الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذكرى نكبة فلسطين

ذكرى نكبة فلسطين
19 مايو 2011 20:08
وافق يوم الأحد الماضي الخامس عشر من شهر مايو، ذكرى النكبة المشؤومة التي حدثت قبل ثلاثة وستين عاماً، حيث اغتصب المحتلون الإسرائيليون بلادنا الحبيبة فلسطين، وأخرجوا أبناء شعبنا الفلسطيني من أرضهم ليعيشوا مشردين في بلاد المنافي والشتات. ورغم مرور هذه السنوات الطويلة، إلا أن شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بعقيدتهم متمسكون، وعن أرضهم مدافعون، ولفلسطين المباركة محبون، فالنفوس البشرية جُبلت على حب الأوطان، لأن حب الوطن والتعلق به والحنين إليه أمر فطري، فالطيور تحنُّ إلى أوكارها، والإبل إلى مرابضها، فحب الأوطان من الإيمان، وهل ينسى الإنسان وطنه؟! الأرض التي ولد على ثراها، وترعرع في جنباتها، وأكل من خيرها، وشرب من مائها، واستظل بظلها، ولعب في أزقتها، فشعبنا الفلسطيني محب لوطنه اقتداء بحبيبنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي علَّم الدنيا كلها حب الأوطان يوم قال مخاطباً مكة المكرمة: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت)، (أخرجه الترمذي وابن ماجه)، وقوله أيضاً: (ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك) (أخرجه الترمذي). وكذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحِنُّون إلى مكة المكرمة بعد ما قدموا المدينة المنورة، مع أنهم وجدوا فيها كل إكرام ومحبة وإخاء، فلم تُنسِ المدينة المنورة أهل مكة الحنين إليها وانتظار ساعة العودة إن شاء الله. وإذا كان هذا الحب والإجلال واجباً لكل البلاد وجميع الأوطان، فما بالنا بأرض الإسراء والمعراج، هذه الأرض المباركة التي ذُكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد شهدت بلادنا الحبيبة أشهر قمة عرفها التاريخ في ليلة الإسراء والمعراج، حيث صلى رسولنا- صلى الله عليه وسلم - إماماً بإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وتسلم الراية منهم لتحملها أمته من بعده إلى يوم القيامة، ومن هذه البلاد المباركة سينادي سيدنا إسرافيل - عليه الصلاة والسلام - كما ورد في قوله تعالى ?{?وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ?}?، (سورة ق، الآية - 41)، حيث جاء في كتب التفسير أن المنادي هو إسرافيل عليه السلام ينادي من صخرة بيت المقدس وهي أقرب موضع من الأرض إلى السماء «أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة إن الله تعالى يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء» (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4 - 294). تأتي ذكرى النكبة في هذا العام وقد طوى شعبنا الفلسطيني والحمد لله صفحة الإنقسام إلى الأبد، وبدأ شعبنا الفلسطيني يستعيد عافيته، حيث ظهرت علامات السرور على وجوه أبنائه بعد التوقيع على اتفاق القاهرة، فمن المعلوم أن المحافظة على الوطن لا تكون إلا بالوحدة ورص الصفوف وجمع الشمل وتوحيد الكلمة، فيد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فالوطن يبقى فوق كل اعتبار، وعلى المواطن الصالح أن لا ينشغل عن الوطن وهمِّ رعايته وحمايته وتقديم كل ما يستطيع بأي حال من الأحوال. إننا بحاجة إلى العالم القدوة المحب لوطنه، وإلى المعلم المحب لوطنه، وإلى الطبيب المحب لوطنه، وإلى المهندس المحب لوطنه، وإلى العامل المحب لوطنه، وذلك بأن يؤدي كل واحد منهم الواجب المهني الملقى على عاتقه على أكمل وجه، كما ويجب علينا جميعاً أن نعتز بالانتماء لهذا الوطن الغالي، فحبنا للوطن تضحية وعطاء، فلا شرف لمن لا شرف لوطنه، ولا سمعة لمن لا سمعة لقومه، لذلك فإن الواجب علينا جميعاً أن نوحد كلمتنا، فوحدتنا سرُّ قوتنا، ولو اتحدنا لما استطاع أحد هزيمتنا، كما يُحكى في ذلك قصة الرجل الحكيم الذي كان له اثنا عشر ولداً، فلما حضرته الوفاة، استدعى أولاده جميعاً، فاجتمعوا عنده، فطلب حزمة من العصيّ، فأُحْضِرت، فطلب من كل واحد منهم أن يكسرها مجتمعة فعجز، فأعطى كلاً منهم عصاً فكسرها بسهولة، فقال لهم، يا بني، كونوا جميعاً ولا تتفرقوا فيسهل كسركم ..، وفي هذا المعنى يقول الشاعر: تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا إن بلادنا فلسطين تتعرض في هذه الأيام لهجمة شرسة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فهم يعملون ليل نهار على تهويد المدينة المقدسة، بعد أن عزلوها عن محيطها الفلسطيني من خلال جدار الفصل العنصري، وما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي يومياً من قتل للمواطنين، وهدم للبيوت، وتدمير للمصانع والمؤسسات، وتجريف للأراضي الزراعية، ومحاربة للعمال في لقمة عيشهم عنا ببعيد، كما تتعرض مدينة القدس للتهويد، حيث تهدم المنازل وتصادر الأراضي وتفرض الضرائب وتسحب الهويات، كما أن سلطات الاحتلال تشرع في بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية لإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة المقدسة من أجل إضفاء الطابع اليهودي عليها، والمسجد الأقصى يتعرض لهجمة شرسة، فمن حفريات أسفله، إلى بناء كنس بجواره، إلى منع سدنته وحراسه وأصحابه من الوصول إليه، ومنع الأوقاف من الترميم، كما أن سلطات الاحتلال تقوم بهدم المساجد والكنائس والاعتداء عليها صباح مساء، والعالم وللأسف يتفرج عما يحدث من مجزرة بشعة ضد القدس والمقدسات. إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين حق شرعي غير قابل للتصرف على الإطلاق، فمن حق الفلسطيني أن يعود إلى أرض آبائه وأجداده، تلك الأرض التي ولد على ثراها وأكل من خيرها، وشرب من مائها واستظل بظلها. إن الواجب على الأمتين العربية والإسلامية مساندة هذا الشعب، ودعم المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، الذين أثنى عليهم رسولنا - صلى الله عليه وسلم - خيراً كما جاء في الحديث الشريف: «لا تزال طائفةٌ من أمتي على الدينِ ظاهرين لعدوُّهم قاهرين لا يضرُّهم مَنْ خالفهم إِلاّ ما أصابَهُم من َلأْوَاء حتى يأتيهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا: وأين هم؟ قال: ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدس» (أخرجه أحمد). فعلى الأمة العربية والإسلامية واجب كبير تجاه أشقائهم في فلسطين، وذلك بالتبرع لصالح فلسطين كل حسب استطاعته للحديث الذي روته ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم- قالت: «يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: «أرض المحْشر والمنشر، ائتوه فصَلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره»، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال:» فتهدي له زيتا يُسرجُ فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه» (أخرجه ابن ماجه). فهذه دعوة نبوية لأبناء الأمة بأن يشدوا الرحال إلى الأقصى، فمن لم يستطع منهم كالعرب والمسلمين خارج فلسطين، الذين لا يستطيعون الوصول نتيجة للاحتلال الإسرائيلي، فهؤلاء عليهم واجب كبير هو مساعدة إخوانهم وأشقائهم المرابطين في فلسطين عامة ومدينة القدس خاصة من سدنة وحراس، وعمال، وتجار، وطلاب، وجامعات، ومستشفيات، ومواطنين، والذين يشكلون رأس الحربة في الذود عن المقدسات الإسلامية في فلسطين بالنيابة عن الأمتين العربية والإسلامية، حتى يستطيعوا التصدي لمؤامرات تسريب الأراضي للمحتلين والثبات في بيوتهم في البلدة القديمة، والتي تعمل سلطات الاحتلال على تفريغها من أهلها بكل السُّبل لإسكان المستوطنين بدلاً منهم. وبهذه المناسبة فإننا نؤكد على تمسكنا بأرضنا المباركة فلسطين الحبيبة بصفة عامة، ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، وكذلك بكل مقدساتنا في ربوع فلسطين الغالية، كما نعلن تمسكنا بحقنا في العودة إلى أرض الآباء والأجداد، هذا الحق المقدس لملايين الفلسطينيين في مختلف أرجاء المعمورة، كما نعلن عن حقنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحقنا في تقرير المصير، وخروج جميع الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال، ليتنفسوا نسائم الحرية، وليساهموا في بناء هذا الوطن، كما ساهموا في الدفاع عنه. أملنا في الله كبير، فقد لفظت بلادنا المباركة المحتلين عبر التاريخ، وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©