السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفول زمن الأوهام

أفول زمن الأوهام
4 أغسطس 2010 20:39
“انّ الصين والهند هما البلدان اللذان سيهيمنان على العالم وليس اليابان الذي يعاني من أزمة منذ 1990، والغرب فقد سيطرته ولكنه لم يفقد قوته ولا ثروته ولا وسائل تأثيره”.. هذا بعض ما جاء في كتاب: “زمن الاوهام “2003 ـ 2009” لمؤلفه هوبر فيدرين الذي عمل وزيرا لخارجية فرنسا من 1997 الى 2002 في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، وهو يقول بأنه لابد أيضا من قراءة حساب للبرازيل ودول أخرى في قارات أخرى، فالغرب مدعو إلى التحاور مع هذه البلدان، ولكن الولايات المتحدة الأميركية ستبقى مدة أخرى طويلة هي أكبر قوة في العالم نتيجة قوتها العسكرية والمالية (الدولار)، وأيضا نتيجة لثقافتها الشعبية وأفلامها وجامعاتها وتوفيقها في الجمع بين كل ذلك توفيقا ناجحا. وعبر وزير خارجية فرنسا الأسبق عن سعادته وإرتياحه لإختيار الأميركيين باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الاميركية، ولم يخف في الآن نفسه أسفه لعدم مساعدة أوروبا له، وهو يرى بأن باراك أوباما قام بخطوة خاطئة في قضيّة الشّرق الأوسط، ووصف بدايته في ملف النزاع العربي الاسرائيلي بأنها بداية غير موفّقة، وقد جاء في الكتاب: “عندما تكون رئيسا لأميركا فلا يجب القول لإسرائيل أن تجمد المستوطنات إذا لم تكن قادرا على فرض ذلك”. ويرى فدرين أنّ فشل أوباما سيكون بمثابة الكارثة، لأن الولايات المتحدة الأميركية، أحببنا أم كرهنا، هي التي تمثل وتجسد الغرب كله لدى المسلمين والروس والصينيين، ويعتقد فيدرين أن اوباما رئيس جيد ومهم أن يختار الأميركيون شابا أسود و”رجل فكر” رئيسا لهم، وهو يعلم أنّه مطالب بإصلاح كلّ الأضرار الّتي خلّفها عهد بوش، وأنّه من المؤسف ـ من وجهة نظر المؤلف ـ أن لا يقف الأوروبيون صفّا واحدا لمساعدته على إرساء تفاهم بين المسلمين والغرب مثلما بيّن ذلك في خطابه في جامعة القاهرة. تحوّل كبير ومن جهة أخرى يرى وزير خارجبة فرنسا الأسبق أنه على الأوروبيين أن يدافعوا عن مصالحهم الحيوية وتبني استراتيجيات مشتركة إزاء الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية أيضا، ولابدّ ـ حسب رأيه ـ من توعية الشّعوب الأوروبيّة وإطلاق صفّارة الإنذار دون إثارة فزعهم، ويجزم المؤلف انه لم تمر أبدا في التّاريخ فترة أصبحت فيها أوروبا تابعة للخارج مثلما هو الحال اليوم. يضمّ كتاب فيدرين تسعة فصول خصّصها لتحليل رؤيته للمسائل التّالية: أوروبا، الولايات المتّحدة الأميركيّة، فرنسا في خضم العولمة، روسيا، الصّين، العالم العربي الإسلامي، فرنسا وإفريقيا، كما خصّص فصلا لتحليل المسائل البيئيّة، وقد إحتلّ الفصلان الأوّلان عن أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة نصف الكتاب، ونقطة الارتكاز في كامل الكتاب هي مكانة فرنسا وما يجب عليها إتّباعه وفعله لتحافظ على مكانتها السّياسيّة وتعزّزها في العالم اليوم. وإذا كان المؤلّف يرتقي في تحليله إلى درجة الملاحظ والمفكر السياسي ويحاول أن يكون موضوعيّا في تحليله وقراءته للعلاقات الدولية، فإنه في الكثير من المسائل يستند إلى تجربته الشخصية كوزير سابق للخارجية ويسعى للدفاع عن مواقفه وقراراته ووجهات نظره، كما يدافع عن رؤية الرّئيس فرانسوا ميتران الّذي عمل تحت إمرته. ويجزم وزير خارجيّة فرنسا الأسبق في كتابه بحصول تحوّل كبير في العلاقات الدّوليّة قوامه حدوث توازن جديد في علاقات الغرب ببقيّة دول العالم، وخاصّة بالدّول الصّاعدة، وهو ما يسمّيه فيدرين بـ”نهاية مونوبول” (اليد الواحدة المطلقة) للغرب على التّاريخ”. ويقول هوبرت فيدرين أنّه مع نهاية الحرب الباردة ذهب في ظن الغربيين أن العالم سيتبنى قيمهم في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتّعاون والإنفتاح الإقتصادي، ولكن ذلك لم يحصل، وإنّما حصل بداية توزيع جديد للأوراق لا أحد يتكهّن اليوم بنتائجها، وهذا التّوزيع الجديد يتمثّل خاصّة في إعادة النّظر في قوّة الغرب ببروز قوى جديدة مستقلّة عنه من جهة، ومن جهة أخرى يتمثل أيضا في إتّساع الهوّة بين أهمّ طرفي الغرب: أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة، وكلّ هذه التّحوّلات ـ حسب تحليل الوزير الفرنسي ـ لم تكن متوقّعة، ولكن الدّول الغربيّة مصرّة على التّعلّق بما يسمّيه “الأوهام” ومواصلة إتّباع سياسة تبعد كلّ يوم عن الواقع الجديد للزمن الحاضر، و”الأوهام” تؤدّي حتما لسياسات خاطئة وخطيرة، حسب رأيه، مضيفا: “إنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تواصل الإعتقاد في أنّ لها “مهمّة” حضاريّة وأنّها الأقوى سياسيّا وعسكريّا، في حين أنّ الأوروبيين يواصلون هم أيضا الإعتقاد في دور المجموعة الدّوليّة ومهمّة الأمم المتّحدة، والقانون الدّولي والوقاية من النّزاعات والحروب، ويؤكّد فيدرين أنّ النظريّة الأميركيّة فشلت فشلا ذريعا في العراق والنّظريّة الثانية للأوروبيين ثبتت محدوديّتها وعدم جدواها في الوقت الّذي مضى فيه التّاريخ بغير ما تشتهي أميركا وأوروبا. علاقات ومصالح ويدافع هوبار فيدرين عن ضرورة إتّباع سياسة جديدة ضروريّة في الوقت الّذي ينقد فيه نقدا لاذعا فشل السّياسات المتّبعة في كلّ من أميركا وأوروبا إزاء بقيّة الدّول في العالم. ويحاول فدرين في هذا الكتاب أن يكون “واقعيّا” في تحديده لمفهوم العلاقات الدّوليّة في الوقت الرّاهن مؤكّدا أنّ السّياسة الخارجيّة هي قضيّة قوّة ومصالح أكثر منها مسألة مرتبطة بما يسمّيه “المثل” و”القيم” حتّى وإن كانت رئيسيّة وأساسية كالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. ويقرّ المؤلّف بأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة هي اليوم وستبقى لمدّة طويلة أخرى القوّة الأعظم المهيمنة على العالم إعتبارا لقوّتها العسكريّة والسّياسيّة والإقتصاديّة، وكذلك إعتبارا لتأثيرها الثّقافي وتسويقها لل”المثال الأميركي”، وإنّ القوّات الصّاعدة كالصّين مثلا من مصلحتها اليوم ـ وفق وجهة نظر المؤلف ـ أن تتعاون مع أميركا، وليس أن تتصادم معها، ويرى الكاتب في تحليله السياسي ان القوّة الأميركيّة في تناقص وإن الأميركيين لديهم شعور بأنّهم “مهدّدون” من قبل العالم بأسره، ويعترف المؤلّف أنّ الرّئيس الأميركي الجديد باراك أوباما قد ولّد آمالا هي بلا شكّ مبالغ فيها، إذ أنّه وكما نلاحظ كلّ يوم، فإنّ الرّئيس الجديد قطع مع أسلوب سلفه بوش، ولكنّه بقي مدافعا عن مصالح دولة أميركيّة “مختلفة تماما عن الّتي يحبّها الأوروبيون”. ويرى المؤلّف أنّ الإختلاف سيتّسع بين أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة، فبعد الحرب العالميّة الثّانية نشأ وضع خاص ولّد شعورا بالتّقارب بين أوروبا وأميركا في مواجهة تهديد الاتحاد السوفييتي، ولكنّه يقرّ بأنّ هذا العهد ولّى وانتهى وهو يقول بأنّها ليست مأساة ولكنّه واقع، وهذا يدفع إلى ضرورة نهاية الحلم للعودة إلى تحالف مبنيّ على الإيمان بقيم مشتركة. ومهما تكن آراء النّقاد إزاء هذا الطّرح فإنّ المراقبين أجمعوا على أنّ هذا الكتاب لوزير خارجية فرنسا الاسبق يتّسم بالوضوح والعمق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©