الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر المارتينيكي إدوار غليسان:نحن ندحرج صخور الزمن

الشاعر المارتينيكي إدوار غليسان:نحن ندحرج صخور الزمن
14 يناير 2015 21:36
في عام 1928، ولد ادوار غليسان، الشاعر المارتينيكي الشهير. وفي عام 1945، ولج عالم الشعر وعالم السياسة في آن واحد. نظم أولى قصائده بتشجيع من اميه سيزير، شاعر الزنوجة. وفي عام 1946، اتجه للعيش في باريس، وتابع دروس الفيلسوفين باشلار وايبوليت في السوربون، كما الدراسات الاثنولوجية في متحف الانسان. وهكذا تعرف الى مواطنه فرانز فانون الذي التزم بنضاله الى جانب الشعب الجزائري. وقع غليسان بيان 121. في عام 1953، نشر أول دواوينه «اقليم من الجزر». مع نهاية الخمسينيات، أسس وبول نيجيه «الجبهة الآنتيلية - الغينية» التي تطالب باستقلال مستعمرات ما وراء البحار. وبذلك، اقترب من مختلف الحركات التحررية القومية والثورية الأفريقية والأميركية الجنوبية. خلال هذه المرحلة، نشر سلسلة من الدواوين الشعرية: (الأرض القلقة، 1954. بلاد الهند، قصائد من أرض معينة وأرض أخرى، 1955. شمس الوعي، 1956. الملح الأسود، 1960). حوار - فيليب آرتيير ترجمة - أحمد عثمانفي عام 1958، حصل على جائزة رونودو عن روايته الأولى «الصدع». وفي العام الذي يليه، قامت السلطات الفرنسية بإبعاده عن وطنه «المارتينيك» لنشاطاته السياسية. ومع عودته الى المارتينيك، أسس المعهد المارتينيكي للدراسات (IME) ومجلة «آكوما»، التي صدرت خلال 1971-1973. وبواسطة هاتين المؤسستين، عمل على المساهمة في منح الشعب الآنتيلي مفاتيح ثقافته. وهكذا نظم أكثر من مهرجان ثقافي في منطقة الكاريبي بمساعدة الكثير من الفنانين والكتاب. وفي هذه الفترة، أصدر بحثه المهم عن «الخطاب الآنتيلي»، في عام 1981. نشر الكثير من النصوص الشعرية والسياسية تحت عنوان: «لغة المستعمرات والعالمية»، حيث تبدت جلية شعرية العلاقة، و «بحث العالم بأسره، مدخل الى شعرية المختلف»... بعد أن عمل على مدار الثمانينيات في اليونسكو، استقر في الولايات المتحدة حيث قام بالتدريس في البداية بـ (لويزيانا ستيت يونيفرستي)، ثم في (سيتي يونيفرستي أو نيويورك) التي يشغل فيها حتى اليوم مقعد أستاذية الأدب الفرنسي. على مدار التسعينيات، أصبح واحدا من الأعضاء المؤسسين للبرلمان الدولي للكتاب. الشعر والعالم * اشتركت في كثير من النشاطات السياسية، تحديداً خلال الصراعات المناهضة للكولونيالية، كيف ارتبط هذا الالتزام مع عملك كشاعر؟ ** حينما يتعلق الأمر بالشعر والسياسة، أعتقد أنني أطعت دوماً غريزة تجعلني منذ البداية أنظر الى أن موضوع الشعر السامي هو العالم: العالم في سيرورته، العالم الذي يؤرجحنا، عالمنا الغامض، العالم الذي نريد أن ندخله. بخصوص السياسة، كانت مرجعيتي السامية أيضاً هي العالم، ليس العالم المنظور اليه على أنه عالم الشغيلة، وانما مكان اللقاء، صدام الثقافات، الانسانيات. بالتأكيد، كان اللقاء الأساسي الكولونيالية. في بادئ الأمر، من اللازم معالجة مشكلة الكولونيالية، أي المشكلة التي ورثناها منذ القرن التاسع عشر، التي عملت على التعايش بين الأمم المستعمرة، المضطهدة والأمم التي استعمرتها. بالنسبة لي، الشعر والسياسة مرتبطان بقوة من خلال هذه الاحالة الى العالم. دوما، تملكتني فكرة أن المشاكل السياسية يجب أن تحل في مكانها، وأنه من غير اللازم معالجتها بطريقة عالمية مجردة، وانما تحل المشاكل اذا امتلكنا مفهوما عريضا، ألا وهو مفهوم العلاقة بين الشعوب وبعضها البعض في إطار «كلية-العالم». بالنسبة لي، أيا كان العنصر الرئيسي للعلاقة شعر- سياسة. وهذا يعني أن الشعر ليس سياسة، وأنه لا يوجد شعر سياسي، وانما الشعر العظيم لا يمكن تصوره بدون هذه العلاقة الغامضة، الخفية والجلية في آن واحد، التي تعتبر الرابطة بين مكانة ثقافات العالم وعلاقة كل ثقافة بالثقافات الأخرى. بقول آخر، لا يوجد شعر غير سياسي ولا يوجد شعر سياسي بذاته. أبعاد الشعر* قمت بتعريف الشعرية على اعتبار أنها طريقة للتصور، تصور علاقتها بذاتها وبالآخر والتعبير عنهما، وليس كفن الحلم والتوهم. الشعرية، حسب وجهة نظرك، شبكة. ** اطلاقا، وإنما ليس بطريقة آلية ولا تنظيرية. هذا التصور وجهني نحو ثلاثة أبعاد للشعر في غاية الأهمية: البعد الأول، بعد المشهد. بالتأكيد، بعد جوهري لأنه، في هذه العلاقة مع ثقافات العالم، وعلى وجه الخصوص العلاقة بين المستعمرين (بفتح الميم) والمستعمرين (بكسر الميم)، الفضاء عنصر جوهري. حينما لا نسيطر ولا نتردد بحرية على فضاءه، نجد أن بين المشهد وبينكم تنتصب سلسلة من الحواجز، حواجز نزع الملكية والاستغلال، وبالتالي تكون العلاقة بالمشهد محددة ومقيدة. تبعا لذلك، يعتبر تحرير علاقة المشهد من خلال الفعل الشعري، من خلال القول الشعري، من قبيل عمل التحرير. البعد الثاني، بعد الزمن. على الفور، نرجع الى علاقات ثقافات العالم ببعضها البعض، الى الظاهرة الجوهرية في الكولونيالية: دوما، يعمل المستعمر (بكسر الميم) على حرمان المستعمر (بفتح الميم) من ذاكرته التاريخية، من قدرته على فهم الأحداث وأسبابها. ولذلك، تصبح علاقة الزمن من جانب العلاقة التاريخية، والعلاقة بالذاكرة التاريخية أساسية من وجهة النظر السياسية والشعرية. على سبيل المثال، بالنسبة لنا، نحن الآنتيليين (جزر الآنتيل)، خضعنا لشكل كولونيالي ذي خصوصية كبيرة حيث تبدت ذروته، التعبير النهائي والعظيم، في التمثل بالثقافة الفرنسية، بالتاريخ الفرنسي، الخ، والذاكرة التاريخية التي تآكلت، استهلكت، فسدت من خلال الفعل الكولونيالي تتبدى كما العماء. لا توجد هناك خطية زمنية في الذاكرة التاريخية للمستعمر (بفتح الميم) وانما هناك نوع من العماء يسقط ويتدحرج فيه: ولهذا أقول دائما أننا «ندحرج صخور الزمن». في ذاكرتنا الجمعية، من الممكن أن يتجلى حدث معين للعيان اليوم وسرعان ما يلقى به في لاوعينا الجمعي، كأنه جرى قبل أربعة قرون وانبثق بنور وقوة استثنائية. من وجهة النظر الأدبية، أقول كثيرا أننا لن نصل الى بناء هذه الكاتدرائية العظيمة التي شيدها بروست مع «البحث عن الزمن الضائع» لأن عصرنا، في مجمله، مضطربا. البعد الثالث مهم بدءا من اللحظة التي نظرنا فيها الى التطور الشعري والسياسي لهذا النوع الكلي، أي العالم الحالي الذي ورثناه بواسطة تاريخ الكولونياليات: أي عالم اللغة. لأن، أو بالأحرى ظلت لغات الشعوب المستعمرة مكبوتة في وظيفة تافهة - وليس في وظيفة معرفية - أو مكونة في لغات جديدة يطلق عليها لغات المستعمرات. أضعنا كثيرا من الوقت لكي نفهم أن لهذه اللغات أهمية رئيسية لأنها «لغات اللغات» وليست لغات أصلية، وأن هذه اللغات تدل على ما يجرى في الوقت الحالي حيث تختلط لغات العالم بالتبادل. اذا لم ندمج هذه الأبعاد ببعضها البعض بقوة، لن نفهم هذا التشوش في الشعريات الحديثة ولا هذه الاستحالات التي تجعل السياسات الحديثة تتصادم. * يدعو مفهومك عن العلاقة بين الشعر والسياسة الى اعادة قراءة تاريخ الالتزام الشعري بطريقة مغايرة. هل تعتقد أن سان- جون برس، الذي تعد عنه دراسة، شاعر ملتزم؟ ** شعر برس، في الواقع، سياسي للغاية لأنه يقربنا من مشاهد العالم. في «مدح»، يتعلق الأمر بالمشهد الكاريبي، في «آناباز»، بالمشهد الباسيفيكي، في «منفى»، بالأطلنطي والعلاقة القائمة بين أوروبا والولايات المتحدة. هذه الطريقة الخاصة بفتح المشاهد وبالتالي الامساك بالمعنى العميق، هي السياسة، وبالنسبة لي، هي أقصى درجات السياسة. بينما أن الشعراء الذين أطلق عليهم «الأدبيين»، الذين ينسخون الواقع أدبيا، لا يقومون بشئ يذكر (أذكر هنا هريديا – خوزيه ماريا ديه هريديا، 1842-1905، شاعر فرنسي ولد في كوبا -، البرناسيين، الخ). لا ينسخ ديوان «أناباز» الواقع، وانما يمنح معنى عميقا لأمواج المحيط الباسيفيكي الهادرة وهضاب آسيا العالية. المناضلون الذين يواصلون تحرير شعوبهم يتطلعون بالضبط الى المشاهد. اعتدنا على مشاهد الهند الصينية منذ حروب تحرير فيتنام، مناظر الأطلس منذ حرب التحرير الجزائرية، الخ. الطغاة يسجنون بلادهم داخل حدود معينة ويجعلونها غير مرئية. وأيضا، من الواضح أن علاقة محدودة تقع بين البعد المحرر والبعد الشعري. هيمنة* يتبدى لي أن سؤال اللغة جوهري في مسيرتك الشعرية. يتعلق الأمر، كما تقولون، بتخريب اللغة. كيف تكون هذه المؤسسة، مؤسسة تخريب اللغة الشعرية مختلفة عن موقف المقاومة لصديقك الشاعر الكيبيكي غاستون ميرون - أحد وجوه الأدب والحياة السياسية الكيبيكية - تجاه اللغة الفرنسية؟ ** بطريقة عادية للغاية وواقعية للغاية، اذا أخذنا وجهة نظر غاستون ميرون، نجد أن اللغة الانجليزية تهيمن على اللغة الفرنسية في كندا. ولكن، اذا أخذنا وجهة نظر مارتينيكي، اللغة الفرنسية تهيمن على لغة المستعمرات. ولذلك، ليست هناك وظيفة مهيمنة تنسب الى لغة معينة ووظيفة خاضعة تنسب الى لغة أخرى. هناك قراءات مهمة عن العلاقات القائمة بينهما. فضلا عن ذلك، أقول دائما إن للغة حياتها، لاوعيها، ندمها، ومضاتها وعتماتها، تقهقرها وتقدمها. اللغة ليست شفرة. أعتقد أن اللغة الآنجلو- أميركية اذا أصبحت لغة عالمية، فهذا يعني أنها أصبحت شفرة عالمية. وبالتالي، لا تصبح لغة، لن تعرف أبدا أية اضطرابات، أي تقهقر، أي تقدم. سوف تكون شفرة خالصة وحتى ان أثار قولي الدهشة سوف تكون الضحية الأولى التي تكف عن أن تكون لغة المقاهي ولغة أرصفة نيويورك، لغة شكسبير أو فوكنر. تختفي كلغة في نفس لحظة انتصارها كشفرة. يتمثل دور الشاعر في المحافظة على الاختلاجات واضطرام اللغات، وهذا يمنعنا من القول أن لغتي لغة شعبي لأن شعبي يستطيع أن يستخدم كثيرا من اللغات بدون أن يفقد أصالته. هناك امكانيات متعددة للعلاقة بين اللغات وبعضها البعض. فرضت الكولونيالية علاقة خضوع كثير من اللغات الى لغة واحدة مما يدعونا للنضال ضدها، ليس من خلال جعل لغتنا لغة الهيمنة، وانما من جعلها «لغة اللغات». ولهذا كل أدب ينظر الى لغته كلغة واحدة أدب عاجز مثلما بين لنا كبار الكتاب، من كافكا الى جويس أو الى فوكنر. شعراء غير موفقين* كيف يؤسس الشعر كجنس أدبي الشكل الملائم للغاية عن العلاقة بين الكتابة والسياسة كما وضحتها ؟ ** الكتاب الذين ذكرتهم، كما قالها فوكنر أيضا عن نفسه، شعراء غير موفقين. ما لم يستطع فوكنر تحقيقه شعريا، أنه حاول تحقيقه مع الرواية، بيد أنها ليست روايات، أنها شئ آخر. بالمثل، حاول جويس أن يحقق من خلال اللغة عملا شعريا وانما، وهو الذي لم يسيطر على فن التكثيف لدى الشاعر، كتب، هو أيضا، شيئا مختلفا. بالتأكيد، «آبسالون» رواية، وانما أيضا قصيدة كبيرة. هناك لحظة في الأدب يتلاشى فيها التقسيم القائم بين الرواية والشعر. اذا لم نوافق على ما سبق، فهذا لأنه على مدار القرن التاسع عشر الأوروبي (من ديكنز الى فلوبير أو الى بروست) تطور نوع من استقلال هذه الطريقة الكتابية التي سميت رواية ولكن التي، من وجهة نظري، غير كذلك. لن يعمل الشاعر على اخراج كل ما في أعماقه، مثل فوكنر أو جويس، مستخدما نسقا معينا من أنساق الكتابة. سوف يقوم باظهارها من خلال الدفعات، الانجذابات، الومضات التي يطلق عليها قصائد والتي تعتبر النوع الوحيد الذي نستطيع أن نمنحه لها. يبين عبر الصيحات بينما يبين الروائي عبر البنية. الصيحة أكثر صعوبة لأنها – اذا كان من الممكن دوما تعديل البنية – عندما توجد، تكون جميلة. ولهذا السبب لم يستطع رامبو مواصلة طريقه، بعد أن أطلق صيحته. فيما يتعلق بي، أصبح من الممكن أن أبني الصيحة أو أن أصيح بالنية. أصبحت العمليتان قابلتين للتحقيق، مما يفسر وجود كثير من الكتاب القادرين على مقابلة العمليتين. نسيطيع أن نطلق صيحة حتى لحظة تلاقي البنية فيها، ونستطيع أيضا أن نبعثر البنية حتى تلمس الصيحة. بقول آخر، لا يوجد اليوم شعراء أو روائيون، وانما توجد الشعرية. من الممكن تلخيص هذه المسألة كالتالي : بالنسبة لي، أقصى درجة، هي «العالم كله»، العماء - العالم الحالي، المعطى لنا والذي لم نستغله بالقدر الكافي حتى اليوم. لأنه اذا كان الاستغلال الأرضي والبحري انتهى، فإن استغلال العلاقات الثقافية في العالم، المتأتية من العلاقة الجوهرية القائمة بين السياسة والشعرية، ليس كذلك. بصيرة الشاعر * في العماء - العالم، يؤسس الشاعر بالتالي نوعا من الطليعية... ** نعم، يمتلك الشاعر البصيرة لأنه الوحيد القادر على الربط بعمق بين الشعر والسياسة. بالتأكيد، هناك شعراء مناضلون ينظمون قصائد مثلما تكتب المنشورات ولكنني أطلق عليه الأدبية، أي أناس ينسخون الواقع أدبيا. ومع ذلك، يتمثل الجوهري في الفن في اللحظة التي نهجر فيها الحرفي، الأطروحة، الخ... ونحاول أن نرى ما يجري في عمقه، والشاعر الوحيد القادر على الرؤية. حينما أقول الشاعر، لا أريد أبدا أن أتكلم عمن ينظم القصائد وانما عن الذي يملك تصورا عن العلاقة الحقيقية القائمة بين الشعرية والسياسة... * تقول دوما «أنا وحيد ومتضامن»، ماذا تريد أن تقوله بذلك؟ هل تريد أن تقول إن الشاعر يجب أن يكون يقظا ازاء صيحة العالم وانما يجب أن يساهم أيضا في تغيير المخيلة؟ ** حينما نصل الى نتاج شعري وليس الى الشعر، بمعنى أن نحاول رؤية ما يجرى في العماء-العالم، نحن في حاجة الى امتلاك نشاط، ليس النشاط السياسي بالمعنى الحرفي للكلمة، وانما نشاط اعداد كافة عناصر الواقع التي نلمسها بكافة عناصر الاشكالية التي تخيلناها. نحن في حاجة الى هذه البنية لكي نتقدم في البحث. هذا لا يعني أنه الزامي: من الممكن أن يكون الشاعر وحيدا في تخيل ما سبق كما أنه يستطيع أن يتقاسمه مع الآخرين، بيد أنه لن يظل وحيدا بعد ذلك. وهكذا، بالنسبة لي،عملت في كثير من الأنشطة مع أهل بلادي الآنتيليين بينما هناك أنشطة أخرى لا يشتركون فيها، مثل عملي مع أبناء جيلي من أصدقائي الشعراء (مثل جاك شاربييه، روجيه غيرو...)، الذين لا يعرفون حتى أسماءهم، وبالتبادل. في آخر الأمر، كنت شيزوفرينياً في حياتي: عاشق الشعر المكتوب بالفرنسية وعاشق الشعر المكتوب بالآنتيلية، لأناس لا ينظمون القصائد وانما يدافعون عن المشهد، الذاكرة الجماعية، اللغة. الكلمات تسقط.. كالأيام!شعر- ادوار غليسان فن شعري الكلمات، الكلمات لا تقاوم كالنعوش. وكل لغة غريبة. بالتأكيد ليس كالتماس الصوت الذي يرتل أسرار الخجل. يجب أن يألف الصوت، يتلمس الكلمات، بلطف، النبرة التي تأخذه. صياح الخبل (*) الذي يقتضيه الرعب صياح صعب تكوّن في الحلق ولكن هذا الصياح سقط، لون الدم يسيل، ويرنّ شاكرا في الغابة التي يثير الرعب فيها. الكلمات التي ينزعونها، الكلمات الواجب قولها، تسقط كما الأيام. اذا فتحت الأعاصير أفواهها واذا الليل تبدد في وضح النهار، اذا كانت البحيرة ملك أسود مقتول، يحوم الذباب عليه اذا كان للفردوس حنان ومداعبات ميتة من قبل، دائما كان يعني الثبات الانسحاب أفضل من يد النجار مع الخشب. ـــــــــــــــــــــــــ (*) الخبل هو طائر من البوميات. كرنك (*) حينما المارد الأسود، الذي ينام بين حفرات قاع البحار، نهض ونظر، أصبحت الكواكب في تجاويف السماء باردة وبدأت تسخن جنبا الى جنب. الأعين الميتة لمئة ألف ميت تتهاوى في البحيرات وتطفو. الليالي المنيرة تروح وتجيئ ويقرض بعضها بعضا. الغابات في المساء تثير ضجة وقتما تأكل. البحر يضع فوقسه (**) حول الرقبة - ويضغط. السفن الباردة تدفع الرجل الى الصخور وتضغط. .................................(*) كرنك، بلدة فرنسية تقع بين مقاطعة موربيهان واقليم بروتاني. (المترجم) (**) فوقس، نبات أخضر خفيف يقذفه البحر. (المترجم)وعي حينما صاح الديك الجسد والشمس، حينما صاحت الدواجن كلها لأجل الأرض، بحلوقها، بالسباب أنه القانون الذي أعلنه الليل واتصل بيديه بالرعب حيث تعرف الجحور أجساداً مرتجفة وناعمة، هزيلة كما النفل. كسور على خشبة أبي هناك طيور الترغلة. لا توجد لحوم أخرى سوى طيور الترغلة. هناك طيور الترغلة التي لا تنزف. مذابح أخذوا هؤلاء الذين يوجدون هنا. وضعوهم هنا كي يصنعوا كتلة. وضعوهم هنا والآن رأوا كأنهم يصيحون كأنهم حانقون. .................................(*) Philippe Artières, « Solitaire et solidaire », Entretien avec Edouard Glissant, Terrain , 41 | 2003. «نجمة».. ياسين * أي مكانة يشغلها الشاعر الذي اهتدى إلى العمل النضالي مثلك؟ ما هي سلطة الشعر؟ كيف جرى هذا نسبة إلى الجزائر؟ ** تحقق بطريقة رهيبة. كاتب ياسين هو الشاعر الجزائري الوحيد الكبير. في الواقع، لمس جوهر المشكلة، اذ أن السياق والمناخ والمحرك، في (رواية) «نجمة»، هي حرب الجزائر. ومع ذلك لم تكن «نجمة» رواية حول الحرب، بحث عن الأصل الـ «ماقبل إسلامي» ولكنه لم يتناوله كمصدر نقي وإقصائي للهوية. فضلا عن ذلك، من العجيب أن أم البطلة نجمة فرنسية يهودية. بقول آخر، يطرح الشاعر منذ البداية مسألة الأصول: هل من الصواب القول بأن المرء يمتلك أصلا، عرقاً نقياً؟ حطم كاتب ياسين كل هذا. ومع ذلك، كانت «نجمة» الكتاب الكبير للثورة الجزائرية. حذر ياسين من أخطاء جبهة التحرير الجزائرية. في كتبه الأخرى، نجد دوماً هذه العناصر ولهذا السبب مسرحيته «الجثة» منعت من قبل الحكومة الفرنسية واضطررنا لتمثيلها في بروكسيل. في الحقيقة، هو ذا أفضل ما يمكن أن تحققه ثورة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©