الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليقظة والحلم

اليقظة والحلم
21 نوفمبر 2008 02:06
لما اجتمعت الأحزاب على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق، وقصدوا المدينة، وتظاهروا وهم في جمع كثير وجم غفير من قريش وغطفان وقبائل العرب وبني النضير وبني قريظة من اليهود، ونازلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، واشتد الأمر، واضطرب المسلمون، وعظم الخوف على ما وصفه الله تعالى في قوله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا· هناك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) ]الأحزاب: 10 و11)· فجاء نعيم بن مسعود بن عامر الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله: خذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة· فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان نديماً في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة قد علمتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم· فقالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، فإن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه وأموالهم وأولادهم ونساؤهم بغير بلدكم، وليسوا مثلكم لأنهم إن رأوا فرصة اغتنموها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً· قالوا: أشرت بالرأي، ثم أتى قريشاً، فقال لأبي سفيان بن حرب- وكان إذ ذاك قائد المشركين من قريش ومن معه من كبراء قريش- لقد علمتم ودي لكم، وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر وأحببت أن أبلغكموه نصحاً لكم، فاكتموه عليّ، قالوا: نعم، قال: اعلموا أن معشر يهود بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه يقولون: إنا قد ندمنا على نقض العهد الذي بيننا وبينك، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم، فنسلمهم إليك، فتضرب رقابهم، ثم نكون معك على من بقي منهم، فنستأصلهم، فأرسل يقول نعم· فإن بعث اليكم يهود بني قريظة يلتمسون منكم رهائن من رجالكم، فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً· ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم· فلما كانت ليلة السبت أرسل أبوسفيان ورؤوس بني غطفان إلى بني قريظة يقولون لهم: إنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر، فاعتدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ فيما بيننا وبينه، فأرسلوا يقولون لهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن دهمتكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجال في بلدنا ولا طاقة لنا بهم، فلما رجعت اليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة يقولون: إنا لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال، فاخرجوا وقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل: إن الكلام الذي ذكره نعيم بن مسعود لحق، وما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك شمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً، فأبوا عليهم· فخذل الله تعالى بينهم، وأرسل عليهم الريح، فتفرقوا وارتحلوا، وكان هذا من لطف الله تعالى أن ألهم نعيم بن مسعود هذه الفتنة، وهداه إلى اليقظة التي عمّ نفعها وحسن وقعها· الحيلـة كان في بغداد رجل يطلب التلصص في حداثته، ثم تاب فصار بزازاً قال: فانصرف ليلة من دكانه وقد أغلقه، فجاء لص محتال متزي بزي صاحب الدكان في كمه شمعة صغيرة ومفاتيح، فصاح بالحارس فأعطاه الشمعة في الظلمة، وقال: أشعلها وجئني بها، فإن لي الليلة بدكاني شغلاً· فمضى الحارس يشعل الشمعة، وركب اللص على الأقفال ففتحها ودخل الدكان وجاء الحارس بالشمعة، فأخذها من يده فجعلها بين يديه وفتح سفط الحساب وأخرج ما فيه وجعل ينظر الدفاتر ويرى بيده انه بحسب الحارس يتردد ويطالعه، ولا يشك في انه صاحب الدكان، الى أن قارب السحر فاستدعى اللص الحارس وكلمه من بعيد وقال: اطلب لي حمالاً، فجاء بحمال فحمل عليه أربع رزم مثمنة، وقفل الدكان وانصرف ومعه الحمال وأعطى الحارس درهمين، فلما أصبح الناس جاء صاحب الدكان ليفتح دكانه، فقام اليه الحارس يدعو له ويقول: فعل الله بك وصنع كما أعطيتني البارحة درهمين· فأنكر الرجل ما سمعه وفتح دكانه فوجد سيلان الشمعة وحسابه مطروحاً وفقد الرزم الأربع، فاستدعى الحارس وقال له: من كان حمل الرزم معي من دكاني؟ قال: أما استدعيت مني حمالاً فجئتك به؟ قال: بلى ولكن كنت ناعساً وأريد الحمال فجئني به فمضى الحارس فجاء بالحمال وأغلق الرجل الدكان وأخذ الحمال معه ومضى، فقال له: إلى أين حملت الرزم معي البارحة، فإني كنت منقبذاً؟ قال إلى المشرعة الفلانية واستدعيت لك فلانا الملاح، فركبت معه، فقصد الرجل المشرعة وسأل عن الملاح فحضر وركب معه، وقال أين رقيت أخي الذي كان معه الرزم الأربع؟ قال: إلى المشرعة الفلانية· قال: اطرحني إليها فطرحه، قال: من حملها معه؟ قال: فلان الحمال، فدعا به فقال له: امش بين يدي، فمشى، فأعطاه شيئاً واستدله برفق الى الموضع الذي حمل اليه الرزم، فجاء به الى باب غرفة في موضع بعيد من الشط قريب من الصحراء فوجد الباب مقفلاً، فاستوقف الحمال، وفش القفل، ودخل، ودعا بالحمال فحملها عليه، وقصد المشرعة، فحين خرج من الغرفة استقبله اللص فرآه وما معه فأبلس فاتبعه الى الشط، فجاء الى المشرعة ودعا الملاح ليعبر، فطلب الحمال من يحط عنه، فجاء اللص فحط الكساء كأنه مجتاز متطوع فأدخل الرزم الى السفينة مع صاحبها وجعل البركان على كتفه وقال له: يا أخي، استودعك الله قد ارتجعت رزمك، فدع كسائي، فضحك، وقال: انزل فلا خوف عليك فنزل معه واستتابه ووهب له شيئاً وصرفه ولم يسئ اليه· دهاء إياس قيل إن رجلاً استودع رجلاً مالاً ثم طلبه فجحده، فخاصمه إلى إياس، وقال المدعي إنني أطالبه بمال أودعته إياه وقدره كذا وكذا، فقال له إياس ومن حضرك؟ قال كان رب العزة حاضراً· قال دفعته إليه في أي مكان؟ قال في موضع كذا، قال فأي شيء تعهده من ذلك الموضع؟ قال شجرة عظيمة، قال فانطلق إلى الموضع وانظر إلى الشجرة لعل الله يظهر لك علامة يتبين بها حقك، أو لعلك دفنت مالك تحت الشجرة فنسيت فتذكره إذا رأيت الشجرة· فمضى الرجل مسرعاً فقال إياس للرجل المدعى عليه اقعد حتى يرجع خصمك· فجلس وإياس يقضي بين الناس، ونظر إليه بعد ذلك ثم قال له يا هذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكرها، قال لا، فقال له والله يا عدو الله انك لخائن، فقال أقلني أقالك الله يا أمير المؤمنين، فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل فقال إياس قد أقر بحقك فخذه· منتهى الفخر دخل رجل من بني تميم على عبدالملك بن مروان ويبدو أن عبدالملك استهان به وسأله مستقلاً بشأنه قال: ممن الرجل؟ قال: أنا من الذين قال فيهم الشاعر: إذا غضبت عليك (بنو تميم) حسبت الناس كلهم غضابا قال عبدالملك ومن أي تميم أنت؟ قال: من الذين قال فيهم الشاعر: يزيد (بنو سعد) على عدد الحصا وأثقل من وزن الجبال حلوما قال عبدالملك: ومن أي بني سعد أنت؟ قال: ممن يقول فيهم شاعرهم: ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم عند الحوادث غران قال عبدالملك فمن أي بني عوف أنت؟ قال ممن يقول فيهم الشاعر: فلا وأبيك ما ظلمت (قريع) بأن يبنوا المكارم حيث شاؤوا فقال له عبدالملك: اجلس فقد والله خفت أن تفخر عليّ! الوفـاء مر بعض الكتاب بمقبرة فإذا قبر عليه قبة مكتوب عليها: هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمض إلى قرية كذا وكذا فإن فيها من يخبره، فسأل الرجل عن القرية فدلوه عليها فقصدها، فقيل له ما يعلم ذلك إلا شيخ هنا قد جاوز المائة، فسأله فقال: كان هنا ملك عظيم الشأن وكان يحب التنزه والصيد، وكان له كلب قد رباه لا يفارقه، فخرج يوماً إلى بعض متنزهاته وقال لبعض غلمانه قل للطباخ يصلح لنا ثريدة بلبن، فجاءوا باللبن إلى الطباخ ونسي أن يغطيه بشيء واشتغل بالطبخ فخرجت من بعض الشقوق أفعى، فكرعت في ذلك اللبن ومجته في الثريدة والكلب رابض يرى ذلك ولم يجد له حيلة يصل بها إلى الأفعى، وكان هناك جارية خرساء قد رأت ما صنعت الأفعى، ووافى الملك من الصيد في آخر النهار· فقال: يا غلمان ادركوني بالثريدة، فلما وضعت بين يديه أومأت الخرساء فلم يفهم ما تقول ونبح الكلب وصاح فلم يلتفت إليه، ولَجّ في الصياح فلم يعلم مراده، فقال للغلمان نحوه عني، ومد يده إلى اللبن بعد ما رمى إلى الكلب ما كان يرمي إليه فلم يلتفت الكلب إلى شيء من ذلك ولم يلتفت إلى غير الملك، فلما رآه يريد أن يضع اللقمة من اللبن في فمه وثب إلى وسط المائدة وأدخل فمه، وكرع في اللبن فسقط ميتا وتناثر لحمه، وبقي الملك متعجبا من الكلب وفعله، فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها وما صنع الكلب· فقال الملك لحاشيته: هذا الكلب فداني بنفسه· وقد وجب أن أكافئه وما يحمله ويدفنه غيري· فدفنه وبنى عليه القبة التي رأيتها· جميل وبثينة·· وكثير وعزة لما اشتهر جميل في حب بثينة توعّده أهلها، فكان يأتيها سراً فجمعوا له جميعاً يرصدونه فقالت بثينة: يا جميل، احذر القوم، فاستخفى وقال في ذلك : ولو أن ألفـاً دون بثينـة كلّهـم غيارى وكلّ حارب مزمعٌ قتلي؟ لحاولتها، إمّا نهـاراً مجاهـراً وإمّا سرى ليلٍ وإن قطّعوا رجلي فالتقى جميل بثينة وكثيّر عزّة فشكا كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه أنّه محصورٌ لا يقدر أن يزور· فقال جميل لكثير: أنا رسولك إلى عزّة· فقال كثير: فأتهم فأنشدهم ثلاث نوقٍ سودٍ مررن بالقاع ثمّ احفظ ما يقال لك· قال فأتاهم جميل ينشدهم فقالت له جاريتها: لقد رأينا ثلاثاً سوداً مررن، عهدي بهنّ تحت الطّلحة فانصرف حتّى أتى كثير فأخبره، فأقاما، فلمّا انتصف الليل أتيا الطّلحة فإذا عزّة وصاحبة لها، فتحدّثا طويلاً، وجعل كثير يرى عزّة تنظر إلى جميل وكان جميل جميلاً وكان كثير دميماً فغضب كثير وغار، وقال لجميل: انطلق بنا قبل أن نصبح، فانطلقا· ثمّ قال كثير لجميل: متى عهدك ببثينة ؟ قال في أوّل الصّيف، وقعت سحابة بأسفل وادي الدّوم فخرجت معها جارية ترخّص ثياباً· قال فخرج كثير حتّى أناخ بآل بثينة· فقالوا: يا كثير حدّثنا كيف قلت لزوج عزّة حين أمرها بسبّك؟ قال كثير: خرجنا نرمي الجمار فوجدني قد اجتمع النّاس بي فطالعني زوجها، فسمع منّي إنشاداً· فقال لعزّة: اشتميه· فقالت: ما أراك إلاّ تريد أن تفضحني فألحّ وحلف عليها، فشتمته فقلت: هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامـرٍ لعزّة من أعراضنا ما استحلت فقالت بثينة: أحسنت يا كثير، وقلت أبياتاً لعزّة أعاتبها فيهنّ وأنشدتها: فقلت لها يا عزّ أرسل صاحبي على بعد دارٍ والموكّل مرسـل بأن تجعلي بيني وبينك موعـدا وأن تأمرينـي بالذي فيه أفعـل وآخر عهـدٍ منك يـوم لقيتكـم بأسفل وادي الدّوم والثّوب يغسل فقالت بثينة: يا جارية، ابغنا خطباً من الرّوضات لنذبح لكثير غريضاً من البهم، فراح إلى جميل فأخبره· ثمّ إنّ بثينة قالت لبنات خالتها، وكانت اطمأنّت إليهنّ وتطلعهنّ على حديثها: اخرجن بنا إلى الدّومات فإنّ جميلاً مع كثيرٍ، وقد وعدته، فخرج جميل وكثير حتّى أتيا الدّومات، وجاءت بثينة وصواحبها، فما برحن حتّى برق الصّبح، وكان كثير يقول: ما رأيت مجلساً قط أحسن من ذلك المجلس، ولا فهماً أحسن من فهم أحدهما من صاحبه
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©