الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابني أكبر همومي

ابني أكبر همومي
16 مايو 2013 21:49
نورا محمد (القاهرة) - بعد ثلاثة أيام فقط من زواجي، فوجئت بحماتي وبناتها الست أخوات زوجي يستعجلنني بكل جدية، وليس من قبيل المداعبة، بأن أحمل وآتي للعائلة بولد ذكر لأن زوجي هو الولد الوحيد لأبيه مع كل هؤلاء البنات ووالده هو الآخر الأخ الوحيد لأخواته السبع، وكذلك جده، فكل النسل هكذا ولد واحد مع سرب من البنات- كما كانوا يحبون التسمية- عندما يتطرَّق الأمر إلى تلك المسألة في البداية، كنت أعتقد أن هذا نوع من المزاح النسائي بيننا، ولكنهن كررنه كثيراً على الملأ، ويكتفي زوجي وأبوه بالصمت الذي يعني الرضا عن كلامهن أو على الأقل عدم استنكاره وتلاقي كل الرغبات. من الطبيعي، وبالغريزة الأنثوية أن أتمنى أن يحدث الحمل، وأن أصبح أماً، ولكن ليس بهذه العجلة وتلك الصورة التي يتحدثون بها، وللحقيقة لم يخطر ببالي أبداً قبل وفي أثناء الخطوبة أن عائلة زوجي تعاني هذه العقدة التاريخية الطويلة، ولم يفتح أحد الموضوع أمامي وحتى أسرتي، أعتقد أنها كانت مثلي في هذا الموضوع كل ما كان يشغلنا أن يكون الشاب الذي تقدّم لي مناسباً، فقد تخرجت في كلية الآداب، وأعمل معلمة للغة الإنجليزية بشكل مؤقت، وأتنقل من مدرسة إلى أخرى حسب ظروف العمل، ولم أكن قلقة من ذلك، ولا يمثل لي عدم اللااستقرار في مكان أي مشكلة وتسير حياتي بشكل طبيعي، وخلال الأعوام الثلاثة التي تخرجت قبلها، وعملت في حقل التعليم، جاءني أكثر من عريس، لكن لم يكن بينهم واحد مناسب، فأحدهم يحمل مؤهلاً أقل مني، والآخر بيننا وبين عائلته فارق كبير في المستوى الاجتماعي، وثالث يقيم مع أسرته في بيت واحد وليس لي شقة مستقلة. وأخيراً، جاء موظف يقاربني في العمر وبيننا تقارب وتفاهم كبيران بعد أن تم إعلان الخطوبة رسمياً سواءً على المستوى الشخصي أو على مستوى الأسرتين، وإمكاناته معقولة ووجدت فيه أكثر مما كنت أحلم به في زوج المستقبل وشخصيته مرحة مع أن ملامحه جادة، ولا يخرج في مزاحه عن حدود الأدب واللياقة، ويستجيب لكل المطالب بسلاسة حتى تم الزواج بلا أدنى مشكلات ليس هذا فقط، بل إنني وجدت من كل أفراد أسرته اهتماماً كبيراً وتدليلاً لي في فترة الخطوبة، وهو شخصية مجازفة ومغامر ويتصرّف بما يفوق إمكاناته وتشعر كأنه من الأثرياء، ولكن استطعت أن أسيطر على تصرفاته تلك بعد الزواج. وعلى الرغم من أن ما كانت أمه وأخواته يرددنه من الإلحاح عليّ يعد رغبة جارفة وأمنية للجميع وأنا منهم، إلا أنه أصبح كابوساً يؤرقني ويشعرني بأنني مجرد جارية جاءت للخدمة والحمل والإنجاب، فلم يعد يهمهم إلا ذلك ولا حديث لهم معي ومن وراء ظهري إلا في هذا الأمر الذي أصبح شغلهم الشاغل وقضيتهم الأولى والأخيرة في الحياة، لكن كثرة الكلام فيه حولته إلى عقدة ومشكلة مزمنة وأفكر فيها ليلاً ونهاراً، وأتساءل، وماذا لو لم يتم الحمل، وماذا إذا تم وأنجبت إناثاً وأتخيل سيناريوهات كثيرة يمكن أن تحدث، وبالطبع كلها سيئة، وبالفعل كان لهذه الضغوط الشديدة أثرها على حالتي النفسية وتسببت في تأخر الحمل لمدة ستة أشهر وإن كانت هذه الفترة ليست طويلة ولا تذكر في عمر الزواج، لكنهم اعتبروها دهراً وأن الفرصة تضيع، وبدأوا يطالبونني بالعرض على الطبيب وإجراء الفحوص، لأنهم افترضوا أنني لن أنجب، وبالتالي يجب أن يستدركوا ويزوجوا زوجي لينجب لهم الذكران بسرعة. عجبت طبعاً أشد العجب من أن يصل تفكير الناس الآن إلى هذا الشكل، كما لو كنا في العصر الجاهلي وإنجاب البنات عار، والرغبة في إنجاب الذكور لتكوين عائلة كبيرة يكون عدد الرجال فيها كبيراً للاستعداد للحروب، ولم أجد مفراً من هذا الحصار المرعب إلا الانغماس في العمل أقضي فيه أكبر وقت ممكن، ووجهت طاقتي ووقتي للأنشطة والامتحانات وغيرها، ولا أقضي في البيت إلا القليل من الوقت تجنباً للحديث معي، ومنعاً للمزيد من الضغوط، لكن حتى هذا حولوه إلى موقف سلبي استغلوه ضدي واعتبروني مقصرة في حقهم، وغير مهتمة بهذه القضية المصيرية. لم أرد أن أضع زوجي في مواجهة مع أسرته، ولم ألجأ للشكوى واكتفيت بلغة العيون، وهو كان لماحاً، ويحاول أن يخفف عني بأسلوبه، وفي الحقيقة تحملت كل هذا من أجله لأنه يحتويني بعطفه وحنانه، ولا يريد أن يتسبب في أي غضب لأي من أفراد أسرته، خاصة أمه التي كانت لا تكف عن الكلام وتعيد وتزيد فيه بلا كلل ولا ملل، ثم تدعو له بالذرية، وأن يرزقه الله عشرة من الذكور، وأخيراً أجبروني على الفحص الطبي قبل مرور عام على زواجنا وأجريته من قبيل المجاملة مكرهة لا خائفة من النتيجة، فقد أصبحت لا تهمني بالقدر الذي يفكرون فيه، والمهم أنها جاءت مؤكدة أنني لا أعاني أي حالة مرضية، ولا توجد أي موانع للحمل، وأنني سليمة مئة بالمائة، وهناك احتمال للتأثر النفسي، وهذه النتيجة سربت إلى نفوسهم الخوف من أن يكون هناك عيب في زوجي، وأجبروه هو الآخر على إجراء الفحص وبحمد الله جاءت النتيجة مطمئنة، وأنه هو الآخر سليم ومعافى. تدرون بعد ذلك فيما فكرت حماتي وبناتها؟ أنها تريد أن تعرضنا على الدجالين والمشعوذين والنصابين الذين يزعمون أنهم يعالجون من كل الأمراض، وأن لديهم قدرات خاصة وخارقة، ربما يكون هناك من «يعمل لنا عملاً بعدم الإنجاب»، أو ربما نكون محسودين أو مسحورين، فيتم فك السحر وإبطاله، وقد نجد عنده بعض الأدوية العشبية التي تساعد على الحمل أو أي حل تراه واحدة مثلي مثقفة وواعية وتعلم الأجيال وتعرف أصول دينها، بالطبع لا يمكن أن توافق على ذلك، وكنت حاسمة في هذا الموقف بلا مواربة، وقطعت عليها هذه المحاولة وأيدني زوجي صراحة ورفض هذا الاقتراح. ولم يهدأ لها بال، وقد فعلت ذلك بطريقة ملتوية ترددت على أحدهم دلتها عليه امرأة على شاكلتها، وتفكر مثلها، ولم تخبره بحقيقة رفضنا لزيارته، وإنما أخبرته بأنها تريد أن تجعل الأمر سراً، وطلب منها أشياء غريبة، مثل أن تأتيه بشيء من «رائحتنا»، مثل الشعر أو الملابس وغيرها، وحصل منها على مبالغ طائلة، وهو يمنيها بقدرته على حل المشكلة، لكنها ستستغرق بعض الوقت وقد اعترفت لنا بعد ذلك بفترات طويلة. بعد عامين جاءت إرادة الله، وتم الحمل، وسعد الجميع بهذا الحادث السعيد وأصبحوا يترقبون يا ترى سيكون ولداً أم بنتاً، ونقلوني من حالة توتر تأخر الحمل إلى حالة توتر نوع الجنين كأنهم يريدون لي أن أظل في هذه الظروف بشكل مستمر، وقد كان هذا القلق أكثر تأثيراً على حالتي النفسية، فهم لن يقبلوا أبداً بالمزيد من البنات ويطمعون في ولد ولا بديل عنه، بل المزيد من الأولاد، وبعد ثلاثة أشهر أدخلوني في دوامة الفحوص ثانية مرة للاطمئنان على الجنين، ومرة بحجة الاطمئنان على صحتي، ولكنها كلها ظاهرها فيه الرحمة وباطنها العذاب، فهم يتعجلون إجراء أشعة لمعرفة نوع الجنين، وقد تمكنوا من الوصول إلى هدفهم وأظهرت أنني حامل بولد ذكر وكادوا أن يحركوا الدفوف ويضربوا الطبول وصبروا على أحر من الجمر إلى أن تمت الولادة. حماتي تولّت كل شيء يخص الصغير بحجة أنني بلا خبرة، وللمرة الأولى أكون أماً، ويا ويلي لو ارتفعت حرارته أو رفض الرضاعة، أو تعرّض لأي مكروه، فالاتهامات جاهزة، وسريعة، وفي كل مرة أكون المذنبة، وقد توهمت أن هذه هي نهاية مراحل التوتر، ولكنها كانت البداية لمرحلة جديدة ولأنواع مختلفة متوالية، وقد تكرر الحمل مرتين، ولكن أنجبت فيهما بنتين، ولكم أن تتخيلوا رد الفعل من جانبهم، وكيف أهملوني وأهملوا المولودتين في كل مرة لدرجة أنه لا يفكر أحد منهم في تسمية المولودة، ولم يقيموا لأي منهما عقيقة، يعني كل شيء كان على عكس المولود الأول الذي كبر وأصبح عمره سبع سنوات. الكارثة الكبرى التي واجهتني، ولم أستطع التغلب عليها، أنهم تولوا تربية الولد ودللوه إلى حد الإفساد، وكل مطالبه، بل وأحلامه مجابة، حتى يبدو أنه ضعيف الشخصية، واستمر ذلك بعدما التحق بالمدرسة، وهو يتنقل بين سنة وأخرى بمستواه الضعيف، لأنهم يرفضون أن أطلب منه استذكار دروسه ويؤنبونني ويأمرونني بأن أتركه ولا أثقل عليه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وعلى الجانب الآخر كانت الفتاتان أكثر وعياً وأفضل حالاً في التعليم، لأنهم تركوهما لي بلا تدخل، وهكذا هذا الولد يشكل لي دائماً أزمة قبل أن يأتي وبعد مجيئه، فهم لا يعرفون عن أصول التربية الصحية شيئاً، يتعاملون معه بعواطفهم فقط، ولا ينظرون إلى مصلحته ومستقبله، والأخطر أنهم لا يدركون أنني أمه وأكثر خوفاً عليه وأكثر حرصاً منهم، ويضعونني في المعسكر المقابل أي معسكر الأعداء، وكأنني غريبة عنه وعنهم. لقد نجحوا في إقامة حاجز نفسي بيني وبين ابني، فشلت في تحطيمه بشتى السبل، ولم تنجح الدراسات العلمية التي لجأت إليها في إزالة هذا الحاجز الذي ينمو ويزيد ويكبر كل يوم بأيديهم، كل هذا وزوجي اتخذ جانباً يبدو محايداً كأن الأمر لا يعنيه، أكاد أجن وأفقد عقلي لا أجد من ينقذني أو يساعدني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©