الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكم شرعية على الطريقة البريطانية

محاكم شرعية على الطريقة البريطانية
20 نوفمبر 2008 03:42
أرادت هذه المرأة المحتشمة في الملابس السوداء لنفسها طلاقاً إسلامياً بواسطة محكمة شرعية، وأخبرت القاضي الشرعي أن زوجها يضربها ويقهرها ويتمنى لها الموت· غير أن زوجها نفى صحة ادعاءاتها، بينما سعى القاضي قدر وسعه للمحافظة على استمرار الحياة الزوجية بينهما· وحين شعرت الزوجة بقرب هزيمتها في الشكوى القضائية التي رفعتها، استلت للمحاكمة سلاحها السري: والدها· فظهر هذا الأخير في جلبابه ولحيته الوقورة أمام المحكمة، ووصف صهره بأنه شخص أحمق انفعالي سريع الغضب، وقال إنه كثيراً ما أهان عائلته وأذلها بعيداً عن عيون الشرطة البريطانية· ولدى سماعه لتلك الإفادة قرر القاضي الحكم بالطلاق في القضية المعروضة أمامه على الفور· فهذه هي العدالة الإسلامية على الطريقة البريطانية· وعلى رغم حمى الحوار العام حول حدود ومدى التسامح الديني، وإعلاء القانون البريطاني على غيره، إلا أن بعض جوانب الشريعة والقوانين الإسلامية وجدت سبيلها إلى التطبيق بأشكال شتى في المحاكم البريطانية المنتشرة في مختلف المدن· وبالطبع فإن لكنيسة إنجلترا محاكمها المسيحية التابعة لها، وكذلك لليهود البريطانيين محاكمهم التي ظلوا يحتكمون إليها في مجال الأحوال الشخصية لما يزيد على القرن· لكن منذ أن دعا الدكتور روان ويليامز، كبير أساقفة كانتربري، في شهر فبراير المنصرم، إلى تضمين بعض جوانب الشريعة الإسلامية في النظام القانوني التقليدي المطبق في بريطانيا، وجدت الحكومة نفسها في صراع مستمر بين محاولة تهدئة المنتقدين لدعوة الدكتور روان ويليامز من أساسها، وهي انتقادات تدعمها قاعدة شعبية مسيحية عريضة من جهة، وبين إرضاء الجالية المسلمة البريطانية وطمأنتها على حرص بريطانيا على صون حقوقها وحرياتها، من جهة أخرى· وعليه فقد جاء موقف الحكومة حذراً وملتبساً في آن، وفيه ما يشير بوضوح إلى الطابع النزاعي الذي عادة ما يحيط بأي حوار عام حول ما يمكن أن يكون عليه دور الجالية البريطانية المسلمة التي يقارب تعدادها المليوني نسمة· وعلى أي حال، فليس هناك في نصوص القانون البريطاني ما يمنع فئة من فئات المجتمع من الاحتكام إلى قوانين الشرع الخاص بها متى ما أرادت تلك الفئة، شريطة عدم تعارض تلك الرغبة مع مبادئ القانون الإنجليزي· وهذه هي فحوى التصريح الصادر عن جاك سترو، وزير العدل البريطاني، في الشهر الماضي· غير أنه أضاف أن السيادة ستكون دائماً للقانون البريطاني، وسيظل البريطانيون جميعاً متساوين أمام القانون، بصرف النظر عن انتمائهم الديني· إلا أن الكثير من النقاد المحافظين والليبراليين، الذين يجهلون حقيقة استمرار المحاكم الشرعية الإسلامية في أداء وظيفتها العدلية منذ سنوات، واصلوا شجبهم للمحاكم هذه، ووصفوها بأنها محاولة بائسة لإحلال محاكم هزيلة محل تلك المؤسسات العدلية الراسخة، القائمة على الفقه القانوني البريطاني· ومن بين الانتقادات التي أثاروها ضد هذه المحاكم: سرية جلساتها، وافتقار قضاتها للمعايير والتدريب العدليين، إلى جانب عدم خضوعهم لأي شكل من أشكال الرقابة القانونية عليهم· وأشار المنتقدون كذلك إلى حالات عنف منزلي يتكرر حدوثها في العائلات المسلمة، سعى فيها الفقهاء للمحافظة على استمرار الزواج عن طريق أمر الزوج بحضور فصول دراسية مخصصة للسيطرة على الغضب· وبسبب خوف الزوجات من عواقب ما يمكن أن يحل بهن في البيوت -بعيداً عن عيون الشرطة والرقابة العدلية- فقد اضطر الكثير منهن لشطب البلاغات التي تقدمن بها للشرطة ضد أزواجهن· ووصفت ''بروين علي'' -المدير المؤسس لشبكة فاطمة النسوية، وهي مجموعة مناصرة للمرأة مقرها في ليستر- هذا النوع من النساء بأنهن أسيرات قدرهن· أما في تعليقها على المحاكم الشرعية فقالت إنها لا تخضع لأي رقابة خارجية عليها، ولا تحفظ فيها الملفات القضائية التي تنظر فيها· ومع ذلك تزداد شعبيتها في أوساط الجالية المسلمة، بقدر ما يزداد الغضب الشعبي الرافض لها من قبل معارضيها ومنتقديها من غير المسلمين· والحقيقة أن بعض هذه ''المجالس غير الرسمية'' وهذه هي التسمية التي عرفت بها المحاكم الشرعية، واصلت تقديم الشورى والنصح في الحالات الشخصية، وكذلك إصدار الأحكام في بعض الحالات، لما يزيد على العقدين· أما خلال السنوات الأخيرة الماضية، فقد شهدت هذه المجالس توسعاً ملحوظاً، سواء من حيث العدد أم الدور الذي تقوم به في أوساط الجالية المسلمة· وعلى حد معلومات الفقهاء المسلمين العاملين فيها، فقد شهدت المجالس زيادة في عدد الحالات التي نظرت فيها، تقدر بحوالي 50 في المئة منذ عام ·2005 وفي معظم الحالات التي نظرت فيها المجالس، تطالب النساء بالطلاق· وتحولت المحاكم هذه إلى قبلة للنساء الساعيات للخلاص من زيجات نضب فيها الحب وذبل· ولا تقتصر الحالات التي تنظر فيها المحاكم الشرعية على بريطانيا وحدها، وإنما نظرت في قضايا نساء وأفراد من جنسيات ودول أخرى مثل آيرلندا والدانمرك وهولندا وألمانيا· كما نظرت المحاكم في قضايا أخرى، مثل نزاعات الملكية والثروة، والعمل والميراث، والإعاقة البدنية· والملاحظ أنها نأت بنفسها عن النظر في القضايا الجنائية، التي ربما تتضمن عقوبة الجلد أو الرجم وما إليهما· وعلى رغم كون القضاة العاملين في هذه المحاكم غير مسجلين مهنياً لممارسة القضاء وفقاً للقانون المدني البريطاني، إلا إن المسلمين الذين يحتكمون إليها يشعرون بأنها تقدم لهم أهم عنصر يحتاجونه: الاحتكام إلى شرع الله· يذكر أن الولايات المتحدة الأميركية اعتمدت نظام التقاضي أمام المحاكم الإسلامية واليهودية والمسيحية منذ عام ،2003 حين أحالت محكمة النقض في ولاية تكساس قضايا إلى محكمة إسلامية هناك· غير أن تطبيق الشريعة الإسلامية ووجه بمعارضة قوية في الغرب عموماً· إلين سوسيوليني - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©