الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لعنة المال

لعنة المال
19 مايو 2011 20:07
أحمد محمد (القاهرة) - بعد الفجر استيقظ الأبناء الأربعة على صرخات أبيهم وأمهم، نهضوا من نومهم فزعين، فيبدو أن الأمر خطير، وما إن انتقلوا من غرفتهم الى غرفة أبيهم حتى وجدوه جثة هامدة وأمهم تصرخ وهي تردد «أبوكم مات» فاشترك معها الصغار في البكاء، بينما أمرت أحدهم بأن يذهب لابلاغ الجيران وإحضار سيارة لتقل ابيهم الى المستشفى عساه أن يكون في غيبوبة، ثم يفيق منها بالعلاج، وبالفعل حضر أشقاؤه والجيران وحملوه الى المستشفى، لكن الطبيب أكد لهم أنه فارق الحياة، ورفض أن يمنحهم تصريحاً بدفنه كما تقضي الإجراءات، من دون أن يعرفوا السبب. لم تمض إلا دقائق حتى فوجئ الحاضرون المنتظرون برجال الشرطة الذين سألوا الزوجة عن كيفية وفاة زوجها، فقالت إنه لمس سلكا كهربائيا فصعقه التيار، لكن الضابط عندما ناظر جثة الزوج تأكد أن الوفاة لم تكن طبيعية وأن وراءها جريمة لوجود آثار حروق في اليدين والقدمين، وأكد الطبيب هذه الشكوك، وأشار في تقريره الى أن وراء الواقعة جريمة. تمت مواجهة الزوجة بذلك فلم تستطع أن تبررها، وكانت أضعف من أن تنكر أنها وراء الجريمة وأنها قتلت زوجها وهي التي صعقته بالكهرباء، أثناء نومه لأنه تزوج عليها، فقد تحتمل المرأة كل شيء من زوجها حتى الخيانة، لكن لا تحتمل زواجه عليها ولا تقبل بأي حال من الأحوال أن يأتيها بضرة. جلست «مايسة» تحاول أن تكفكف دموعها وتروي تفاصيل جريمتها، وتبدأ منذ اللحظة التي تعرفت فيها على زوجها قبل عشرين عاما، وهو مجرد سائق فقير يحصل على رزقه يوما بيوم، ويعاني ضيق ذات اليد، ورغم أنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا فقد وافقت عليه أملا في تحسن أحواله. وقالت: تزوجته وانتقلت الى بيت أسرته القديم في غرفة تم تخصيصها لنا، وهناك عانيت الأمرين من أمه وإخوته الذين كانوا دائما في حالة تربص بي، ولا أجد سبباً لعداوتهم الظاهرة المستمرة، وتحملت كل تجاوزات أمه، لكن عندما وصل الأمر الى حد قيام شقيقه بصفعي على وجهي رفضت الاستمرار وعدت الى بيت أبي غاضبة، وعندما حضر مع بعض الكبار في المنطقة اشترط أبي أن يكون لي بيت مستقل، وبالفعل اشترى لي بيتا من الطوب اللبن مكون من غرفتين صغيرتين، كان في عيني مثل القصر، فيكفي أنني سأكون فيه بحريتي أنا وزوجي، وفيه أنجبت أبنائي الأربعة، ولم أسمح لشظف العيش بأن يعكر صفو حياتنا، ونجحت في إدارة شؤون بيتي بالمال القليل الذي يحصل عليه زوجي، وتحملت البرد والجوع والفقر لأنني أحبه وأحب أولادي. أخيرا بعد كل هذه السنين العجاف، اهتدى زوجي الى عمل في إحدى الشركات براتب كبير، لم يكن هو ولا نحن نحلم به، ومعه تغيرت كل حياتنا، فأشترى لي ولأبنائه الملابس، وتزينت لأول مرة بالمجوهرات، وخلال بضعة أشهر ظهرت علينا آثار النعمة وبدأنا نعيد بناء المنزل. لكن الدنيا إذا حلت أوحلت، وتحولت النعمة الى نقمة، وأصبحت الأموال في يد زوجي للمفسدة فقط، فاتجه الى تعاطي المواد المخدرة، وتطور الأمر الى الأسوأ، فبدأ يزاول هذه التجارة المحرمة في السموم، ولم يتوقف الوضع عند ذلك الحد، بل ازداد سوءا، وانحرف زوجي بكل ما تعني الكلمة من معنى، بعد ما تعرف على بعض النساء اللاتي لسن فوق مستوى الشبهات، ونصحته بأن يكف عن المخدرات وأن يدع تعاطيها وتجارتها لكنه رفض، بل كلما أشتد النقاش بيننا في هذا الأمر كان يتطاول عليّ بالضرب والسباب. لاحظت على زوجي تغيرات كثيرة غير معتادة على مدى سنوات زواجنا إذ يتغيب بالأيام عن البيت، وفي أحسن الأحوال يعود متأخراً، وأظهرت له التبرم من ذلك، لكن لا حياة لمن تنادي، دائما يتجاهل كلامي، وكثيراً ما يتهكم على طريقة تفكيري وينتقص مني، ويهينني ويسفه كل أفكاري، وأصبحت المشاجرات والخلافات هي عنوان حياتنا، حاولت أن ألفت نظره الى ان بناتنا قد كبرن وتمت خطبة اثنتين وهما بحاجة الى هذه الأموال التي يبعثرها على ملذاته، وايضا فإن تصرفاته تسيء اليهما والى الأسرة كلها، فما وجدت منه غير عدم المبالاة. وحمي الوطيس، ووقعت بيننا المشكلة الكبرى وطالبته بالطلاق، فرفض ايضا، وفوجئت به يدعوني الى رحلة لثلاثة أيام في إحدى المناطق الساحلية، كنوع من المصالحة وفتح صفحة جديدة في حياتنا ووافقت على أمل أن يعود الى صوابه، واستغل الفرصة في هذه الأيام في أن أحاول إصلاحه، فوعدني بأنه سيترك كل التصرفات التي تضايقني وسيعود كما كان في الماضي ويهتم بأسرته وأحوالها، وأعتقد أنني منيت نفسي بذلك، وقد كانت سعادتي لا توصف، وأنا أتوقع أن يعود زوجي الى صوابه، بعد أن كرهت الأموال التي كانت سببا في فساده وضياعه، ولا أخفي أنني تمنيت العودة مرة أخرى الى حياة الفقر، فقد كانت أفضل بكثير. في نهاية الرحلة طلب مني زوجي المجوهرات التي اشتراها لي لأنه في خطة الاصلاح التي اعتزمها يريد أن يفتح مشروعا تجاريا وأنه في حاجة الى بعض الأموال، ومن دون أن أسأله عن أي تفاصيل، وبلا تردد وضعتها كلها بين يديه وأنا اؤكد له انني على أتم الاستعداد للوقوف بجانبه بحياتي كلها، وعبر لي عن شكره وأمتنانه. وعندما عدت الى منزلي وجدته خاوياً على عروشه، فلم أجد غرفة النوم الجديدة التي اشتراها لي منذ ثلاثة أشهر والأجهزة الكهربائية اختفت، وبلا سؤال جاءني الجواب من أسرته، فهي التي استولت على الأثاث لأن زوجي تزوج عليّ، وأنهم قدموا الأجهزة والمفروشات للعروس الجديدة وألقوا على رأسي بثالث مفاجأة، بأن المجوهرات التي حصل عليها مني سيقدمها أيضا للعروس ولم أصدق ما أسمعه كأنه خيال، واختفى زوجي. عاد بعد أسبوع ونشبت بيننا معركة كبيرة، وهو يعترف لي بصحة كل المعلومات التي عرفتها، وزاد الطين بلة، عندما هددني إذا لم أتقبل الأمر الواقع بأنه سيطردني من المنزل ولن يطلقني ويتركني معلقة ويأخذ الأولاد، فشعرت بالضياع وخاصة انه جاد فيما يقول وليس مجرد تهديد. ازدادت النيران في صدري اشتعالا، وزاد تأججها تلك الضرة التي جاءني بها وخاصة بعدما علمت انه وقع معها في الخطأ، وأجبره أهلها على زواجها، وأنه خدعني بهذا الفخ عندما اصطحبني في رحلة ليستدرجني ويحصل على مجوهراتي ولم أدرك ألاعيبه حتى وقعت في المصيدة، وها أنا أصبحت صفر اليدين وخسرت كل شيء، زوجي وأموالي وبيتي في طريقه الى الخراب العاجل. نام زوجي، وجلست أضرب أخماسا في أسداس وأنا مازلت أغلي من الغيرة والغيظ، ولم أجد حلا غير التخلص منه، ولكن كثيرا ما قرأت عن القبض على الزوجات اللاتي يقتلن أزواجهن بالرصاص وأنا ليس لدي سلاح، وكذلك القبض على اللاتي يذبحن أزواجهن فقررت البحث عن وسيلة أخرى للانتقام، فأقوم بتعذيبه، ثم أتخلص منه، وأشفي غليل صدري من كل ما فعله بي. اهتديت الى فكرة صعقه بالكهرباء، لأنها لن تترك أثرا، وادعي في نفس الوقت انه لمس سلكا مكشوفا وبذلك لا يتم كشف مقتله، وبينما كان يغط في نوم عميق، وبعد آذان الفجر أحضرت كابل الكهرباء وقمت بتوصيله بيده وقدمه، فصرخ بصوت عال، وفي لحظة أصبح جثة هامدة وفارق الحياة بعد أن شهق شهقة عالية خرجت معها روحه، ونظر اليّ نظرة زرعت الرعب في نفسي، فأرتعدت وصرخت حتى استيقظ أولادي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©