الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس وتناقضات «الربيع العربي»

3 فبراير 2016 02:36
تبدو الأحداث التي تشهدها تونس حاليا، في ظاهرها، أشبه بإعادة سيناريو 2011، حيث أقدم رجل عاطل ومحبط على الانتحار في السابع عشر من الشهر الماضي في خطوة احتجاجية ذكّرت الجميع بإحراق بائع الفواكه المتجول لنفسه مطلقاً بذلك شرارة الربيع العربي. بيد أن الوضع في 2016 مختلف بشكل جوهري. والسبب هو الديمقراطية. فلا شك أن الثورة التونسية، والعملية الدستورية الناجحة التي أعقبتها، اعترتها عيوب حقيقية، لعل أهمها غياب إصلاح اقتصادي حقيقي؛ وبالتالي، فالمحتجون لديهم مسوغ قوي للمطالبة بالتغيير والإصلاح. ولكن قبل خمس سنوات، كان الحل بالنسبة للمحتجين هو خلع الرئيس زين العابدين بن علي ونظامه واستبداله بحكومة ديمقراطية. وهو المطلب الذي تحقق في الأخير بنجاح أقرب ما يكون للمعجزة. بيد أن محتجي اليوم لا يمكنهم المطالبة بإسقاط النظام، لأن الركود الاقتصادي الذي تعاني منه تونس هو خطأ حكومة قاموا هم بانتخابها. وعليه، فإنهم يستطيعون وينبغي أن يطالبوا بالتغيير – ولكن ليس بتغيير النظام. وقد تعلم محتجو اليوم درسا جوهريا: أن الديمقراطية ليست بالضرورة أكثر نجاحا وفعالية اقتصادياً من الحكم الديكتاتوري، ولكنها أكثر شرعية. البنك الدولي يقول إن البطالة في تونس تبلغ 15.2 في المئة بشكل عام، 37.6 في المئة بالنسبة للشباب و62.3 في المئة بالنسبة لخريجي الجامعات. والواقع أن أرقام البطالة في تونس قبل خمس سنوات كانت تبدو مماثلة تقريبا لما عليه اليوم، وقد ارتفعت إلى قرابة 19 في المئة في 2011-2012. وكانت بطالة خريجي الجامعات وقتئذ تفوق 50 في المئة أيضا. وباختصار، يمكن القول إن تغيير النظام الذي جاء به «الربيع العربي» لم يحسّن الأوضاع الاقتصادية للشباب التونسي المتعلم عموما، بل إن الأمور قد تكون أضحت أسوأ قليلا مما كانت عليه قبل خمس سنوات. ولكن، لماذا لم تنخرط الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في إصلاح اقتصادي جدي؟ أحد الأسباب يعود إلى أن نخب البلاد ركزت خلال معظم السنوات الخمس الماضية على تغيير الدستور. فالمفاوضات استغرقت وقتاً طويلاً، وخاصة أن الإكراهات السياسية التونسية كانت تتطلب قدراً كبيرا من التوافق. وكان من نتائج ذلك أن العملية الدستورية دامت وقتاً أطول مما كان مفيدا ربما – وإن كان البطء قد ساعد على تحقيق نتيجة مرضية في النهاية. أما السبب الآخر، فهو أن المعارضين التونسيين الذين أصبحوا سياسيين منتخَبين كانوا يركزون في الغالب على حقوق الإنسان والقيم الدينية، وليس على الاقتصاد. ففي حوارات مع أعضاء من المجلس الوطني التأسيسي، كان لافتا في كثير من الأحيان إلى أي مدى كانت أفكارهم الدستورية متطورة، ولكن اللافت أيضا هو النزر القليل الذي قالوه عن الإصلاح الاقتصادي. والنتيجة كانت نوعا من الإهمال وحالة عدم اليقين الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فإن النخب السياسية كانت أيضا حذرة وحريصة على عدم إرباك وتخويف القوى الاقتصادية التقليدية، التي تشمل الشركات الكبرى التي تخلق نصيبا مهما من الناتج المحلي الخام للبلاد، والنقابات القوية جدا التي ساهمت في تحقيق الثورة ورعاية الاتفاق الدستوري. كل هذا معناه أن الإصلاح يمكن وينبغي أن يأتي، وأن الاحتجاجات تمثل رسالة قوية للأحزاب السياسية حتى تسعى لتحقيقه. إلا أنه من شبه المؤكد أنها ليست مؤشرا على انهيار النظام التونسي، وذلك ليس لأن الديمقراطية تمثل طريقة عظيمة لإدارة البلدان، وإنما لأن الديمقراطية طريقة عظيمة لضمان شرعية الحكومة، حتى عندما لا تبلي بلاء جيدا في تحقيق ما يريده الجمهور. فالاحتجاجات الجماعية في الديمقراطيات الناضجة تتحدى الحكام، ولكنها لا تتحدى الطابع الجوهري للنظام السياسي للدولة. *أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفرد الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©