الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية الزوجين الصامتين

3 أغسطس 2010 21:29
سأروي لكم اليوم حكايةً تناقلتها ثقافات العالم من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله، روتها الأجيال جيلاً بعد جيل تماشياً مع لغاتها وأعراف مجتمعاتها. الحكاية وبكل طرافةٍ تحذرنا من أن ازدراء بعضنا لبعض قد ينسينا واجباتنا المتبادلة، ويجعلنا لقمة سائغةً لمن أراد أن يسلبنا ما نملك. وهنا نبدأ الحكاية.. كان يا ما كان.. في زمانٍ من الأزمان.. و في ما روى الُرواة يا سادة يا كرام.. في قرية من القرى الوادعة، عاش شابٌ وُصف بأنه أكثر الرجال بلادة على وجه الأرض، قد بلغ مبلغاً عظيماً من البدانة، أحبَ فتاةً كانت أكثر العذارى جمالاً في تلك القرية مع أنها كانت أثقل من سار على قدمين، وكان قدراً محتوماً أن يجمعهما عش الزوجية لينطبق عليهما المثل العربي القائل “وافق شنٌ طبقة”. جاء حفل الزفاف بحلته الوردية وألوانه الزاهية، وكانت الفرحة تغمر العروسين وهما يرقصان على أنغام الزفاف السعيد حتى ظن الضيوف أنهما سيودعان بلادتهما المعهودة بوداعهما دنيا العازبين ودخولهما القفص الذهبي، وأقام العروسان السعيدان وليمةً كبيرة في منزلهما الجديد على أطراف القرية، وبعد أن قضى الأصدقاء على آخر طبقٍ من أطباق الطعام غادروا المنزل الواحد تلو الآخر، انهار العروسان على مقعديهما من كثرة التعب ولم يتمكنا إلا من خلع حذاءيهما عندها لاحظ الزوج أن آخر الضيوف غادر دون أن يغلق الباب. قال الزوج بوداعة المتثاقلين “عزيزتي.. لو سمحتِ.. هلّا تقومين وتغلقين الباب لتمنعي دخول تيار الهواء؟ إنني أشعر بالبرد”. قالت الزوجة وهي تتثاءب “عزيزي... لماذا لا تقوم أنت وتغلقه؟ أنا واقفةٌ على قدمي طوال اليوم ولم أجلس إلا الآن”. قال الزوج وهو يعض على شفتيه “إذن هذا ما تريدينه... بمجرد أن وضعتِ خاتم الزواج تحولتِ إلى امرأة كسول”. صاحت الزوجة “كيف تجرؤ على ذلك. لم يمضِ على زواجنا إلا مجرد يوم واحد وها أنت تصفني بصفات سيئة... وتنعتني بألفاظ قبيحة وتوجه إلي الأوامر.. ما ظننتُ أنك ستتحول إلى مثل هذا النوع من الأزواج”. قال الزوج متذمراً “رجاءً اصمتي.. فلن أقوى على سماع شكواكِ و تذمرك”. قالت الزوجة “وأنا كذلك لن أنصت إليك وأنت توجه إليّ الانتقادات”، وجلس الزوجان على مقعديهما متقابلين والهواء البارد يلفح وجهيهما بعد أن شب بينهما ذلك الشجار الذي لم يكن إلا بسبب ذلك الباب المفتوح.. وبعد دقائق خطرت للعروس فكرة. قالت العروس “عزيزي.. أنت لا تريد أن تغلق الباب وأنا لا أقوى على ذلك.. وكلانا لا نريد سماع الآخر.. فما رأيك بمسابقة تحل هذه المشكلة”، قال الزوج “نحن متعبان وأنت تتكلمين عن المسابقات.. هيا هاتِ ما لديك أيتها العبقرية”. قالت الزوجة “ لا تبدأ بالسخرية من أفكاري أيها ال ... عموماً المسابقة تتلخص في أنه من يتكلم أولاً يقوم بإغلاق الباب”. قال الزوج “إنها أفضل فكرة سمعت بها حتى اليوم.. هيا لنبدأ الآن”. وبدأت المسابقة وجلس الزوجان متقابلين دون أن يقولا أية كلمة.. وما زال الهواء البارد يلفح وجهيهما.. مرت ساعتان وهما على نفس الحال، حتى جاء لصان يقودان عربة صغيرة ورأيا الباب مفتوحا، فتسللا إلى المنزل الذي كان مؤهلاً للسرقة، ولم يدركا وجود الزوجين، وبدأ اللصان يسرقان كل شيء استطاعا حمله، أخذا الطاولات والكراسي واللوحات وقاما بطي السجاد من على الأرض، ورغم ذلك لم ينطق الزوجان بأية كلمة، ولم يصدرا أي صوت. قالت الزوجة لنفسها “لماذا لم يقم هذا البليد بالهجوم على هذين اللصين أو حتى بطلب المساعدة؟ سيبقى مكتوف اليدين حتى يسرق اللصان كل شيء”. تعجب اللصان من الصمت فنظرا حولهما ليجدا العروسين القابعين في صمت، فرمقاهما بنظرة استغراب... وبسخريةٍ سلبا مجوهراتهما وساعتيهما وحتى محفظة النقود... ولكن... لم يصدر أي من الزوجين صوتاً. سارع اللصان بالهرب من المنزل بغنيمتها، واستمر الزوجان على نفس الحال طوال الليل حتى حل الفجر والهواء البارد يلفح وجهيهما. وعند الفجر مر أحد رجال الشرطة بجانب المنزل ووجد الباب مشرعاً ولكن لم يسمع أي صوت، اقترب الشرطي بكل حذرٍ من المنزل ثم دخل وفوجئ بوجود رجلٍ يجلس على كرسي وأمامه امرأة في منزلٍ خالٍ من الأثاث فقال له “من أنت؟... هل هذا بيتك؟ ... ماذا حدث لأثاث المنزل؟” ... وانتظر الشرطي حتى يسمع الرد ولكن هيهات! وهنا رفع الشرطي يده ليضرب الزوج وعندما رأت الزوجة الشرطي يحاول ضرب زوجها وقفت على قدميها وصرخت على الشرطي “كيف تجرؤ؟ إنه زوجي إياك أن تلمسه حتى لا تندم على ذلك”. هنا وبكل سرور وفخر صاح الزوج “لقد انتصرتُ ... لقد فزت”، مصفقاً بيديه من الفرح، وقال لزوجته “الآن اذهبي وأغلقي الباب” قالها غير مكترث لأمر اللصين الذين سرقا ما استطاعت عربتهما حمله... ولا للهواء البارد الذي كان يلفح وجهيهما، بل كل ما طغى على تفكيره في تلك اللحظة هو انتصاره على زوجته ويال انتصار الكسالى! أجل يال انتصار الكسالى.. إنها الرمزية التي اختبأت بين سطور حكايتنا تلك، تضيع الأنفس والأموال وحتى الأوطان أمام نواظرنا ونحن لأتفه التفاهات نزدري بعضنا بعضاً.. أجل نحن (الــ...) تركنا الباب مشرعا (للـ...) ليستولوا على (......) فإلى متى سنظل متفرجين؟ وتمت الحكاية ولم تتم ... ودمتم سالمين.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©