الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقسيم العراق

16 أغسطس 2017 23:39
عام 2006 طرحت الولايات المتحدة ما يعرف بخطة بايدن لتقسيم العراق لأقاليم حكم ذاتي للسنة والشيعة والأكراد، وهي الخطة التي لم تجد كبير اهتمام لدى إدارة البيت الأبيض في مرحلة حكم باراك أوباما، على عكس إدارة ترامب التي تدفع بشدة نحو التقسيم، تحقيقاً لمصالح اقتصادية أميركية في تدمير وتخريب البنية التحتية في العراق، ثم تنفيذ عملية إعادة بناء العراق المقسم مقابل النفط. تم رسم ملامح تقسيم العراق من قبل أميركا قبل سقوط نظام صدام حسين، وكانت الخطة أن تبنى العلاقات فيه بعد عام 2003 على أسس عشائرية وقبلية ودينية وعرقية ومبدأ الولاء، حيث تلعب المحسوبية والانتساب الدور الرئيس في حماية كل عراقي وبقائه، خاصة أن مؤسسات الدولة ستكون ضعيفة وغير فعالة والخزينة خاوية عملياً. أما التنفيذ العملي، فقد بدأ منذ لحظة الغزو الأميركي الذي نجح بالفعل في تقسيم العراق طائفياً، لكنه لم ينجح بشكل كامل في التقسيم الجغرافي، لذلك افتعلت أميركا مع إيران وإسرائيل لعبة احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش، وبالتالي تحريرها من قبل الميليشيات التابعة لإيران. ظاهرة «داعش» والحرب عليها كانت عبارة عن وهم صنعه الظلم والفساد وتبنته أميركا وإيران، حيث وجدوا فيه ضالتهم التي ستحقق لهم تفتيت المنطقة العربية لإعادة تقسيم الشرق الأوسط ككل. وقد مثلت معركة الموصل تجمعاً لأهداف متقاطعة بين الأميركان والإسرائيليون والإيرانيون والأتراك والأكراد، إضافة إلى بعض الفئات العراقية المنتفعة، وتستخدم أميركا اليوم «داعش» كفزاعة من أجل الدخول لأي بلد تريده، دون تسمية ذلك بالغزو، بل ودخولها لا يكون للحرب، وإنما لافتعال حرب داخلية يكون جميع أطرافها من البلد نفسه، لتسوق للعالم أن الإرهاب يأتي من العرب أنفسهم. والدليل واضح في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، مستغلة كون الصراع العربي على السلطة هو الهدف المنشود لحكومات تلك الدول التي يجوب الجهل والفقر والمرض شوارعها. أما إيران فإن هدفها ينبع من رغبتها بضم جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، ولكنها وفق النفوذ الذي تتمتع به اليوم ربما ترغب بابتلاع العراق كاملا وليس الجنوب فقط. أما تركيا التي يطمع أردوغان في إعادة إحياء مجدها العثماني من خلال توسيع مساحتها ونفوذها، ورغم أنها لم تكن لاعباً أساسياً في حرب الموصل، إلا أنها قامت بتشكيل وتسليح ميليشيا من السُنة العرقيين في خطوة للتخلص من الأكراد الذين يضايقونها من خلال وجودهم على حدودها مع العراق وسوريا، وربما ترغب في ابتلاع إقليم كردستان في شمال العراق وضمه إلى ممتلكاتها. وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، المنتمي لحزب الدعوة الشيعي الموالي لإيران، قد عمل جاهداً على مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية، والممولة كلياً من إيران، بشكل فعال في معركة استعادة الموصل ليعطي إيران الضوء الأخضر لتلعب دورها المرسوم. وجاءت أول إشارة لبدء مرحلة التقسيم، عندما أعلن مسعود البرزاني رئيس منطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي عن إجراء استفتاء في 25 سبتمبر على إقامة دولة مستقلة، بعد التكهن المتشائم والقلق من رفض العبادي حتى مناقشة مستقبل حكم الموصل، والشك في أن إيران تحرك الأمور. ورغم أن أميركا طالبت الأكراد بتأجيل الاستفتاء، إلا أن ذلك قوبل بالرفض. ومن بين النذر الأخرى، حملة فصائل شيعية مدعومة من إيران تجمعت تحت لواء الحشد الشعبي الذي تديره الحكومة للانتشار بطول المناطق الكردية والتقدم صوب الحدود السورية مدفوعة برغبة إيران في السيطرة على سوريا والجزء المتاخم لسوريا من ارض العراق، لإقامة ممر من طهران إلى بيروت عبر العراق وسوريا، حيث صرح علي أكبر ولايتي كبير مستشاري الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي ضمن محاولات إيران الحثيثة لتعزيز سيطرتها في العراق، «اليوم يبدأ طريق المقاومة السريع من طهران ويصل إلى الموصل ودمشق وبيروت». ويأتي كل هذا على خلفية تناحر يجيش بين القوتين الإقليميتين إيران وتركيا، وتراجع النفوذ الأميركي على حساب النفوذ الروسي الذي يدعم إيران دعماً غير محدود. إن السياسة الأميركية التي تنتهجها إدارة ترامب، التي تتمتع بحنكة سياسية محدودة مقابل الاعتماد على المال كمدخل لجعل أميركا عظيمة مجدداً، هي سلاح ذو حدين، وقد  يكون لها مردودات مالية كبيرة للاقتصاد الأميركي، إلا أنها بالمقابل فتحت المجال واسعاً أمام روسيا لاستعادة دورها السابق كأحد قطبي السياسة العالمية قبل تفتيت الاتحاد السوفييتي، مستغلة الأوضاع التي خلقتها أميركا في المنطقة بتقسيمها إلى دويلات ضعيفة وفقيرة ومفككة يسهل السيطرة عليها. ولكن روسيا باتت أكثر اهتماماً بالحصول على حصة من خيرات المنطقة ومنها النفط، بدلاً من التفكير في إنشاء تحالفات سياسية مع دول المنطقة التي لم يعد لها أي ثقل سياسي، فأصبح دورها في منع تفتيت حليفها القديم. العراق سلبياً على حساب الكسب المادي.  وهكذا بدأ التقسيم أكثر قبولاً لدى روسيا مثلها مثل أميركا وتركيا وإيران، وبطبيعة الحال، الأفعى السامة إسرائيل، المستفيد الأول والأخير من كل ما يجري في المنطقة من دمار وحروب. نصَّار وديع نصَّار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©