الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقبرة في غرفة النوم!

مقبرة في غرفة النوم!
16 مايو 2013 21:49
أحمد محمد (القاهرة) - كانت عقارب الساعة تشير إلى ما بعد الرابعة فجراً، عندما استيقظ الجيران على صراخ وعويل من شقة جارهم «محمود» الذي تربطه بهم أيضاً صلة قرابة، لكن من بعيد، ومع ذلك لم يتحرّكوا رغم أنهم قاموا مفزوعين هم وأطفالهم واستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم، وحاولوا النوم مرة أخرى، لكن الأصوات تتعالى بما يُنذر بأمر جلل، فاضطروا للقيام ليستكشفوا الأمر، خاصة، وأنه يقيم وحده منذ طلّق زوجته، فلا بد أن هناك جديداً وإن كانوا لا يحبون في الأصل أن يتدخلوا بعدما أحرجهم وقالها لهم صراحة أن يبتعدوا عن حياته مهما حدث، فحافظوا على كرامتهم وتجنبوه. هذه المرة لم يستطيعوا الابتعاد، لأن الصراخ يشير إلى أمر خطير، وخرجوا يستطلعون، فكان في الشقة الصغيرة عدد من أقارب مطلقته منهم أبوها وإخوتها الثلاثة وأختاها وأمها والجميع في حالة من الهلع والذهول، كان الاعتقاد الأول أن هناك مشاجرة بينهم وبين «محمود» بسبب الخلافات القديمة بينهم والتي مضى عليها أكثر من سبعة أشهر، ولم يأتوا من يومها إلى هنا، وإن كانت ابنتهم مطلقته تأتي بين الحين والآخر، لكن «محمود» لم يكن موجوداً بينهم، فأطل بعضهم إلى الداخل فلم يفهموا شيئاً، وعندما تقدموا بضع خطوات في الشقة وقعت أنظارهم على شيء غريب يثير الشك والريبة. هناك حفرة في غرفة النوم، فهل وصل الخلاف لدرجة أن يقوموا بهدم أساس البناية وتدمير أثاث الشقة. المشهد غريب وعجيب لم يروا مثله من قبل، جاء الجواب على لسان الرجل العجوز الذي كان يصرخ ويردد قتلها «محمود»، فما كانت هذه الحفرة إلا قبراً، وبدأت أجزاء الجثة تظهر منها، وهم يقومون بالحفر ورفع التراب والبلاط عنها بعد أن كان يضع فوقها سرير النوم وتدخل الرجل للمساعدة في إكمال الحفر واستخرجوا «رضا» جثة هامدة، فقد دفنها بملابسها بعد أن طعنها بسكين وقام بغسل الدماء ومحاولة محو آثار الجريمة، كان يحاول أن يخفيها، لكنه فشل، فقد كانت كل الشواهد تشير إلى أنه وراء اختفائها منذ عدة ساعات وقتلها في هذا المكان، وقد توصل أهلها والجيران إلى حل لغز الجريمة قبل أن يصل البوليس وقبل الإبلاغ بالحادث أصلاً. من يعرفون القاتل والقتيلة لا يصدقون أبداً أن تصل بهما النهاية إلى هذا الشكل المأساوي، فقد شهدت هذه البناية الصغيرة القديمة أحلى أيام العمر وقصة من الغرام لم تتكرر منذ عشرات السنين، كانت البداية قبل أكثر من ثلاث سنوات عندما تكررت اللقاءات بالمصادفة بين «محمود» و«رضا» من خلال عمله، فهو سائق تاكسي يتنقّل بها في كل مكان حسب ما يصادفه من زبائن في طريقه لا يختارهم ولا ينتقيهم، فمن يشير له يتوقف ويلتقطه ويسير به حيثما يريد، و»محمود» في الغالب لا يحب التحدث مع الزبائن، ويكتفي بسماع الأغاني القديمة ذات الطرب الأصيل أو يحرك مؤشر الراديو ليتابع الأخبار والأحداث في الدنيا. أربع مرات أو أكثر، وهي تستقل السيارة معه مرات منها تكون وحدها ومرات معها ابنتها ابنة السنوات السبع. تكرار اللقاءات لم يحدث معه مطلقاً وهو يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشر سنوات، فلا يتذكر أن شخصاً استقل معه السيارة مرتين، بل في كل مرة زبون جديد، لذا استرعى انتباهه هذه الواقعة الغريبة، فهي تجلس في المقعد الخلفي وتنتقل من المكان نفسه إلى بيتها لا يدري إن كانت هي وصلت إلى هذه الملاحظة أم لا، لكن على أي حال، فإن ما حدث جعله يخرج عن طبيعته الصامتة ويفتح معها حواراً في نطاق الاستغراب لما يحدث ولم يحصل أي منهما من الآخر على معلومة غير أن هذه مقادير وإرادة الله تسير بالناس، لكن عندما جاءت هذه المرة، وكانت أيضاً مصادفة، وبلا أدنى ترتيب اعتبرته هي من جانبها أنه رتب لها، لكنه أقسم لها بغليظ الإيمان أنها صدفة بحتة وتطرق الحديث إلى الحياة والظروف والمعاناة وأحوال الدنيا وما يحدث فيها. أما اللقاءات التالية، فقد كانت بمواعيد وترتيبات مسبقة، فقد استراح كل منهما للآخر وفتح قلبه وبدأت كلامها بسوء حظها في الحياة، فقد تزوجت منذ ثماني سنوات من رجل ليس بينهما أي معرفة أو علاقة سابقة، وأنجبت منه طفلة هي الآن في الخامسة من عمرها، ولم يكن على مستوى المسؤولية ولم ترد أن تجرّح فيه لأنه والد ابنتها، وقد طلقها ومضى كل إلى غايته وأعجبه فيها أنها لا تريد أن تذم الرجل الذي أساء لها، فزاد إعجابه بها وأكبرها وعظمت في عينيه، ولم يكن تفكيره مثل الكثيرين ممن حوله يفرون من المطلقات باعتبار أنهن مررن بتجربة سابقة وبالضرورة أنهن المخطئات. كان هو الآخر صريحاً معها اعترف لها بإعجابه بها، ولو قبلت أن تتزوجه على ظروفه فهو يكبرها بعامين تقريباً ويعمل سائقاً على هذه السيارة التي لا يملكها، ولم يسبق له الزواج، ولا الخطوبة، ليس إلا لضيق ذات اليد، ولديه شقة صغيرة في الطابق الأرضي في بناية قديمة في منطقة شعبية، ولديه بعض المدخرات التي يمكن أن تكفي نفقات الزواج ووعدها بأن يأتيها بأثاث جديد في حدود إمكاناته والمهم السعادة التي تغمرهما وبعدما استشارت أسرتها وبعد لقاءات التعارف تمت الخطوبة التي لم تستمر إلا ثلاثة أشهر وبعدها تم الزواج. كانت سعادة «محمود» و»رضا» حقيقية بكل ما تحوي الكلمة من معنى يخيم عليهما الرضا بهذه الحياة البسيطة، فهو في عمله ويعود في المساء وباقي اليوم كله معها أينما ذهب، وهي تحذره مازحة من أن يتعرّف على امرأة أخرى أثناء عمله، كما تعرف عليها، فيجيبها وهو يبتسم ابتسامة عريضة إن العاقل لا يتزوج إلا مرة واحدة إن أحب زوجته، فلن يرضى عنها بديلاً وإن كرهها، فلن يكرر التجربة، ولكن هذه الأجواء لم تستمر بعد أن جاءت «رضا» بابنتها لتقيم معها لم يحتمل وجودها في بيته وبعد أيام قليلة قالها صراحة إنه لا يستطيع أن يتحملها وعليها أن تعيدها إلى بيت جدها، فحاولت أن تستميله وتروضه وتفهمه بهدوء أنها لا تستطيع هي الأخرى أن تعيش بعيداً عن ابنتها ولن تأمن عليها مع أي شخص في الدنيا مهما كان. كانت الصغيرة هي الشوكة في ظهر علاقتهما، فأصابتها بالاعتلال ودارت نقاشات وحوارات كثيرة بينهما، ولم يتمكنا من الوصول إلى حل حتى وصل الخلاف إلى ارتفاع الصوت الذي وصل إلى الجيران، وفي المرات الأولى كانوا يتدخلون لمحاولة فض الخلاف والإصلاح بينهما، لكن مع تكرار المشاجرات بينهما طلب من جيرانه عدم الحضور إلى بيته وعدم التدخل في شؤونه فهذا أمر عائلي يخصه هو وزوجته، ولا يريد لأحد أن يعرفه أو يتدخل فيه حتى لو كان من باب الإصلاح بينهما، ومنذ ذلك الحين لم يتدخلوا بينهما حتى تفاقمت الخلافات ووصلت ذروتها وانتهت بالطلاق. عادت «رضا» إلى بيت أبيها وهي تصر على عدم الزواج مرة أخرى وأن تتفرغ لتربية ورعاية ابنتها، لكن قلب «محمود» لا يطاوعه ويؤنب نفسه على هذا القرار ويرى أنه كان لا بد أن يبحث عن حل آخر غير الانفصال، ومع هذا لا يريد أن يتنازل عن إبعاد الصغيرة عن حياتهما ويلتقي بها وهو يدعي أنها صدفة، لكن في الحقيقة يتحين أي فرصة ليتكلّم معها ويعيد التفاوض، فلم يجد عندها حلاً آخر، وهي تعلم أنه يتعمد هذه اللقاءات، ولم تكن متصلبة في موقفها، ولن تترك ابنتها للضياع. أحياناً تذهب معه إلى بيتهما للنقاش ويصل الأمر بينهما إلى تجدد الخلاف والشجار ولا يتدخل أحد، وفي هذه الليلة، كانت تسير مع ابنتها والساعة تشير إلى الثانية عشرة أي منتصف الليل وطلب منها أن يجلسا معاً وحدهما لعلهما يهتديان إلى حل يريح الطرفين، فكل منهما ما زال متمسكاً بالآخر رغم كل ما حدث طلبت من ابنتها أن تعود إلى بيت جدها القريب وتوجهت مع «محمود» إلى عشهما القديم، لعله يذكرهما بالليالي الخوالي فتلين القلوب وترق للتصالح وأن يتنازل أي منهما وتعود المياه إلى مجاريها وبدأ النقاش بحدة وصل صوتاهما إلى جميع الجيران الذين يتمنون أن تسفر جلسة الصلح هذه عن خبر سار لعلَّ الخلاف لا يفسد للود قضية، ولم يتابعوا بعد ذلك وخلدوا إلى النوم، فليسوا مهتمين ولا متعجلين لنتيجة ما يحدث، فقد تكررت تلك الجلسات كثيراً ولم تأت بفائدة. استبطأ والد «رضا» عودتها، وهو يعرف أنها مع طليقها، وقد حان موعد أذان الفجر، فطلب من أبنائه أن يتوجهوا معه إلى بيت «محمود» لاستعادتها، فلا يصح أن تبقى معه، وكأن الجميع شعروا بالخطر، فقاموا كلهم إلى هناك وارتبك «محمود» عندما رآهم وأنكر وجود «رضا» عنده، وأنكر أيضاً أنه رآها في هذه الليلة، فتأكدوا أنه يكذب قاموا بتفتيش المكان، وكان ما كان واكتشفوا الجثَّة كانت مقبرتها في غرفة النوم التي شهدت أحلى أيام حياتها فيها. تم القبض على «محمود»، وهو في ذهول واعترف بكل التفاصيل، وهو يبكي غير مصدق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©