الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سبعاوي و تسعاوي !

سبعاوي و تسعاوي !
23 نوفمبر 2008 00:47
؟ مبروك ''المولود ناقص''! كيف لك أن تستقبل تلك البشارة ولجنس مختلف لطالما حلمت بقدومه شهوراً، وانتظرته سنين على جمر الغضا؟! وكيف هو شعور ذلك المولود حينما يُدفع به خارجا وبلا أي ذنب وقبل الأوان، ليشعر بأنه المخلوق المنبوذ والمغضوب عليه من قبل أن يُكلف، وتحتسب عليه الشاردة والواردة، كيف له أن يغفل عن شعوره وإحساسه المتقدم جداً بالحرمان المبكر من دفء وحنان أمه، بدفعه للخروج قسراً قبل اكتمال إقامته الشرعية والطبيعية في أحشائها، كمستأجر مسكين يدفع به مالك ''العين'' للخروج مكرهاً من ''عينه''، بقطع الكهرباء والماء عنه لأنه يبغي زيادة كيف؟! كل تلك الأسئلة والمشاعر راودتني حينما علمت بأني مولودة من فئة ''بو سبعة''! كان وقع الخبر عليّ كالصاعقة، لأنني، ومنذ ذلك الحين، بدأت أستكشف ذاتي وأستجلي حقيقة بعض من ميولي ونزعاتي وتصرفاتي وعللي وعاهاتي، وأدركت التفسير لكل ما يحصل لي من مواقف كنت أجهل كنهها سابقاً، حتى شرعت في توجيه جل اهتمامي ووقتي للقراءة في مجالات علم الأجنَّة ''الناقصين'' بالذات، وآخر ما توصلت إليه الأبحاث في فك الشيفرات الجينية والوراثية لهم، عسى أن أجد ضالتي وأستريح! الشعور بالحرمان المبكر بأن تحظى حتى ولو برضعة طبيعية من صدر أمك أسوة بأقرانك حرمان ما بعده حرمان، وبأن تُكمل نمُوك الناقص في ''شيشة'' أو زجاجة، وكأنك حبة ''مكدوس'' غير بالغة، لعمري إنه لأمر غاية في البؤس! كل تلك التشظيات الأنثوية تملكتني وأنا أهيم في بحثي المعني ''بقوم بو سبعة''، أما ''قوم بو تسعة'' فلا حاجة للبحث فيهم أو عنهم، لأنهم أكثر من الهم على القلب، كيف لا وهم يشكلون الأغلبية من المواليد، والقراءة الميدانية تفي لاستجلاء كنههم، والمعرفة بخصائصهم ''التسعاوية''، فتكفيهم خاصية التكّون الطبيعي لينعموا بنفسية سوية فائقة الدلال، و أن يحظوا برضاعة طبيعية ولمدة سنتين أو أكثر، وربما من أكثر من متبرعة تشكو فائضاً وغزراً في إنتاجية ضرعها اللهم لا حسد!·· ولكني لا أستطيع أن أُخفي حرماني وعيني قد تشي بما هو أكثر، فبت ما إن أرى طفلا تنطق منه علامات العافية الزائدة، حتى ''أنقمه''، وأتحسر على تلك الطفلة التي أكملت شهرين من نموها في ''شيشة''، والغريب أني لم ألتحق بإخوتي إلا بعد أن قام أحد أصدقاء والدي بمبادرة لم تخطر في باله هو شخصياً، بأن يُذكره بتلك المخلوقة القابعة في مستشفى صباح السالم، ليرد رحمة الله عليه بنبرة اليائسين: ''يا بو مفرْح هاذي ماتت من زمان، ما بتعيش مستحيل صدقني''· على حد قوله! العجيب أني فاجأتهم وعشت! وبحليب صناعي مخصوص، وما يتحصْل إلاّ ''بالتفج'' أنذاك، وغصباً عنهم وعن كل ''التسعاوية'' كبرت وطُلت أكثر من الحد المسموح، ليتساءلوا متعجبين: أيعقل أن تكون هذه هي تلك قطعة اللحم الحمراء التي تنفست بأوكسجين صناعي، وفي حاضنة زجاجية كأنها مخلوق فضائي غريب، هذه هي السقيم، العليلة، ''المفعوصة، الميته''، التي سلطها والدنا علينا لتصبح فيما بعد المخبر السرّي له في ضوء خمس سنوات أو أقل، لتفوز بالجمل وبما حمل··''هاذي''؟! نعم! هذه أنا يا تسعاوي الأناني! كبرت ولم يرضك شيء على الرغم من تنعمك بمزايا ما كنت تفوز بها لولا أنك ''تسعاوي'' فقط، ولكنه لا يجيد الحمد والشكر أبداً، ودائماً يطلب المزيد وبأي ثمن، أما الآن وقد حان موعد حسابي معك يا تسعاوي، فأنت مدين لي بما قد لا يخطر ببالك، وهذا لأني أشك بذاكرتك الضعيفة، وبمقدرتك على الإيفاء بهذا الدين الكبير، ''تسعاوي'' أريدك أن تمنحني لذة الشعور بالتنعّم ولتسعة شهور كاملة في بطن أمي مثلك، وبأن أرضع منها سنتين لا أكثر كما ''شفطت'' أنت، وأن أنعم بشعور فرحة الأم عند ضمها طفلتها الوحيدة الجديدة وهي''تشمشم'' رائحتها وتتحسس بشرتها الناعمة الطرية مثلك أنت تماماً، أريد أن أسمع صوتها وصوته في أذني الصغيرة، وهما يقرآن عليَّ من الأوردة والتعاويذ والأمنيات الجميلة التي خبأوها لي أنا وحدي منذ أن تشكلت علقة في أحشائها، لأنعم بحياة هانئة كما يتمنى الأباء لأبنائهم دائماً، تسعاوي! هل تستطيع أن تفي بكل هذا الدين، هل تستطيع أن تعود بي إلى نقطة بداية البداية، هل بمقدورك أن تقول للزمان: ''ارجع تاني يا زمان''؟!! فاطمة اللامي f_a0006@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©