاً هناك في العراق تفاعل شعبي مع إجراء الحكومة، وسبب التفاعل الشعبي هو أن أزمة «داعش» على مدى ثلاث سنوات من الحرب الدائرة والقتال المستمر والدماء والضحايا والنازحين والمآسي الإنسانية وحدت العراقيين؛ لأن الجميع في العراق بكل طوائفهم ومكوناتهم اكتووا بهذه النار، وتأثرت بها كل الطوائف. الأزمات السابقة قبل «داعش» كانت تحدث بسبب كثرة التفجيرات في الجنوب مثل كربلاء والبصرة، ثم تتحول بعدها إلى صلاح الدين، ثم أزمة ما بين كردستان والحكومة المركزية، فكان البعض يتأثر بتلك الأزمات دون الآخر، أما في أزمة «داعش» فالكل تأثر والكل ضحى والكل قدّم، وذلك الجو الشعبي الموجود محتاج إلى تهدئة، ومحتاج إلى أمان وتعايش سلمي؛ ولذلك فإن الإمارات مقبولة جداً رسمياً وشعبياً بالعراق، والإمارات في طرف الأزمة وليست في وسطها، وهذا يجعلها تقدم شيئاً في الشأن العراقي، وتتقدم خطوات مع الدبلوماسية العراقية لإعادة الثقة. مفاتيح الاستقرار * ما هي من وجهة نظركم في مفاتيح استقرار العراق التام اليوم، والحمد لله وضع العراق أفضل بكثير، لكن ما هي مفاتيح استقرار العراق الرئيسة؟ ** لنقل إن مقدمات الاستقرار في نفوس أبناء العراق موجودة في نفوس الكثيرين من ساسة العراق، ولكن ليست في نفوس البعض من الساسة الذين استفادوا وبنوا وجودهم السياسي والحزبي وكيانهم على الاحتراب الطائفي، وهؤلاء إذا تحول الاحتراب الطائفي إلى اعتدال فسوف يتأذون؛ لذلك سيحاولون الدفاع عن كينونتهم المبنية على الاحتراب الطائفي، وأن يبقى الوضع كما هو. المفاتيح عديدة وليست واحداً، ويجب أن يكون هناك تحرك من الأطراف العراقية من مختلف مكوناتها، ويجب أن يكون هناك تحرك شعبي وتحرك خارجي من دول المنطقة ودول العالم لإعادة لغة الاعتدال، وأن تكون هي اللغة السائدة، وإعطاء مجال لمن يتبنى هذه اللغة أن يكون مقبولاً ومتقدماً على الآخرين من ناحية قبول توصيفاته لحل هذه المشاكل وقبول مقترحاته قدر الإمكان والتعاون التفصيلي لإرسائها. توجد مشاكل عملية، مثل تواجد السلاح داخل العراق، ويجب أن يحصر كل السلاح بيد الدولة. ثانياً، هيبة الجيش العراقي وقوى الأمن العراقية يجب أن تستعاد، ولكن ليس بلغة القوة وإيذاء الفرد العراقي.. وإنما بلغة الحزم والاحترام، وإعطاء المواطن العراقي حقوق المواطنة الكريمة، والنقطة الثالثة هي الأهم، وهي ضرب المفسدين الذين بنوا بنياناً مختلاً في الدولة العراقية من أجل استنزاف الدولة، ومن أجل مصالحهم وبنوكهم وأحزابهم. هؤلاء يجب أن تكون هناك وقفة حازمة تجاههم وضدهم، ونعتقد أن العراق مقبل على محاسبة بعض المفسدين الذين لديهم أموال في دول أخرى، فهؤلاء تجب محاسبتهم وتجريمهم، وأن تتعاون دول المنطقة لإعادة هذه الأموال للدولة العراقية. هذا هو الدور الإقليمي الذي يمكن أن تلعبه المنطقة في إعادة استقرار العراق.. فالعراقي إذا لم يشعر بأن من آذاه واستنزف ثرواته قد حوسب واسترجعت منه الحقوق، فلن يقر له قرار مع كل التفاؤل الذي نحمله بشأن وجود جو جديد ومناخ كامل شعبي وسياسي للتغيير، فإن التغير لم يحدث حتى الآن، ورافضو التغيير موجودون بقوة في مفاصل الدولة العراقية؛ ولذلك نتوقع أن تكون هناك محاولات من تلك الأطراف لخلق انتكاسات لمسيرة الاعتدال والاستقرار، ويحاولون تعكير صفوها وتعطيل المسيرة، والمفروض إذا حدث مثل هذا التعكير من هنا وهناك، أن ينظر إليه نظرة حكيمة وثاقبة ومتوازنة مبنية على أساس ثقة متبادلة مع الجهات التي تسعى إلى الاعتدال. مظاهرات ضد الفساد * لاحظنا اهتمام سماحتكم بموضوع مكافحة الفساد، وكثير من المظاهرات خرجت، واللافت أن هذه المظاهرات لم تكن حكراً على طائفة دون أخرى، وإنما الشعب العراقي كله شارك بمختلف طوائفه، وقد هذا كان واضحاً جداً، فهل أسلوب المظاهرات هو الأسلوب الأمثل لمواجهة الفساد والفاسدين؟ ** يجب أن نعترف بأن الذي يوقف المفسدين عند حدهم ويحاسبهم ويسترجع الحقوق منهم ليس خطوة واحدة وأسلوباً واحداً، يجب أن تكون هناك خطوات متعددة وآليات متعددة، وفي الفترة السابقة وجدنا أن المظاهرات هي الوسيلة الأمثل لعدة أسباب، أولها أن التظاهرات سلمية مطلبية شعبية وليست مطلبية حزبية، ولم تخرج من أجل طائفة دون طائفة أخرى أو حزب دون حزب، بل خرجت من أجل مطلب كل الشعب العراقي يريده، وبمحافظتنا على استمرارها وسلميتها ووطنية المطلب فيها ثبت لدينا أن كثيراً من خطوات المفسدين قد حيدت وحصرت ووضعت أمامها حواجز بسبب هذه التظاهرات، ولو أنها غير مرئية، وكان المفسدون يريدون أن يبالغوا في الفساد أكثر وأكثر، لكن تم وضع حد لهذا. والنقطة الثانية، المظاهرات حل شعبي وليست حلاً حكومياً، وهي تدفع وتضغط على الحكومة من أجل أن تتخذ خطوات؛ ولذلك هي الحل الذي يمكن أن تحتاج إليه حكومة العبادي؛ لأن هذه الحكومة لا تتمتع بمساحة واسعة للحركة، وهناك مقيدات لها من قبل الأطراف التي لديها مؤسسات فساد، والسيد العبادي صرح أكثر من مرة بأن أصدقاءه هم المتظاهرون، على اعتبار أنه ينتفع بهذه الحركات الاحتجاجية لإيقاف هؤلاء عن الاستمرار بالفساد بخطوات مهمة ومفصلية. بين العبادي والمالكي والمرجعية في النجف الأشرف تؤيد هذه التظاهرات، وتأييد المرجعية لهذه التظاهرات ألقم أفواه كثير من المفسدين حجراً؛ لأن بعض المفسدين في بعض الأوقات كانوا يدعون الاتصال بالمرجعية، وأنهم على علاقة بالمرجعية. فعندما أعلنت المرجعية أنها مع التظاهرات وضد المفسدين لم يبقَ لهؤلاء المفسدين سبيل لأن يتشبثوا بالمرجعية، ومن جهة ثانية فإن المرجعية هي التي رفضت ترشيح رئيس الوزراء السابق لدورة ثالثة ووقفت بقوة، مما أعطى العبادي فرصة أن يترشح لرئاسة الوزراء، ورغم أن العبادي والمالكي من حزب واحد، فإن الملموس على الأرض والموجود بشكل فعلي وواقعي أن طريقة إدارة العبادي للدولة تختلف عن سابقه بشكل جذري، فهو يبتعد عن اختلاق وافتعال الأزمات، ونجح في ثلاثة ملفات، وهي ملف العلاقات الخارجية في المنطقة وإدارة دبلوماسية لطيفة خصوصاً مع السعودية ودول الخليج، وأيضاً الملف الأمني لأنه استلم الحكومة و40% من الأراضي العراقية ساقطة بيد «داعش»، والآن أكثر من 90% من الأراضي التي سقطت تم استرجاعها، ولدينا 10% إلى 15% في طور الاسترجاع في الفترة المقبلة، أيضاً رغم أن هناك أزمة مالية شديدة عصفت بالعراق في فترة الحرب و«داعش» فإنه حاول أن يوصل رسائل عملية وليست قولية فقط لأبناء الشعب العراقي أنه سوف لن تضر هذه الأزمة بمقدرات المواطن العراقي العادي، وحاول الاستفادة من المظاهرات وتأييد المرجعيات وبعض الأحزاب. * ذكرتم موضوع جمع الأسلحة، كيف كانت الاستجابة لدعواتكم، وهل لقيت قبولاً بشكل عام؟ ** العبادي من جهته الحكومية، ونحن من جهتنا الدينية والشعبية نتعرض لهجوم كبير جداً من الأطراف التي تريد أن تبقي على الفساد، ويحاولون ببعض العناوين المقبولة والمحبوبة شعبياً مثل عنوان الحشد الشعبي، وأنا أرى أن الحشد الشعبي أحد رموز تحرير العراق، وفي كثير من الأجواء حتى غير الشيعية يعتبر الحشد الشعبي نموذجاً لتخليصهم من «داعش»، فهناك مناطق سنية على تماس مع إقليم كردستان تعتبر الحشد الشعبي مخلّصاً من امتداد الهيمنة على مناطقهم، ومع ذلك نرى أن هناك نقاطاً سلبية وأخطاء من قبل بعض الأطراف التي تتسمى باسم الحشد الشعبي ونسميهم الميليشيات الوقحة؛ لأننا لا نريد عنوان الحشد أن يتحول إلى عنوان تبتز الأطراف الفاسدة الشعب والدولة من خلاله، فالبعض يريد أن يبتز بوجود سياسي أو سلطوي أو حكومي أو مالي، وأردنا أن نقف في وجه هذا الابتزاز، واتفقت هذه الرؤى مع رؤى المرجعية، ولا نقول إننا ننفذ رأي المرجعية، ولكن الرؤى اتفقت في ذلك، وكانت رؤية العبادي قريبة من ذلك؛ ولذلك يحاول المبتزون إيذاء سمعة سماحة السيد شعبياً ويقولون، إن مقتدى يريد حل الحشد الشعبي بينما ما أكدناه هو تقنين وجود الحشد الشعبي في إطار الدولة، وأكد سماحته في خطابه بعد عودته من المملكة العربية السعودية أنه يجب حصر السلاح بيد الدولة فقط والأجهزة الأمنية والتعامل مع السلاح الموجود بيد الحشد بأن يسحب بشكل ودي. العراق بعد «داعش» * كيف يرى السيد مقتدى مستقبل العراق بعد تحرير الموصل بشكل عام؟ ** بعد تحرير الموصل، نعتقد أن الجهود يجب أن تتضافر حتى لا يعود «داعش» مرة أخرى ولو بثوب جديد. فأول ما ظهر التطرف في العراق ظهر من خلال القاعدة وحورب بالتعاون بين أبناء العشائر والحكومة، وتم إخراج «القاعدة» من الأماكن التي كانت موجودة فيها خصوصاً في منطقة الأنبار، لكن لم يتم إنهاء «القاعدة»، واستطاعت أن تولد من جديد بثوب «داعش»، وجاءت بتجارب كثيرة من أطراف متشددة من كل دول العالم وأتت بهم إلى العراق وسوريا، فلذلك يجب أن ننظر في المرحلة المقبلة ما بعد تحرير الموصل إلى أن إعادة الإعمار ليست فقط المدن، بل الإنسان الذي تعرض لتخريب وإيذاء يجب إعادة الإعمار بشقيه وإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي وإعادة تفعيل وجود العراق بشكله العام في المنطقة كلاعب أساسي، وليس مستبعداً من حاضنته الإسلامية والعربية، ويجب أن نعرف أن هناك ثقة مهزوزة يجب أن تعاد، وهي ثقة مهزوزة بين أطراف الشعب العراقي وثقة مهزوزة بين القوى الأمنية والشعب وثقة مهزوزة بين العراق وأشقائه العرب وثقة مهزوزة في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع وضع العراق، وإذا أعدنا الثقة في هذه الأطر الأربعة نعتقد أن المسيرة في إنهاء الأزمات الأخرى في المنطقة سوف تكون سريعة وليس فقط في العراق. تحديات * هناك بعض التحديات، بعد تحرير الموصل، عندنا موضوع الطائفية مشكلة موجودة وإعادة الإعمار والإرهاب والنازحين.. هل لديكم رؤية استراتيجية للتعامل مع هذه التحديات؟ ** قدم التيار الصدري أطروحة قبل عدة أشهر، بالإضافة إلى الأطروحة الأساسية لمحاربة الفساد، ونعتقد أن الإرهاب الذي جاء من الفساد، الإرهاب في مرحلته الثانية جاء به الفساد، وإذا لم نقل إنه جاء به مباشرة، فإنه أعطاه مناخاً مناسباً لأن يكون ذا تأثير وقوة، فالمنهجية المطروحة عندنا هي محاربة الفساد بشكل أساسي، وواحدة من فوائد محاربة الفساد أنها أنهت الطائفية.. كيف؟ عندما قدم السيد العبادي حزمة من الإصلاحات في تغيير تشكيلة الحكومة انشق البرلمان إلى فريقين فريق يدعم الإصلاحات وفريق ضد الإصلاحات، والفريقان بعد عام 2004 كانا يتشكلان تشكيلاً طائفياً، وفي محاربة الفساد تشكلا تشكيلا غير طائفي، ففي الفريق الذي يحارب الفساد هنالك سنة وشيعة وبعض الكرد وفي الفريق الآخر هناك شيعة وسنة وأكراد، وبعد محاربة الفساد طرحت أطروحة سميتها المصالحة المجتمعية، فمنذ 2005 الكل يطالب بمصالحة وطنية، وكانت هناك مؤسسة خاصة بالمصالحة الوطنية لكن كل ذلك كان مجرد شكليات، مجرد مناصب وضعوا فيها فلاناً وفلاناً ومحاصصة وامتيازات وكل ما تمخضت عنه عبارة عن لقاءات سياسية بين بعض السياسيين لكن من دون نتيجة، وقد قدم سماحته أطروحة هي أن المصالحة يجب أن تكون بين أفراد المجتمع العراقي وقدمنا نموذجاً عملياً عبارة عن سرايا السلام وهي فصيل يقاتل ضد «داعش»، وهذا الفصيل أثبت وجوده على الأرض في منطقة سامراء وهي سنية، وعندما تم تحرير تلك المنطقة من «داعش» أعيدت العوائل إلى بيوتها في غضون 35 يوماً لم نبقهم نازحين لفترات طويلة، وبدأوا يعيشون حياتهم.. صحيح أنه يوجد بعض التشدد الأمني، مثل حظر التجوال ليلاً وسرايا السلام هي التي تقوم بنقل الحالات الطارئة بسياراتها ليلاً وتعيدها، مما نتج عنه تفاعل وتعاطف وعلاقات طيبة وثقة متبادلة. وعندما أرادت بعض السرايا الانسحاب من المنطقة وتسليمها لجهات أخرى، رفض الأهالي خوفاً من الأذى الذي يمكن أن يتعرضوا له من الجهات الأخرى، وبالفعل تم في خلال السنة الأخيرة إلقاء القبض على عدة خلايا لـ«داعش» في المنطقة بسبب إرشاد أبناء المنطقة الذين أبلغوا سرايا السلام بذلك. هذا النموذج في سامراء كان نموذجاً للمصالحة المجتمعية، كذلك شكلت ثلاث لجان لمتابعة عمل السرايا في المنطقة واستقبال شكاوى الأهالي ومحاسبة المتجاوزين ومعاقبتهم، وهذا الإجراء أثبت أن المصالحة المجتمعية هي التي تأتي بنتيجة. الطائفية * إلى أي مدى يشغل موضوع الطائفية سماحة السيد، فالموضوع لم يعد في العراق وحده، بل انتشر في كل المنطقة، فكيف ينظر سماحة السيد للقضاء على هذه المشكلة؟ ** في زيارتنا للمملكة العربية السعودية، قال لهم السيد إننا حاولنا أن نخطو خطوات كتجربة، ووصلنا إلى نتيجة وهي أن مجرد إبداء الآراء ومجرد رفض المكفرين والمتشددين ومجرد الحديث عن الاعتدال لا يكفي، يجب أن تكون هناك ممارسة عملية للوقوف بوجه الطائفية، فعندما وجدنا من يكفر من يمشي بجنازة المرحوم عبد الحسين عبد الرضا، وجدنا في نفس الوقت أصواتاً ردت بقوة وبشدة وهذا مفرح، وقد ذهب السيد إلى مساجد إخوتنا السُنة وصلى خلفهم، وعندما كان الأكراد يعيشون أزمة مع المالكي ذهب سماحته إليهم في إقليم كردستان وقال لهم إنني معكم في سحب الثقة من المالكي بالأطر الدستورية والصحيحة، وطلب منهم أن يكملوا ويعتبروا أن أربعين صوتاً ستصوت معهم، هذا تعايش عملي وتفصيلي، أيضاً عندما تم تحرير الأنبار دعوت أبناء المناطق المستقرة في الجنوب والوسط إلى جمع تبرعات؛ لأن المحافظة تحتاج إلى دعم، وتمت إقامة مشروع متكامل قبل تحرير الموصل بشهر تقريباً أطلق عليه «يؤثرون»، وتم جمع تبرعات من المحافظات الجنوبية وإرسال فرق من هذه المحافظات تأخذ تبرعاتهم وتذهب إلى هناك لإعانة النازحين في حل مشاكلهم، هذه الخطوات التي تعتبر المعايشة والمعاشرة لرفع الطائفية الوسيلة الأمثل. وهذا العام عندما وصل الحجاج العراقيون إلى عرعر في السعودية استقبلهم أمير الحج على الحدود وقدم لهم الزهور وصاحبهم في الطريق، مما أعطى انطباعاً شعبياً شيعياً بأن الحكومة السعودية لديها خطوات عملية في التجاوب والتعاطي، وهذه كلها خطوات إيجابية، ونعتقد أن هناك فرصة لإنهاء الطائفية داخل العراق، وإذا استطعنا أن نتخلص من سلبيات الطائفية ونبقيها بأبعاد إيجابية، فهذا سوف يؤثر على كل المنطقة. بناء الثقة * ما مدى الثقة التي تشعرون بوجودها بين القيادات السنية والشيعية وحتى على المستوى الشعبي، هل تشعرون بأن هناك تغيراً وتقدماً في هذا المجال؟ ** بناء الثقة بين الطوائف مجتمعياً موجود.. البناء موجود، ولكن إتمام البناء ليس موجوداً، بمعنى أن خطوات البناء موجودة، لكنها تتعرض إلى نسف بين فترة وأخرى، والمتسبب في نسف هذه الثقة الشعبية هم الساسة، البناء يسير إلى فترة ويصل إلى مراحل جيدة، ثم يأتي تصريح أو خلاف سياسي بين شخصية أخرى أو حزب وآخر واتهامات متبادلة بالإعلام وتصريح وتفكير.. هذا ينسف حرصنا على أن ما نبنيه يجب أن نحافظ عليه ونحصنه من أن تهدمه رغبات الساسة الطائفية، وهذا الحرص يمكن أن يوصلنا إلى نتائج كبيرة جداً. * بالنسبة للأكراد، هناك استفتاء سيتم الشهر المقبل، كيف ينظر سماحة السيد لهذا الموضوع؟ ** نظرته وطنية واضحة منذ سقوط النظام السابق عام 2003 حتى الآن، ورفض أي محاولات لتقسيم أو تجزئة العراق بعنوان انفصال أو عنوان تقسيم أو ما إلى ذلك، لكن مع ذلك فإن هذا الاستفتاء إذا كان بالأطر الدستورية والقانونية، ويكشف عن رغبة للإخوة الأكراد فلهم ذلك، لكن السيد بيّن لهم أن أكثر المتضررين سيكونون هم؛ لأن هذه الرغبة في الانفصال مرفوضة من دول المنطقة، وأنهم سيكونون في عزلة لأنهم سيعيشون ضمن حدود دول ترفض هذا الانفصال وإذا تعاملوا مع العراق كدولة ثانية، فلن يحصلوا على امتيازات، وستتعامل معهم الدولة العراقية وتأخذ منهم امتيازات. العراق والعرب * هناك شعور بأن العراق صار بعيداً عن العالم العربي، ربما لمشاكله الداخلية أو غيرها من الأسباب، هل تعتقدون أن عودة العراق من جديد إلى حضن العالم العربي ممكنة وقريبة بشكل فاعل ومؤثر؟ ** علاقة العراق مع الإطار العربي والإسلامي عانت توتراً كبيراً بدأ منذ دخول الجيش العراقي في عهد صدام حسين إلى الكويت، بحيث انتهى التمثيل الدبلوماسي لكل دول الخليج داخل العراق، وانتهى التمثيل الدبلوماسي لأغلب الدول العربية داخل العراق، وبدأت العزلة من هناك، وعاش العراق فترة حصار، وعندما انتهى النظام السابق، وجاء نظام جديد ظهرت مشكلة الطائفية، وهناك طائفة تريد أن تتشبث وتتمركز وتكون لها علاقة بإيران فقط وتنفصل عن العالم العربي.. دعنا نقول إن هذه هي الشكوك التي كانت موجودة.. مهمتنا اليوم أن نرفع هذه الشكوك المتبادلة، عودة العلاقات مع الأشقاء العرب مهمة جداً لكلا الطرفين، للعراق وللحاضنة العربية أيضاً، ويجب أن تكون بتبادل الخطوات من الطرفين ولا يلقى اللوم على جهة واحدة. واحدة من الكلمات اللطيفة التي سمعناها من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حيث قال نحن نعاتب أنفسنا على أخطاء سبقت قبل أن نعاتب العراقيين على أخطاء صدرت منهم، وهذا تشخيص دقيق للمشكلة ومنهجية صحيحة للخروج من المشكلة، من الضروري جداً أن يكون للعراق دور كبير في المجتمع العربي ليس فقط على المستوى السياسي والحكومي وإنما على كل المستويات، هناك مستوى شبه رسمي مثل النقابات والاتحادات، ومنها رياضي وطبي، وكل منظمات المجتمع المدني اليوم لها دور، وإذا كان هناك تفاعل على هذا المستوى فإن أي سوء ظن وشكوك بين الأطراف الحكومية لن يزعزع العلاقة الشعبية. ونأتي للتداخل الأكبر الذي يكون عن طريق شعبي أكثر دقة، فاليوم هناك موسم للحج، وهناك مواسم ثقافية ورياضية وإذا استثمرت فستكون إيجابية جداً، واضرب مثالاً وهو قدوم فريق أردني للعب على الملاعب العراقية رغم حظر «الفيفا» اللعب على الملاعب العراقية، وهذا يرسل رسالة إيجابية لـ«الفيفا» أنه من الممكن اللعب على الملاعب العراقية، وهذا قوبل بترحيب أخوي وتفاعل كبير من العراقيين منقطع النظير، وإذا حدث هذا من أكثر من دولة عربية على المستوى الرياضي، فإن أبناء المجتمع العراقي سيحفظون للعرب هذه الخطوة، فالكل يحب الرياضة، ويعشق التواصل على هذا الجانب، مما يقوي وشائج التواصل بين الشعوب العربية، وإذا ما بقي العراق مستبعداً من الدول العربية فستكون له علاقات قوية مع أطراف أخرى مثل إيران وتركيا، وغيرها وهذه دول تعمل لصالحها. * هل تجدون مبرراً للتخوف العربي من الوجود والتأثير الإيراني في العراق ونحن نسمع الكثير عن الهيمنة الإيرانية؟ ** المشكلة في تهويل هذه المخاوف، فهناك تصور أن الهيمنة الإيرانية في العراق هي هيمنة تامة وعلى كل المفاصل، هذا كلام غير دقيق وأعطي أمثلة: أنا والسيد حيدر العبادي وجهات أخرى عراقية مثل القائمة العراقية (اياد علاوي) وبعض الأطراف الكردية وبعض الأطراف السنية لا تقبل النفوذ الإيراني ولا تريد للمشروع الإيراني أن يتوسع، وتتحدث عن ذلك بكل صراحة، لكنها لا تريد أن تقطع العلاقات وتحول المسألة إلى أزمة مع إيران، فالإيرانيون لديهم مصالح، ويحاولون إيجاد هذه المصالح بأوسع ما يمكن داخل العراق، ومهمتنا أن نضع هذه المصالح بشكل مقبول، إذا حوّلنا إيران إلى عدو للعراق وجبهة جديدة، فالعراق سيكون بأزمة، وإذا قبلنا بالمخاوف من الهيمنة الإيرانية فستكون هناك أزمة أخرى، فيجب أن نحدد ما هي المنافذ التي يجب أن تسير فيها العلاقة بشكلها المقبول ونعمل على ذلك. إذا كان هناك وجود دبلوماسي وتعاون شعبي وتعاون شبه رسمي ما بين العراقيين والدول العربية، فإن النفوذ الإيراني سينحسر بشكل أكيد. * وهل هذا ممكن وله قبول داخل العراق؟ ** ممكن جداً؛ لأن العراقيين يحبون الانفتاح على كل دول العالم وليس لديهم قرار في محدودية التعاطي مع دولة دون أخرى وأضرب مثالاً، فالعراقيون عانوا لعقود منع السفر وبعد عام 2003 بدأوا يخرجون إلى كل دول العالم من عمرة وحج وزيارة إيران وسوريا وسياحة دينية وغير دينية، وكل دولة كانت تفتح السفر للعراقيين لكي يتوجهوا إليها، والآن هناك حركة سياحية كبيرة مع مصر على مدار السنة والذي يحدد انفتاح العراق هو انفتاح الطرف الآخر. * بالنسبة للأزمة الخليجية، كيف ينظر سماحة السيد إلى هذه الأزمة، وكيف ينظر إلى دور قطر في دعم الإرهاب؟ ** حاول سماحته أن يكون المطلب في هذه الأزمة هو تخفيفها، وليس تشديدها والخروج منها بشكل سريع وبحلول منطقية وإذا كانت هناك أخطاء مرصودة على قطر، فيجب أن يكون هناك تعاطٍ دبلوماسي للخروج من هذه الأخطاء، وتحديدها وتفصيلها، لكن بلوغ الأزمة مستوى أكبر يخيفنا كثيراً؛ لأن كثرة الأزمات في المنطقة تعني بقاء العراق في أزمة كبيرة وتعني عدم استقرار في المنطقة، وهذا ما لا نريده والمنهجية والاستراتيجية التي أراها في كل أزمات المنطقة هي لغة الحوار والتعاطي بهدوء. * لو أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الأزمة منذ 2013 و2014 والحلول الدبلوماسية والاتفاقيات ولم تصل الدول المقاطعة إلى نتيجة، ولذلك وصلوا إلى هذه المرحلة فكيف ترون اليوم الخروج من هذه الأزمة؟ ** لم يدخل السيد في التفاصيل، وإنما أشار إلى الأزمة مجرد إشارة، وقال عندما تحدث أزمة بين بلدين دائماً تأتي وساطات، هذه الوساطات إما أن تكون منحازة، أو أن تكون حيادية، وسبب استمرار الأزمة السورية أن الوساطات التي تدخلت كانت منحازة وليست حيادية، وعدم وجود الوساطات الحيادية يوجد عدم ثقة؛ ولذلك آثر سماحته على نفسه أن يتدخل إذا طرح عليه هذا الموضوع بأن يكون وسيطاً حيادياً، وحتى في مسألة الاتهامات الموجودة من جانب أي طرف من طرفي الأزمة نقول إنه يجب التعاطي بهدوء مع الطرف الذي يثبت عليه شيء، لكن أن تصل الأزمة إلى مستوى تبادل الاتهامات فإن الأزمة تتعقد أكثر. * كيف ينظر سماحة السيد إلى أزمات سوريا وليبيا واليمن؟ ** منهجيته هي أن «أسمع كلام الشعب ولا أنصت لمصالح الساسة فقط»، وقد أكثر من نصح أطراف الأمم المتحدة بالتعامل مع إرادات الشعوب؛ لأنها هي الغالبة، لأن الشعب إذا رأى أن هناك إرادة أخرى فرضت عليه فإنه لن يقر له قرار، ومن هنا دعا الرئيس بشار الأسد إلى أن يتنحى بشكل أخوي. * وكيف كان رد الرئيس بشار؟ ** كانت هناك ردود متشنجة وتعامل مع دعوة السيد ببعد غير أخوي، بل ببعد دبلوماسي متشدد. * نحن نعرف توجهات سماحة السيد العروبية وتوجهاته التي لها سمعة طيبة في العالم العربي، هل لدى سماحته مشروع عربي للخروج من أزمات المنطقة كلها، خاصة ونحن نمر اليوم بأسوأ مرحلة في تاريخ العرب؟ ** إذا عبرنا بمشروع متكامل لا أستطيع أن أقول إن هناك مشروعاً متكاملاً، نعم لديه أفكار وخطوات وآلية مرتكزة على شيء أن من يأتي بمشروع متكامل سوف يرفض لأن بعض أطراف الأزمة سوف يعتقد أن هذا المشروع ضده، وسوف يرفضه، ونعتقد أنه آلية التشاور لإيجاد مشروع بشكل مشترك هي الأمثل. هناك دول رئيسية في المنطقة إما بعراقتها أو كبرها أو بوضعها المالي يؤهلها لأن تكون اللبنة الأساسية لوضع هذا المشروع، ونذكر مثلاً مصر والسعودية والمغرب والإمارات والعراق، يمكن أن تشارك في ذلك، هذه الدول الأساسية إذا جلست ووضعت الآلية للمشروع، وطرح هذا المشروع على الدول العربية كمشروع متكامل فسوف نخرج من الأزمة. * بعد زيارة سماحة السيد إلى السعودية والإمارات سوف تكون هناك بلا شك أصوات مرحبة وأصوات ربما تتساءل: ماذا وراء هذه الزيارة.. كيف ينظر سماحته للخطوة التالية بعد هاتين الزيارتين؟ ** يرى أن الاستمرار بالتواصل مع الدول العربية مهم جداً لمصلحة العراق أولاً وأيضاً لمصلحة العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول كي يلعب العراق دوره الأساسي في المكون العربي.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©