الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزرار القميص تتحول إلى شبكة حاسوبية وكمبيوتر المستقبل بحجم مكعب السكّر

أزرار القميص تتحول إلى شبكة حاسوبية وكمبيوتر المستقبل بحجم مكعب السكّر
22 نوفمبر 2008 01:30
قبل عشر سنوات فحسب، كان الحديث عن التطور العلمي المنتظر في بداية الألفية الثالثة للميلاد التي نعيشها الآن، ضرباً من ضروب استثارة القراء بأكثر مما كان ينطوي على الحقائق المثبتة بالأدلة والقرائن· ونتذكر في هذا الصدد ما ذكره الروائي إتش ويلز في رواية (الرجل الخفي) The Invisible Man حيث يختفي بطل القصة ويصبح غير قابل للرؤية بالنسبة للبشر بسبب حادث مروّع تعرّض له· فلقد تطايرت أجزاء جسده واحداً تلو الآخر وبسرعة مذهلة باتجاه البعد الرابع (الزمن) الذي لا يبعد إلا قليلاً عن الأبعاد الثلاثة المعروفة لعالمنا وفقاً لما أثبته ألبرت آينشتاين في نظريته النسبية العامة· فغدا هكذا خافياً تماماً عنّا بالرغم من أنه بقي قادراً على رؤية كل ما يحدث حوله· وإذا كان (تخفّي البشر) بحدّ ذاته لا يزال ضرباً من ضروب الخيال، فإن تخفّي الآلات التي يكون في وسعها إنجاز كل ما يحتاجه البشر من خدمات بالغة الصعوبة والدقة، لم يعد بالأمر المستحيل أو الصعب· وعلى أن ظاهرة (اختفاء الآلات والأنظمة الرقمية) تعود الآن بقوّة ولكن لأسباب منطقية من النواحي الفيزيائية بخلاف التفسير غير المنطقي لاختفاء بطل رواية (الرجل الخفي)، وسوف تكون لهذا الإنجاز فوائد لا تعد ولا تحصى· ولقد استفاق العلماء إلى فكرة رائعة عندما تساءلوا: لماذا نحصر تفكيرنا بالتعامل مع الآلات والأجهزة وفق هذه الحجوم الضخمة التي اعتدنا عليها؟، ولماذا لا نبتدع آلات تافهة الحجم يمكن لعدد كبير منها أن يؤدي وظائف الآلة الواحدة بدقة أكبر وتنوع أفضل؟· وكان من شأن هذه الأسئلة المنطقية أن تقدح مخيلات المخترعين والمبتكرين لتأسيس ما يعرف بتكنولوجيا الآلات المصغّرة أو (التكنولوجيا النانوية) Nanotechnology، والتي كانت قبل بضع سنوات مجرّد فكرة تعشش في أذهان بعض العلماء إلى أن أصبحت الآن الشغل الشاغل لمراكز البحوث والتطوير العلمي وحتى الشركات الاستثمارية في حقول التكنولوجيات الحديثة· عودة إلى المستقبل تهدف التكنولوجيا النانوية إلى ابتداع آلات عالية الفعالية وفق أبعاد متناهية الصغر تقاس بوحدة (النانومتر) أو (جزء المليار من المتر)· ويتجه العلماء الغارقون في تطويرها إلى العمل ضمن هذه المقاييس لابتداع نسخ مصغرة لكافة الأجهزة والأدوات التقليدية التي يستخدمها الإنسان الآن بما فيها الحواسيب والأقمار الاصطناعية والمفاعلات النووية والصواريخ· وكان كاتب الخيال العلمي دوك براون أول من أشار إلى هذه الفكرة في قصة شهيرة نشرها في بداية عقد الثمانينات تحت عنوان: (عودة إلى المستقبل) وحولتها هوليوود إلى فيلم سينمائي حقق شهرة كبيرة وأبهر ملايين الأميركيين بمن فيهم الرئيس الأسبق رونالد ريجان الذي تطرق إليه في مرات متكررة، ولعله هو الذي أوحى له بفكرة (مشروع حرب النجوم) الذي تدارسه الكونجرس في عهده ولكنه رفض إقراره في النهاية لأسباب مالية· ففي المشهد الأخير من هذا الفيلم، يعلن أزيز الشرارات الكهربائية ووميض الضوء الساطع عن وصول العربة الفضائية الأنيقة (هوفر كرافت) Hoover Craft الآتية من المستقبل· وتحطّ بعد ذلك في إحدى ضواحي مدينة نيويورك ليهبط منها قائدها المهوس بالعلم ليبحث بحماس شديد عن وقود يملأ به خزان عربته الفارغ· ووقع في حاوية قمامة على بعض قشور الموز المتعفنة فأتى بها وألقاها في الخزان ثم أمر مفاعل الاندماج الهيدروجيني بالعمل، فقام المفاعل بتحويل الهيدروجين الموجود في المركبات العضوية لهذه النفايات إلى طاقة هائلة مخزونة استخدمتها العربة في الانطلاق مرة أخرى إلى الفضاء· وعندما فرغ براون من إنجاز هذا العمل الخارق صاح بأعلى صوته: (في المستقبل·· لن تكون هناك طرق)· وبالرغم مما تنطوي عليه هذه القصة من عناصر الخيال والشطط العلمي، إلا أن العربات التي يمكنها أن تنطلق في الفضاء باستخدام مفاعل مصغّر جداً للاندماج النووي لنظائر الهيدروجين، قد تصبح حقيقة واقعة في المستقبل القريب· المقاييس الجديدة ووفقاً لهذا المبدأ ذاته، يمكننا أن نرسم في مخيلاتنا صوراً للتطورات الأكيدة التي ستخضع لها كل الأشياء في المستقبل القريب من حيث أبعادها ومقاييسها· ومن ذلك مثلاً أن العلماء بدأوا العمل ببناء كمبيوتر مصغّر يقلّ حجمه عن حجم مكعب السكّر· وبهذا يمكن القول إن العالم بدأ يشهد ما يعرف بالجيل الثالث من الحواسيب التي تتميز بحجم بالغ الصغر سيساعدها على الاختفاء ضمن بيئتنا تماماً بالرغم من أنها ستتكفل بتنظيم العالم كله على مستوى الأفراد والمجتمعات وحتى الآلات والأجهزة والأدوات· ويزعم بعض العلماء أننا اقتربنا من عصر ستكون فيه كل الأشياء التي نستخدمها (محشوّة) بالحواسيب المصغّرة بما فيها أزرار القمصان وأعقاب الأحذية والساعات وغيرها· ولاشك أن تحقيق هذه التطورات سوف يكون رهيناً بما يتحقق من نجاح في حقول التكنولوجيا النانوية التي تتطلب القدرة على التحكم في أدوات مادية ذات أبعاد تافهة تتراوح بين النانومتر الواحد أو جزء المليار من المتر، والمئة نانومتر· وقد يتضح مدى صعوبة التحكم بمثل هذه الأدوات من مجرد الإشارة إلى أن عرض شعرة الإنسان يبلغ مئة ألف نانومتر (أو جزء من عشرة من المليمتر)· وهذا يعني أن الأمر يتعلق هنا بالتحكم في الذرّات التي تتألف منها هذه الأدوات التافهة· وحالما يتم إحراز التطور المنشود في هذا الميدان، فإن مما لاشك فيه أن الأسس التي تقوم عليها حياة وحضارة البشر سوف تتغيّر بشكل جذري· ومن ذلك مثلاً، أن التكنولوجيا النانوية سوف تخفّض من تكاليف الصناعة بشكل مذهل، وسوف تسمح بإنجاز كافة العمليات التصنيعية من دون طرح النفايات والمواد الملوّثة للبيئة، كما أن الأدوات النانوية سوف تتكفّل بإنجاز وظائف جديدة تماماً يمكنها أن ترتقي بأسلوب حياة البشر وتعزز من حمايتهم وتحفظ صحتهم· ولهذه الأسباب كله، بات تطوير التكنولوجيا النانوية من أهم التحديات التي تواجه العلماء في القرن الحادي والعشرين وأكثرها إثارة· ما بعد قانون ''مور'' في أواخر عقد الستينات، أطلق عالم أنصاف الموصلات الأميركي جوردون مور مدير قسم البحث والتطوير في شركة (فيرتشايلد) لصناعة أنصاف الموصلات، تنبؤاً دقيقاً يتعلق بالنسق الذي سيحكم تطور قدرات الحواسيب على الإنجاز في المستقبل حين أشار إلى أن عدد الترانزيستورات المزروعة في مساحة معينة من السيليكون سوف تتضاعف كل 18 شهراً· وهذا يعني بطريقة أخرى أن قدرات الحواسيب ذاتها على الإنجاز سوف تتضاعف كل 18 شهراً، لأن ذلك سيؤدي إلى تضاعف موافق في سرعة المعالجة في الرقاقات الحاسوبية· ولقد أثبت هذا التنبؤ دقته العالية خلال السنوات الماضية مما دفع الخبراء إلى تسميته (قانون مور)· وبدأ قانون مور بعد ذلك ببلوغ عنق الزجاجة عندما تطلب الأمر تصغير الرقاقات الحاسوبية السيليكونيةcomputer chip بشكل مستمر· والرقاقة السيليكونية هي الجزء الأساسي في المعالج المصغّر للكومبيوتر· وحتى تزداد كثافة الترانزيستورات فيها ينبغي العمل في اتجاهين متوازيين: تصغير الرقاقة ذاتها، وزيادة عدد الترانزيستورات المطبوعة فوقها· وبمرور الزمن، أصبحت الرقاقات صغيرة إلى الحد الذي أصبح معه من العسير طبع المزيد من الترانزيستورات فوقها· واقتضى حل هذه المشكلة التفكير في ابتكار أدوات جديدة تسمح بنقل الرقاقات من حيث الأبعاد الهندسية إلى العالم النانوي· واقتضى ذلك بالضرورة تغيير الطبيعة التركيبية للمعالجات المصغرة بحيث تعمل على أساس الخصائص الفيزيائية الكمومية للذرات ذاتها· وتتعلق هذه الخصائص بتغير سلوكيات الذرات وحركة إلكتروناتها بتغير مستويات طاقتها· ويسمح الاعتماد على هذه التغيرات بمعالجة وحفظ المعلومات والبيانات مثلما هو الحال في الترانزيستورات التقليدية تماماً· ولهذا السبب، أصبحت الحواسيب النانوية تعرف أيضاً باسم (الحواسيب الكمومية) quantum computres· ولايشك العلماء في أن كمبيوتر كمومي واحد لا يزيد حجمه عن حجم علبة كبريت، سوف يتفوق في الإنجاز على كل الحواسيب الخارقة التي بناها الإنسان حتى الآن· المصادر موقع zyvex.com/nano وكتاب Visions, by Michio Kaku
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©