تعديل الدستور الروسي··· هل يمهد لعودة بوتين؟

من المتوقع أن يمرر مجلس الدوما الروسي الذي يسيطر عليه الكرملين حزمة من التغييرات الدستورية مطلع الأسبوع الجاري، يرى المنتقدون أنها ترمي إلى تثبيت حكم الحزب الواحد، وربما تمهيد الطريق أمام فلاديمير بوتين لعودة مبكرة إلى الرئاسة· ففي دليل واضح على مدى هيمنة الكريملن على الحياة السياسية في روسيا، تم التعجيل بأول تعديلات يشهدها الدستور الروسي الصادر عام ،1993 والتي اقترحها الرئيس ديمتري ميدفيديف في 5 نوفمبر المنصرم بعرضها يوم الجمعة الماضي أمام مجلس الدوما للقراءة الأولى· وسيتيح هذا التعديل الذي مرره 86% من أعضاء الغرفة الأولى من البرلمان الروسي تمديد فترة ولاية الرئيس الروسي من أربع إلى ست سنوات، كما سيطيل أيضاً فترة نواب مجلس الدوما من أربع إلى خمس سنوات، وسيطلب لأول مرة من الحكومة رفع تقرير سنوي عن أعمالها إلى البرلمان· ومن المتوقع، حسب الناطق باسم مجلس الدوما ''برويس جريزلوف''، أن تنتهي الغرفة الأولى من إجراء القراءة الثانية لمشروع التعديل بحلول يوم الثلاثاء المقبل لترفع بعد ذلك إلى الغرفة الثانية التي تحتاج إلى موافقة ثلثي الأعضاء لتمرير التعديلات· لكن بما أن الغالبية العظمى من المجالس الإقليمية البالغ عددها 81 مجلساً والممثلة في البرلمان الروسي، يسيطر عليها حزب ''روسيا الموحدة'' بزعامة رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، فإن مسألة تأمين ثلثي أصوات الغرفة الثانية تصبح في المتناول تماماً· وفي رد على هذه التعديلات الدستورية، حذّر زعيم الحزب الشيوعي ''جينادي زيجانوف'' من أن سلطة الكرملين باتت أكبر من ''سلطة القيصر''، مؤكداً أن حزبه سيعارض مشروع تعديل الدستور، بل وسيطعن في شرعيته أمام المحكمة الدستورية· وفي هذا الإطار أيضاً يبدي بعض نواب البرلمان من الذين يرون بأن تمديد فترة الرئاسة قد يكون عامل استقرار، في وقت مليء بالاضطرابات الاقتصادية، قلقهم الواضح من توظيف مجلس الدوما، ذي الغالبية المساندة للكرملين، لإدخال تعديلات متعجلة على القانون الأسمى للأمة· ويعبر عن هذا القلق ''إيليا بونوماروف''، عضو البرلمان عن حزب ''روسيا العادلة'' الموالي للكريملن، بقوله: ''إنها سابقة مثيرة للشك، فتغيير الدستور عملية معقدة وطويلة يجب أن تخضع لنقاش مستفيض قبل إدخال أي تعديلات عليه، لكننا في هذه الحالة نشهد إعادة كتابة الدستور في بضعة أيام وبدون أي نقاش عام تقريباً''· وفي دفاعه عن التعديلات الدستورية المقترحة جادل الرئيس ميدفيديف بأن فترة الأربع سنوات الحالية للرئاسة غير كافية للإحاطة بمجمل التعقيدات المرتبطة بقيادة بلد شاسع مثل روسيا، حيث أكد في لقاء صحفي أجراه الأسبوع الماضي، أن القواعد الجديدة ستطبق مع مجيء خلفه الذي سينتخب في عام ·2012 ومن جانبه أشار بوتين في حديثه للصحفيين خلال الأسبوع الماضي إلى أن التعديلات المطروحة أمام البرلمان ''لا تنطوي على أبعاد شخصية''، مؤكداً أن المقصود بها ''تعزيز التطور الديمقراطي''· لكن المنتقدين يرون بأن الطريقة المستعجلة التي دُفعت بها التعديلات الدستورية تشير إلى ما هو أكثر من مجرد الإصلاح، لاسيما أنها تذكر بعملية أخرى جرت في العام الماضي تحت إشراف الكرملين وانتهت باختيار ميدفيديف رئيساً للبلاد بعدما كان شخصاً مغموراً على الساحة السياسية، لإبقاء بوتين في السلطة كرئيس للحكومة، وهو ما دفع المعارضين إلى التحذير من تكرار سيناريو مشابه يتم إعداده في الخفاء· وفي هذا السياق يقول ''فلاديمير ريزجوف''، عضو مستقل سابق في مجلس الدوما، ''أعتقد أن بوتين سيعود في السنة المقبلة'' ربما من خلال انتخابات رئاسية مستعجلة ''ذلك أن النظام الشمولي يحرص على استنساخ نفسه بصفة مستمرة بتقليده للأساليب الديمقراطية''· ويجادل المنتقدون أن تعجيل الكريملن بتمرير التعديلات الدستورية مرتبط بالأزمة التي تتربص بالاقتصاد الروسي والتي تهدد بتأجيج الاستياء الشعبي لأول مرة منذ أن صعد بوتين إلى السلطة قبل تسع سنوات، لاسيما بعد تراجع شعبية ميدفيديف من 83% في شهر سبتمبر الماضي إلى 76% خلال الشهر الجاري· ويوضح هذا الأمر ''برويس نيمستوف''، نائب رئيس الحكومة السابق وأحد المعارضين للكريملن قائلا: ''ترتكز سلطة بوتين وميدفيديف على عقد اجتماعي يؤمن بموجبه الكريملن الرخاء الاقتصادي للشعب مقابل سكوت هذا الأخير على الإصلاحات السياسية المطلوبة، لكن بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية بدأت تحوم الشكوك حول ذلك العقد، وهو ما يدفعهم إلى إبرام الصفقة بأسرع وقت ممكن''· ولا شك أن الصعوبات الاقتصادية حاضرة بقوة في أذهان المسؤولين الروس، حيث طالب الرئيس ميدفيديف في اجتماعه بقادة الشرطة بقمع أي مظاهرات احتجاجية قائلا: ''لدينا دولة مستقرة ولا نريد أن نعود إلى التسعينيات عندما كانت الأوضاع مضطربة''· فريد وير كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''