السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ملف العلمانية» معالجة منهجية شاملة أزالت التباســات كـــثيرة بجرأة وشجاعة

«ملف العلمانية» معالجة منهجية شاملة أزالت التباســات كـــثيرة بجرأة وشجاعة
16 أغسطس 2017 19:19
أمين بن مسعود:
 «ملحق» تنويري في سياق
الظلمة والدياجير
يذهب الدكتور أمين بن مسعود، أستاذ الإعلام في معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس، إلى القول إن ملف العلمانية في «الملحق الثقافي» لجريدة «الاتحاد» ألقى حجر التفكير في بركة التحجير والتكفير، ذلك أنّ التأصيل للعلمانيّة في سياق إسلامي عربيّ دونه الكثير من المحاذير الذهنية والمحظورات التأسيسيّة التي أساءت للإسلام ولسماحته ولسموّ رسالته السماوية أكثر من إساءتها للعلمانية التي تبقى في المحصلة نتاج تفكير إنسانيّ وتراكمات حضاريّة بشرية.
ونظراً لأنّ التيارات التكفيرية في وطننا العربي - بمختلف تلويناتها وأشكالها وإشكالياتها- تطوّع المصطلحات وفق قراءتها ومصالحها وتوظّف النزر القليل مّما عرفته عن القضايا والمسائل لاستدرار الحدّ الأقصى من تعطيل منظومات الإصلاح الديني ونقد العقل العربي وتصحيح مسارات المعرفة في الفضاء العربي، فقد كان لهذا الملحق الثريّ  والجريء والاستثنائيّ قبس السبق في مراجعة المفاهيم المتحفظ عليها، وفي الدفع بالعلمانية معنى مبنى ضمن النقاش العامّ والتداول التعددي الحرّ، والذي يمثّل اللبنة الأساس لتأسيس مجال عمومي ديمقراطي وفق مقاربة الفيلسوف الألماني يورغان هابرماس.
وأضاف بن مسعود، الخبير في سوسيولوجيا الأقليات في المغرب العربي، أنّ قيمة الملاحق الثقافية لا تكمن فقط في فسح الفضاء أمام المثقفين للتعبير عن مشاغلهم الفكريّة ولا تتجسّد أيضاً في المساجلة حيال قضايا حضاريّة وإنسانية معقّدة، ولكن استحقاق هذه الورقات الثقافية متجسّم في تحويل مسائل النخبة إلى مسائل للتداول العامّ والنقاش المفتوح وكسر المحظورات المتكلسة ضمن العقل المستقيل عن الفعل والتغيير، وهو بالضبط ما قامت به جريدة الاتحاد في ملحقها العميق والرصين.
وفي نفس الوقت الذي انبرت فيه بعض وسائل الإعلام المزايدة على العلمانية ترصّداً لمن دعا إليها وتخوّفاً من سقوط حلفاء بنوا أطروحاتهم على التلازمية بين الدين والسياسة، فإنّ الملحق الثقافي للاتحاد اجتبى أن يكون مفكّراً زمن اللاتفكير وفضّل أن يكون تنويرياً في سياق الظلمة والدياجير... وتلك مهمّة جليلة للأمةّ وللدين وللسياسة.

.............................................
المعزّ الوهايبي:
جرأة الطّرح وتوازن المقاربات
نوّه الدكتور المعزّ الوهايبي الأكاديمي والباحث التونسي في هذا الإطار بالدور الريادي الذي يلعبه ملحق «الاتحاد الثقافي» في هذا السياق، مؤكداً أنه ليس لافتاً، في حدّ ذاته، أن ينشر الملحق الثقافي لــ«جريدة الاتّحاد» ملفّاً عن العلمانيّة؛ فهذا المنبر ما فتئ ينظّم الملفّات عن المسائل الحارقة سواء بالنّسبة إلى الثقافة العربيّة أو بالنّسبة إلى الثقافة العالميّة. لكن طرح ملفّ العلمانيّة، هذه المرّة، يعبّر عن التقاط ذكيّ لرهان ثقافيّ وحضاريّ يتولّى الخطاب السّياسيّ في بعض البلدان العربيّة بما في ذلك الإمارات تدبّره بجرأة وتوازن في آن. ولا بدّ من التّنويه، بدءا، بأنّه طرحٌ جريء طرحُ هذا الملفّ في ساحة سياسيّة تزهد نسبيّا في التّعاطي مع مفاهيم مثل «العلمانيّة» لأسباب تخصّ المنطقة تاريخيّا؛ وإن توافرت لها في واقع الأمر أرصدة معرفيّة ضخمة وكفاءات فكريّة كبيرة بوّأتها، اليومَ، مكانة مرموقة في المشهد الثقافيّ العربيّ.
ويضيف الدكتور المعزّ الوهايبي: رغم اختلاف المشارب التي تصدر عنها الأقلام التي اضطلعت بتأثيث هذا الملفّ، فإنّ ما ينتظم ما ورد فيه من كتابات يعكس الاهتمام براهنيّة هذه المسألة وبحساسيّة تطارحها في منطقة وفي ظرف عربيين وإقليميين مخصوصين؛ فقد تسنّى لنا أن نقرأ ما تنهض به بعض الفلسفات من أسانيد عقلانيّة لمطلب العلمانيّة. وتوفّر لنا، أيضاً، أن نقف على وصف متوازن لها في سياقها التّاريخيّ الغربيّ مثلما توفّر لنا أن نطلّ على عيّنات من التباس حضورها في التّاريخ العربيّ الحديث سياسيّاً وثقافيّاً. بل لقد كان الأمر واضحاً جليّاً عند استحضار مقولة الدّولة الدّينيّة وتعارضها مع جملة القيم الإنسانيّة الكونيّة بما في ذلك حرمة الحرّيات الفرديّة. هذا دون الغفلة عن بيان أنّ الدّولة الدّينيّة نفسها هي التي تعرّض الدّين للأذيّة بالخلط بين العبادات التي توطّد صلة الإيمان بالخالق وبين المعاملات التي يتمّ الاحتكام فيها إلى الفضاء العموميّ الذي تسهر عليه الدّولة في إطار المساواة بين المواطنين بغضّ النّظر عن معتقداتهم.
ويستطرد: لا مراء في أنّ جلّ المقالات وردتْ في أسلوب إشكاليّ أكثر منه تقريريّاً حاسماً؛ وذلك راجع، لا محالة، إلى أنّ الأمر، بعدُ، في طور التّفكير في مقتضيات الرّاهن السّياسيّ بالبلاد العربيّة بما في ذلك دول الخليج العربيّ التي يتربّص بها الفكر «الإخوانيّ» بغية إخراجها من سياق الحضارة العالميّة وسباقها. فنظراً إلى أنّ العلمانيّة محلّ تشويه متواصل من قبَل جماعات الإسلام السّياسيّ تخصيصا حيث يجري الادّعاء بأنّها إنكار للدّين في حين أنّها إنكار لتسييس الدّين. صحيح أنّ هناك دُولا كانت تحكمها أنظمة ذات طابع علمانيّ، مثل الاتّحاد السوفييتي سابقا، منعت الحرّيات الدّينيّة وضيّقت عليها؛ لكن ذلك لم يكن في واقع الأمر تحت غطاء العلمانيّة بقد ما كان يتمّ بذريعة الخطاب الواحد، والثقافة الواحدة، وعبادة الشّخص الواحد. أمّا مجمل الدّول الغربيّة التي تسيّرها أنظمة علمانيّة، مختلفة لا محالة، فالاختلاف والتّنوّع من الحقوق المكفولة علمانيّا. وحتّى شعار «أسلمة العلمانيّة»، الذي يرفعه بعضهم، إنّما ينطوي، في واقع الأمر، على التفاف مقصود على هذا الغنم السّياسيّ والثقافي الإنسانيّ الذي لا يجوز أن نحرم أيّة دولة من حقّها في أن تنهل منه بحسب تقديرها لخصوصياتها الثقافيّة والجيو- سياسيّة. ولذلك فقد كان مفيدا التّشديد الوارد، في هذا الملفّ، على أنّ العلمانيّة علمانيّات حتّى في بلدان المنشأ (أوروبا).
صحيح أنّ كلّ أشكال العلمانيّة كلّها تنطلق من مبدأ الفصل بين الدّين والدّولة؛ لكن كلّ علمانيّة تتدبّر هذا الفصل بحسب ما يتناسب مع خصوصيّة البلد من قوانين وإجراءات. وإذا كان الأمر قد تعيّن هكذا تاريخيّا فقد يكون عندئذ طرح فكرة العلمانيّة في إطار مخصوص، على نحو ما تبادر به، اليوم، دولة الإمارات، بصوت مسموع، تعبيراً عن وعي بضرورة لا تعبيراً عن إضمار مضرّة؛ ضرورة التّاريخ والجغرافيا، وليس مضرّة الكهنوت والتّعصّب.
.............................................عادل صياد:
 إضافة نوعية للفكر العربي تستحق التثمين

أشاد الشاعر والإعلامي الجزائري عادل صياد بـ«الاتحاد الثقافي» الذي ما انفك يرمي حجراً في مياه آسنة بأفكار متحجرة كثيراً ما أثرت سلباً على الأمة ودفعت بها إلى التشاؤم والخوف من المستقبل في ظل الغموض الذي بات يكتنف المنظومة الذهنية في عالمنا العربي اليوم.
ونوه صياد بدقة الطرح وعمق الأفكار في إطار تناول مسألة العلمانية التي لابد أن نراجع طروحاتها ونفكك منطلقاتها ومنعطفاتها المختلفة، وأن نتناولها بما يحقق لمجتمعاتنا الإضافة التي نحتاج، فالعالم العربي ــ يقول صياد ــ هو أمام مرحلة انتقالية لا بد أن نكسب آليات قادرة على فك رموزها، والمضي بها نحو الأفضل الذي يبقى دائماً مطلباً مفتوحاً على احتمالات النجاح والتنوير والرقي والازدهار المطلوب. وختم صياد بالقول: مثل هذه الملاحق العربية تمثل اليوم إضافة نوعية للفكر العربي لا بد أن نثمنها ونثمن جهود المشرفين عليها.
.............................................جلال مناد:
 «الاتحاد الثقافي» منبر
لا غنى عنه للمثقفين العرب
من جانبه، أكد الإعلامي الجزائري جلال مناد أن طرح «الاتحاد الثقافي» لموضوع العلمانية في هذا الوقت بالذات، وبهذه الطريقة المنهجية يزيح الكثير من المفاهيم الخاطئة في ذاكرة البعض، ويبعث الأمل في أنه لا تزال هناك منابر عربية قادرة على التنوير والإضافة، والمتابع لملحق الاتحاد الثقافي يلمس ذلك الجهد الذي ينبع أساسا من رؤية دولة الإمارات العميقة في إيجاد بدائل وفق المتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية والعالم. وأضاف مناد أن ملحق الاتحاد الثقافي وضع الدواء الشافي على الجرح المندمل على خريطة الأمة التي تحتاج إلى إيجاد حلول وبدائل نحن في أمس الحاجة إليها الآن قبل أي وقت مضى، فالطرح الذي تناول به الاتحاد الثقافي مسألة العلمانية جاء مفصلاً وعميقاً ومنهجياً وهذا الأهم، لأنه ليس من السهولة بمكان تناول مثل هذه المسائل بشكل انطباعي، أو من خلاله ملامسة لا غير، فالفكر العربي اليوم يبقى في حاجة إلى بدائل وطروحات مختلفة تأخذ بأسباب التقدم والرقي والتنوير، وهذا ما يحققه «الاتحاد الثقافي» الذي بات منبراً لا غنى عنه للمثقفين العرب في دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها.
وخلص منادٍ إلى القول بمثل هذه الطروحات العميقة نكسب قصب السبق ونحقق المطلوب للأجيال في الحاضر والمستقبل.
.............................. محمود عبدالشكور:
 ذهلت لتنوع الملف ودسامته وجرأته

يقول الناقد والكاتب المصري محمود عبد الشكور: «قرأت مواد الملف بالكامل، ذهلت، ولم أصدق أن في وسع صحيفة من صحفنا الورقية أن تتحلى بهذا القدر من الجرأة والشجاعة وتنشر مثل هذا الملف، الممتع، الباذخ، الدسم.. ولعل أهم ما لفتني فيه تنوع مواده بين الدراسة والبحث والمقال والحوار والقراءة العميقة، وكلها تصب في خانة تجلية المفهوم، وإزالة ما علق به من شبهات، وتقديم جوانب مختلفة تتعلق بتعريفه وتاريخه وممارساته وضرورته.. إلخ في التجربتين الغربية والعربية معاً».
يتابع عبد الشكور: «كان حوار علي مبروك في غاية من الأهمية والثراء بوضوح منطقه وإحاطته العميقة بالإشكاليات التي عالجها وأمثلته التي استشهد بها، ونقده اللاذع للنخب التي لا تقوم بدورها على أكمل وجه. الربط بين بعض مواد الملف وتصريحات السفير العتيبة كانت تحمل رسائل مهمة ولافتة وضرورية.. نعم، إنها رسائل تعلن للكافة انحياز النخب الحاكمة الواعية والسياسية العقلانية في مواجهة مشكلاتنا المزمنة والمتجذرة. لا سبيل إلى الخروج مما نحن فيه إلا بالمواجهة الفكرية الحقيقية الشاملة قبل مواجهة السلاح التي نخوضها أيضاً ببسالة وشجاعة».
يختتم عبد الشكور: «أتصور أن مواد هذا الملف لا يكفي أن تكون بين دفتي الملحق فائق الأناقة فقط، بل أقترح أن تضمه صفحات كتيب مخصوص وليكن باكورة لسلسلة عنوانها (كتاب الاتحاد الثقافي) على غرار (كتاب العربي) تجمع هذه المواد، وغيرها، وتيسرها لقطاعات وشرائح أعرض من الجمهور ليس في الإمارات وحدها ولا دول الخليج العربي وحدها بل عموم العالم العربي كله».
.............................................محمد عبد الباسط عيد:
معركة الدفاع عن قيم الإنسانية والمواطنة
أثنى الناقد والأكاديمي المصري، الدكتور محمد عبد الباسط عيد، من كبار المتخصصين في علم النص وتحليل الخطاب، على الملف ثناء واسعاً، ليس من قبيل الإطراء المجرد والمجاملة العابرة، بل بنى ذلك على حيثيات عرضها في رسالته، وإن اشترك مع كثيرين في الاحتفاء بالعدد والخطوة والمبادرة كلها، فهي مما «نحتاج إليه، وتأخرنا زماناً في معالجته وطرحه، فنحن شئنا أم أبينا هذه هي معركتنا الكبرى، معركة الدفاع عن قيم الإنسانية والمواطنة والدولة المدنية في مواجهة الاستبداد وثقافة العصور الوسطى».
مما لفت نظر الباحث المتخصص في تحليل الخطاب، من واقع قراءته لمواد العدد عن العلمانية «أننا نأخذ جهداً كبيراً في تنقية مفهوم (العلمانية)، مما ألحقه به المعارضون له، من الإسلامويين وغيرهم، وهذا في الحقيقة يظهرنا كمن يدافع عن مذهب في مقابل مذهب، أو أيديولوجيا في مواجهة أيديولوجيا».
لكن الحقيقة وكما يعرضها عبد الباسط من وجهة نظره «أن مثل هذا النقاش يبدو نخبوياً إلى حد بعيد، ولعل الصواب - إذا كنا نرى العلمانية حلا - أن نترك هذا النقاش ونتجه مباشرة إلى ما يمكن للعلمانية أن تنجزه للناس من فوائد وما يمكن أن تبعده عنهم من مضار؛ فنركز لهم على ما يشغلهم وما يمسّ  حياتهم اليومية؛ فهم مثلاً يخشون على بلادهم الحروب والفتن وتعثر خطى الديمقراطية.. إلخ». بدا أن المواد كانت محرضة لدرجة كبيرة إلى الحديث عن موضوعات ومسائل متصلة، فمثلاً «يمكننا أن نتحدث عن المواطنة التي تضمن للناس أن يعيشوا في وطن واحد، لا يتقدم فيه إنسان على غيره إلا على أساس معايير عامة، لا علاقة لها بالانتماء الديني أو الطائفي، أو المذهب أو العرق..».
لقد كان من بين أبرز الأفكار التي ترددت على مدار صفحات العدد، تبديد الشبهات وإزالة الالتباسات التي مارستها التيارات الدينية في ما يخص العلمانية، وخاصة ما ركزت على ترديده من حيث إنها لا دينية أو إنها ضد الدين، أو أنها ترادف الإلحاد والزندقة وما شابه ذلك من أمور كتب لها الانتشار الواسع بين الطبقات الشعبية والمكتفية بسماعها.
يقول محمد عبد الباسط عيد «وإذا كان الناس يتخوفون على دينهم فيمكننا الحديث عن حق كل إنسان في أن يدين بما يشاء، وأن عليه أن يحترم حق غيره، وأن ممارسة هذه الحقوق مكفولة للجميع، والدولة منوط بها حمايتها وصون أصحابها.. وهكذا ننتقل بالنقاش من الدائرة الفوقية النظرية إلى مستوى أوسع له اتصال مباشر بالناس وما يتخوفون منه، وما يطمحون إليه لأنفسهم وبلادهم».

أحمد فرحات:
نُخبة مرموقة في مجالها عالجت العلمانية من زوايا مختلفة
الكاتب والشاعر أحمد فرحات شدّد على أهمّية صدور هذا الملف الثقافي عن جريدة الاتحاد في أبوظبي، والذي يتناول نُخبة من الأسماء العربية المرموقة في مجالها، عالجت العلمانية من زوايا مختلفة، منها التاريخي في ضوء الحاضر، والترجمة العملية لمسار العلمنة المتذبذب في بعض الدول، طموحاً إلى بناء تصوّر لقيام نموذج دولتي عربي علماني، يحمي الدين من مغتاليه ومن الطاعنين في قتل حضارة الإسلام والتراث العربي بشكل عام.
وأكّد أن صدور هذا الملف عن صحيفة إماراتية عريقة، يدلّ  على المعادلة الذهبية التي تقودها القيادة السياسية لدولة الإمارات، التي تستهدف فعلاً قيام دولة نموذجية عربية، هي بالضرورة ستكون قدوة لغيرها من الدول. ولا نحابي إذا اعتبرنا أن دولة الإمارات هي في صدارة الدول العربية التي تسعى إلى بناء دولة مدنية تتعزّز فيها قيمة المواطنة، والارتباط بأسباب العصر والتطوّر والمستقبل.
ورأى فرحات أن العلمانية هي مرحلة أساسية بدأت تفرض نفسها على التطوّرات المؤسفة الحاصلة اليوم على الصعيد العربي سياسياً وثقافياً واجتماعياً، على أن العلمانية هي حالة سياسية ليس لها علاقة البتّة بالمسألة الدينية أو الإيديولوجيات على اختلافها، إنما هي طراز سياسي يهدف إلى قيام دولة مدنية تؤسّس لقانون يحمي الأديان وسائر الإيديولوجيات الأخرى المتعارضة والمتوائمة، وبالتالي فهي ضامنة لحقوق جميع المعتنقين للأديان وغيرهم.
ولفت إلى أن العلمانية هي مفهوم غربي نشأ في فرنسا وأوروبا عموماً، ثم امتدّ إلى الغرب بأكمله وبعدها إلى دول أخرى خارج هذا الغرب، كاليابان وبعض دول جنوب شرق آسيا وغير ذلك. غير أن هذا المصطلح أي العلمانية، لم يتأصّل عندنا في الوطن العربي على نحو مبرّز حتى الآن، وإنما الطموح إلى بلورته وترجمته على الأرض باتت تدفع إليه الأمور التي تمزّق جسد الوطن العربي اليوم شرّ تمزيق، تارةً باسم الدين والمذهب، وطوراً باسم القبيلة والعشيرة. من هنا تأتي أهمّية صدور هذا الملف الثقافي عن جريدة الاتحاد في هذا الوقت تحديداً.

حسن مدن:
مبادرة شجاعة في زمن استفحال المذهبية والطائفية
مبادرة «الاتحاد الثقافي» بفتح ملف العلمانية، وبهذا الوضوح والصراحة والشجاعة، أمر يحسب للملحق والقائمين عليه ولجريدة «الاتحاد»، وأتمنى أن تستمر هذه المقاربة الشجاعة للقضايا المتصلة بهذا الملف.
«الاتحاد الثقافي» اقترب من أحد «التابوهات» المفروضة قسراً، حيث جرى ويجري تشويه مفهوم العلمانية والإساءة إليه إما بتبسيطه وتسطيحه، أو بجعله قريناً أو مطابقاً لمفهوم الإلحاد، رغم أننا بصدد مفهومين مختلفين إلى حد التناقض في بعض الأوجه، فالعلمانية في أحد أكثر تعريفاتها شيوعاً ووضوحاً هي التي تضمن حرية المعتقد لجميع مواطني الدولة المعنية، ولا تلزمهم باعتناق دين أو مذهب معين، على أن يجري فصل الدولة عن الدين، كون الدولة شأن دنيوي بامتياز، فيما فضاء الدين مختلف.
وللمزيد من توضيح المعنى لكل من يرتاب في مفهوم العلمانية يكفي القول: أنظروا إلى المسلمين المقيمين في البلدان الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية وفي غيرها من الدول التي تتخذ من علمانية الدولة منهجاً، لتروا أنه لولا هذه العلمانية بالذات ما كان بوسع هؤلاء المسلمين أن يُشيدوا جوامعهم ومساجدهم ومراكزهم الدينية، ولكانوا خُيّروا بواحد من أمرين إما التنصير القسري على نحو ما فرض على المسلمين واليهود في الأندلس بعد سقوط الحكم العربي فيها، أو الترحيل القسري. وحدها العلمانية التي تضمن وتحمي حرية الدين والمعتقد وتصونه وتمنع التطاول على أي دين أو إشاعة الكراهية ضد أي ملة أو قوم.
ملف «الاتحاد الثقافي» يأتي في وقته أيضاً حيث تستفحل الغلواء المذهبية والطائفية ودعوات إقامة الدولة الدينية، التي رأينا أشد نماذجها عنفاً وتوحشاً في دولة «داعش»، التي اقترفت من الجرائم والموبقات، وباسم الإسلام للأسف الشديد، ما فاق كل خيال.
ليست صورة «الدولة الدينية» التي تدعو إليها قوى الإسلام السياسي بكافة مذاهبها وصورها مختلفة من حيث الجوهر، حتى وإن تستر دعاتها بعبارات وشعارات مبهمة لإخفاء هذا الجوهر، ورأينا في الطريقة التي أدار بها الإخوان المسلمون مصر في الفترة الوجيزة التي حكموها نموذجاً على ذلك، حيث سعوا للاستحواذ لا على مفاصل الدولة وحدها، وإنما لإخضاع المجتمع كاملاً لنمط الحياة الذي يدعون إليه، ونحن نعلم ما في مصر من تنوع وتعدد، ولنا أيضاً في الدولة الدينية القائمة في إيران نموذجاً آخر حيث يجري قمع الأصوات المعارضة، بما فيها أصوات الإصلاحيين الآتين من قلب المؤسسة الدينية الحاكمة، ولنا في القمع المنهج الذي يمارسه نظام أردوغان في تركيا ضد خصومه نموذجاً ثالثاً لما تنطوي عليه فكرة الدولة الدينية من مخاطر.
وتشير التجربة الحية في البلدان العربية كافة إلى أن من يهاجمون العلمانية والدولة المدنية، من منتسبي ومناصري تيارت الإسلام السياسي، هم أنفسهم الذين يدفعون بلدانهم إلى أفق مسدود، فهذه القوى بحكم بنيتها الاجتماعية والفكرية عاجزة عن الخروج من الشرنقة المذهبية، وهو أمر يلقي بظلاله الثقيلة على مجمل أدائها وخطابها السياسي، الذي لا يمكن أن يتحول إلى خطاب جامع موحد للأمة.
وعلى خلاف ما يشاع فأنا أرى أن العلمانية كفكرة نجحت في أن تزرع لها جذوراً في البنية الثقافية والفكرية في الكثير من المجتمعات العربية منذ بدايات مشروع التنوير والنهضة على أيدي رواد الفكر والثقافة والإبداع، ونحن مدعوون اليوم، ومن مواقعنا المختلفة، لصون هذا المنجز التنويري وتطويره وحمايته من الهجوم الذي يستهدفه، وتأكيد القيمة الإنسانية الكبرى للعلمانية التي لا تناقض الدين، وتكن أعظم تقدير واحترام لمعتقدات الشعب وعاداته وتقاليده، وهذا يستلزم التحلي بالشجاعة في الدفاع عن فكرة التنوير ومنجزها، وصد الهجوم الذي يستهدفها كما لو كانت أمراً دخيلاً على المجتمع.

 
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©