الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

درر الشعر في الشباب

درر الشعر في الشباب
4 أغسطس 2010 20:42
كان أبو نواس يفضل بعض قصائده عن الشباب، وينشدها عندما يطلب منه، وفي مقدمتها قصيدته التي تعود علماء الشعر مثل الأصمعي وأبي عمرو الشيباني استجلاء معانيها في مثل قوله: حلبت لأصحابي بها درة الصبا بصهباء من ماء الكروم شمول فلما توفى الليل جنحا من الدجى تصابيت واستجملت غير جميل وعاطيت من أهوى الحديث كما بدا وذللت صعبا كان غير ذليل قال الأصمعي: “الصهباء التي عصرت من الكرم الأبيض، ودرت الصبا بكسر الصاد من التصابي”. ويمكن قراءة البيت الأول “حلبت” و”جلبت” على التصحيف الوارد في المخطوطات المختلفة، وكلاهما يجسد صورة فاتنة، تمتد في القطعة الشعرية إلى دخول الليل في جنح الظلام كأنه يموت تدريجياً، ودخول الشاعر في حالة التصابي التي تجعله يستحسن ما ليس حسناً بطبعه، ثم ما أخذ فيه من تبادل الحديث الشائق مع من يهواه، حتى يذلل صعبه فيشرع في الغناء وقد توسد خده في لقطة تشكيلية من التحنان والدلال والحميمية. ومن اللافت أن كرم العشق يذكر الشاعر بنوع آخر من العطاء المادي فيضيف: كفى خزنا أن الجواد مضر عليه ولا معروف عند بخيل سأبغي الغنى، إما جليس خليفة يقوم سواء، أو مخيف سبيل بكل فتى لايستطار جنانه إذا نوة الزحفان باسم قتيل ولتخميس مال الله من كل فاجر وزي بطنه للطيبات أكول ويعود الأصمعي في تعليقه على هذه الأبيات على ما يذكره ابن منظور ليبدي إعجابه بالشاعر، حيث “لا يقنع إلا بأن يبسط عذر من لا قدرة له على الجود، مفرقاً بينه وبين البخيل، بأجود لفظ وأعذب نطق” أما أبو عمرو الشيباني، فقد قال عندما سمع القصيدة: “لاي بالي أبو نواس أن لا يقول بعد هذا شيئاً”، وكان الشاعر نفسه شديد الشغف بهذه القصيدة، فكان إذا استنشد تكون أول ما ينشده، وإذا استزيد أنشد قطعة أخرى في الموضوع ذاته،، يقول فيها: كان الشباب مطية الجهل ومحسن الضحكات والهزل كان الجميل إذا ارتديت به ومشيت أخطر صيت النعل كان البليغ إذا نطقت به عند الفتاة ومدرك النيل والباعثي والناس قد رقدوا حتى أبيت خليفة البغل والآمري حتى إذا عزمت نفسي أعان يدي بالفعل والآن صرت إذا مقاربة وحططت عن ظهر الصبا رحلي بسط هذا الشعر قدرة الشباب وجهله، في مقابل عجز المشيب وخبرته وعلمه، بأشعار بالغة النضرة، لو تذكرها طه حسين لا تكفي بترجيعها بدلاً من تلك الحكمة اليونانية المختصرة التي كان يطيب له أن يستحضرها وهي تقول “آه لو عرف الشباب وآه لو قدر المشيب” وربما كان تفصيل أبو نواس أحق بالإعجاب من إيجاز الحكيم اليوناني القديم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©