الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوت الشعوب.. بالنغمة والإيقاع

صوت الشعوب.. بالنغمة والإيقاع
17 مايو 2012
الموسيقى فن قديم وعظيم في ذات الوقت، لقد قال الشاعر الفرنسي بودلير: “لولا الموسيقى لكانت الحياة بلا معنى”، واذا نظرنا الى هذا الفن العريق منذ عهود سحيقة سنجد أنه لازم الانسان في أطوار حياته المختلفة، ونقيس على ذلك استنتاجاتنا الخاصة بعنصر الموسيقى البدائية التي عبر بها الانسان عن دراما حياته في العصور القديمة، فالأمر الطبيعي أيضا أن الانسان الذي قلّد الطبيعة في رسوماته تقليدا حرفيا دقيقا، لا بد أنه ايضا كان يقلّد اصوات الطبيعة بطريقة مطابقة عندما كان يصرخ بحنجرته. كان هذا الفعل بمثابة الدلالات أو الاشارات الأولى في تعبيره عن أفكاره واشباع حاجاته ورغباته، مما يشي بأن الانسان استخدم الصوت للتعبير عن حالات الفزع أو للدعوة الى النجدة والمشاركة الجماعية في درء خطر ما، ولعل هذه الملامح هي البدايات الأولى لاستخدام الصوت كمجال للتعبير عن أحداث الحياة اليومية في حياة انسان العصر الحجري القديم. الصوت والايقاع والرقص لقد استخدم الانسان منذ ذلك الزمن البعيد حنجرته كما استخدم “الدبيب” بأقدامه، وجمع بذلك وبطريقة تلقائية عنصري الصوت والإيقاع، واستخدمها مع تشكيل الحركة والتمثيل في تكوين رقصاته الأولى التي عبّر بها عن أحداث حياته اليومية، كما عبّر بها عن مستوى افكاره ومعتقداته، وظل يتدرج الانسان في استخدام عناصرالايقاع والصوت مع الرقص والتمثيل بالحركة الصامتة (الايماء)، حتى أصبحت تلك الرقصات جزءا لا يتجزأ من حياته التي انعكس فيها الواقع، ولكنها كانت في ذات الوقت شيء مختلف قليلا عن الواقع، والصفة السائدة لتلك الرقصات أنها واقعية قريبة الى التعبير المباشر عن السلوك اليومي. ونحن نستقي استنتاجاتنا هذه عن دراما الانسان الحجري القديم التي تبلورت في رقصاته وموسيقى حنجرته وايقاعات دبدباته وتصفيقه أو قرعه على الطبول وقطع الحجر الصلد، نستنتج كل ذلك من دراسة أنواع مختلفة من الرقصات التي اكتشفها العلماء المهتمين بدراسة الشعوب البدائية. لقد اكتشف هؤلاء أن هذه الرقصات موجودة في حياة بعض الجماعات البشرية البدائية التي تعيش في شبه عزلة حتى الآن في بعض الأماكن في قلب قارة افريقيا وفي استراليا وآسيا، وهنا من المهم تقديم بعض النماذج لهذه الرقصات التي تظهر بوضوح خصائص الدراما من حيث مادة الصراع أو سيناريو الحركة والموضوع وهدفه وكيف أن كل ذلك يتم والراقصون يرتدون ملابس الحيوان أو الطير، ويستخدمون موسيقى الحنجرة (الصوت الخام) ويقرعون الطبل بأيديهم، وأول هذه الرقصات: رقصة التوتم: ترتكز الرقصات الأفريقية عادة على شعار التوتم، ذلك الشعار المقدّس الذي يشير بحسب بعض الدراسات الى معتقدات الجماعات الأفريقية، والتوتم قد يكون حيوانا أو نباتا أو طيرا، ذلك لأن الأفريقيين في حياة الغابة أنهم كانوا يخضعون ويكرسون أنفسهم ضد القوى المجهولة التي تحيط بهم، بتقديس هذه الرموز التي يبذلون من أجلها التضحية والفداء في طقوس خاصة، معتقدين أنهم بأدائها يدفعون عنهم الشر، ويجلبون لحياتهم برضاها الخير، وأظهرت الدراسات أن لكل جماعة من الجماعات شعارها (التوتي) الخاص بها والذي تتمثل فيه معتقدات الجماعة ويتحدد تبعا لها اسلوبها العقائدي. دراما الرقص القديم والرقص عند هذه الجماعات الأفريقية أسلوب حياة كاملة، وليس مطلقا مجرد فن أدائي للمتعة والتسلية وتزجية وقت الفراغ، وهو بذلك يكون مظهرا من أهم مظاهر الحياة اليومية التي يتميز بها سلوك جماعات افريقيا. ولمزيد من التفصيل، نشير الى الجانب العمراني (السكني) لتلك الجماعات، حيث تتكون مساكنهم من طابق واحد وقليل منها يتكون من طابقين، وهي مبنية من الطوب النيئ، وفي هذه المساكن البسيطة تعيش الجماعات جنبا الى جنب، وان تميزت كل جماعة عن الأخرى بـ(توتمها) الخاص بها، وهذه الجماعات متعاونة فيما بينها تعاونا وثيقا للدفاع عن كيانها في حالتي السلم والحرب. أما الراقصون مؤدو هذه الرقصة فعددهم اثني عشر راقصا، كل واحد منهم يغطّي رأسه بقناع يمثل (توتم) جماعته، ويتصدر مجموعة الراقصين ما يعرف بـ(رئيس الجماعات)، مرتديا قناعا فوق رأسه، وجسمه عار تماما اذا استثنينا ذلك الغطاء المصنوع من جلد الحيوان الذي يستر به عورته. أما وصف رقصة التوتم الأفريقية الشهيرة، فتشير احدى الدراسات إلى أن كل واحد من الراقصين ينزل بدوره الى الحلبة مرتديا قناعه ليؤدي رقصته منفردا ومن حوله جمهور الجماعة التي تنتمي الى توتم الراقص، فيما تتجه خطوات الجمهور حول الحلبة في اتجاه مضاد لخطوات الراقص، ثم تتقد حركة الجمهور وتزداد همهماته ارتفاعا وهم يحركون رؤوسهم الى أسفل والى أعلى ويهزّون أكتافهم في حركة رأسية، وعندما تشتد حركة الجمهور يظهر من بينهم راقص على هيئة حيوان ثم يأخذ طريقه الى وسط الحلبة (يذكرنا المشهد بما يعرف في المسرح بالشخصية المزروعة، وهي من ابتداع الكاتب والمخرج الألماني الشهير برتولد بريخت): في خطى هادئة معتزا بكبريائه، يلوّح في الفضاء بعصا في يده، وسرعان ما تبدي الجماهير فزعتها من الحيوان الغريب، في حين يتقدم رئيس الجماعات من الحيوان، وفجأة تزداد حركة الأخير، حركة وحشية مندفعة، ما يلفت انتباه الجمهور الى ما يقوم به من أنواع الحركات البهلوانية باقدامه وهزّات رأسه ووسطه الى الأمام والى الخلف، ويظل رئيس الجماعات طوال هذه المشهد الدرامي، يثير ويستفز الحيوان بحركاته التمثيلية الصامتة، الى أن يسقط الحيوان الرمز على الأرض بعد أن يفقد وعيه وتوازنه، وفي هذه اللحظة تماما يتجه الراقص الأول في حركات حذرة نحو الحيوان فيقتله بالرمح، ثم يأخذ العصا التي كان يلوّح بها، ويناوله الواحد من من قارعي الطبول الملتفين حوله في شكل دائرة تضفي جمالا وسحرا على التكوين والمشهدية البصرية الرائعة، وفي الحال يجري جميع التابعين للحيوان التوتم نحو الرمز الميت، في تأكيد لمعتقدهم أن الشر قد مات بموته، وفي محاولة يائسة أخيرة يحاول أتباع الحيوان التقاط الريش الميت في جلد الحيوان ويجرّونه أخيرا ويعودون به الى المكان الذي أتى منه خارج الحلبة، وتتكرر هذه المشاهد جميعا كلما نزل الى الحلبة راقص جديد يمثل (توتما) جديدا لجماعة أخرى، حتى تقوم كل جماعة برقصتها التوتمية. الدراما في مصر القديمة لقد ترك انسان ما قبل التاريخ بجانب ثقافته المادية، ثقافة معنوية، وما يهمنا في هذا المقام هو الاشارة الى الآثار الدرامية التي تبلورت في اشكال الرقصات، وارتباط ذلك كله بصفة جوهرية بمرحلة السحر، ثم الدين. ولا شك أن ما تركه انسان ما قبل التاريخ من اشكال درامية اشتملت على الموسيقى والرقص والتمثيل الايمائي والموضوع السحري أو الديني، هي الرصيد الذي استمد منه انسان الفترة التاريخية (بدأت في مصر سنة 3200 ق. م) أسسا في التعبير الدرامي، استند اليها في ابتكار انواع جديدة من الدراما اشتملت لأول مرة في تاريخ الانسان على عنصر (الانشاد) والتمثيل بالكلام، وهكذا فانه عندما تحولت الرقصة الدرامية الى طقوس دينية صرفة، فان عنصر الرقص انكمش قليلا وزاد نصيب القصة في الدراما. لقد ظهرت الدراما المصرية القديمة في اطار اسطورة (اوزيريس) الملك الأسطوري، فيما يرجع تاريخ المستند الذي كشف عن هذه الدراما الى حوالي سنة 2000 ق.م. إن دراما أوزيريس، هي طقس ديني من نوع (دراما الآلام) التي تذكر الناس بحديث بطلهم الاسطوري وانتصاره على قوى الشر رغم ما لاقاه في حياته من عدر وتعذيب شديد. هذه الدراما المغرقة في القدم تشتمل على الغناء والرقص والانشاد الديني، وهي نوع من (الدراما الموكبية) التي تدور أحداثها اثناء موكب وخروج جنازة (أوزيريس) من معبده الى قبره، وما يتخلل سير الموكب من حروب بين أتباع أوزيريس وأعدائه، وهي الحروب التي تتكرر لمدة ثلاثة ايام وتنتهي في فجر اليوم الرابع بانتصار اتباع اوزيريس على أعدائه ثم عودة موكب الأخير الى قصره حيث المشهد الدرامي الختامي الذي يعود فيه أوزيريس الى الظهور وهو راكب الزورق المقدس. وبعد أن تطور الانسان فكريا من مرحلة السحر الى مرحلة رؤيته لذاته والطبيعة كشيء واحد، ومن ثم الى مرحلة الرؤية المزدوجة بين ذاته والطبيعة والتي اعتقد خلالها الانسان بأن الأشياء لها أرواح، واعتقد بناءا على ذلك بوجود قوة مختفية تفوق قدرتها قدرة الأشياء المحسوسة التي يلمسها مباشرة.. في هذه المرحلة بدأ الانسان يتطور في أولى مدارك الاعتقاد فيما وراء الطبيعة وهي مرحلة أولى من مراحل الدين أتت بعد مرحلة السحر. الموسيقى والدراما اليونانية لقد وجدت دائما علاقة ما بين الموسيقى والدراما اليونانية القديمة، ولا شك أن الاحتفالات والمهرجانات التي تقام للاله اليوناني (ديونيزيوس) هي الأصل الذي اشتمل على اشكال من الرقص والغناء والانشاد والتمثيل. كانت تلك المهرجانات قائمة على اساس المعتقد الديني أو فلسفة الدين، وكما يقول المؤلف شلدوين تويني: “إنه دين الطقوس والاحتفالات لا دين الشرائع الملزمة المستوجبة للطاعة”، ففي عيد قطاف العنب، كان النّاس يطوفون في شوارع المدن والحقول في الريف في شكل مواكب، يرقصون ويغنون وينشدون الأناشيد وهم يرشفون شراب العنب، ويغنون من أجل ديونيزيوس بوصفه اله الخمر، وكما ذكرنا في موضوع سابق من أن الموسيقى قد ارتبطت بالرقص والتمثيل الايمائي منذ انسان العصر الحجري القديم، كذلك فان اليونانيين القدماء عرفوا اشكالا من انشاد الشعر بمصاحبة الموسيقى أو انشاد الشعر مع ايقاع الرقص، وأن الجديد في تطور العلاقة بين الموسيقى والدراما هو أن عنصر الكلام ـ عنصر الشعر اصبح هو الأساس في بناء (الماسأة اليونانية) ـ وأصبحت العناصر الموسيقية والايمائية المتعلقة بالرقص هي عناصر وان كانت داخلية ضمن بناء المأساة، الا أنها قد أصبحت عناصر ثانوية بالنسبة للشعر، وفي هذ الاطار ظهر نوع من عزف (الفلوت) المصاحب للمأساة أو التراجيديا وللكوميديا الكلاسيكية، ولا بد أن موسيقى عازف الفلوت الذي كان يدخل الى حلبة الاوركسترا مع الممثلين والجوقة (الكورس) كانت بسيطة وثانوية بالنسبة للشعر الذي شكل الانتاج الرئيس لثقافة الاغريق وبخاصة الأساطير المتمثلة بالاليادة والاوذيسا. الدراما والفنون المتطورة منذ علاقة الموسيقى بالدراما اليونانية الكلاسيكية بدأ ينمو فن الموسيقى علميا وفنيا كابداع مستقل عن الدراما بفض تلك الاسس العلمية والفنية التي وضعها علماء الاغريق لهذا الفن، ويهمنا الاشارة هنا الى أن نمو فن الموسيقى كفن مستقل بذاته ليس معناه أن الموسيقى انقطعت صلتها بفنون الدراما المختلفة سواء مع الدراما اليونانية أو مع فترة العصور الوسطى، بل أنها ظلت تصاحب الاعمال المسرحية الدينية، كما ظلت تلعب مهما في المهرجانات والاحتفالات باشكالها الراقصة المتنوعة وأغراضها الدينية والدنوية معا. وهنا ننبه الى خاصية الدراما الأساسية وهو عنصر الصراع بين المواد الفنية المتباينة وهو الأساس الذي ارتكزت عليه نهضة الموسيقى كفن خاص له كيانه المستقل عن الدراما في أوروبا، ولقد خرجت الموسيقى الاوروبية بهذا المعنى الدرامي من الأعمال الكنسية الى خارج الكنيسة، ومنذ ظهرت المحاولات الأولى لانشاء (فن الاوبرا) مع اوائل القرن السابع عشر بشكل أولي بسيط، تطورت المحاولات أيضا في تطوير الشكل المسرحي، وقد بلغ تطور فن الأوبرا مداه خلال القرن الثامن عشر، وهكذا ظهر فن موسيقي درامي مرتبط بالمسرح والعنصر الأساسي فيه هو الاصوات البشرية (الغناء) وان كان قد تطور استخدام (الاوركسترا) بالتدريج حتى لعب دورا هاما ايضا في تأليف الأوبرا، وفيها أصبح النص الكلامي أو الشعري يحتل المرتبة الثانية بالنسبة لفن الغناء الذي احتل الدرجة الأولى خصوصا فيما يتعلق بحلاوة الصوت وعبقريته في الأداء، فقد كان لهذه الصفات مركز الصدارة في فن الاوبرا في بدايات نشأتها، ولكن هذا الفن المخملي الفخم الراقي بلغ مرحلة جديدة في القرن 19 عندما اصبح استخدام الأصوات البشرية في نظر المؤلف هو نوع من استخدام الآلآت الموسيقية، وبذلك أصبحت اصوات المغنيين والمغنيات هي آلات موسيقية ضمن آلات الاوركسترا ككل، واصبحت الفكرة الموسيقية التي تدور في ذهن المؤلف للاوبرا تأخذ شكل الشخصية الدرامية، واصبحت بذلك ذات وظيفة درامية حققها المؤلف الموسيقي الالماني (فاجنر). وفن الاوبرا كما يعرف منذ نشاته يجمع بين الرقص والتمثيل والاغاني والرقص والنص، وملحقات العرض المسرحي من ديكور واضاءة وملابس. وهنا لا يمكن أن نغفل دور فاجنر كمؤلف موسيقي ومسرحي معا، فقد ابتكر الفكرة الموسيقية الدّالة على الشخصية الدرامية، كما أسس أو أرسى قواعد كثير من اصول استخدامات الموسيقى في الدراما الحديثة، بل اننا نجد أثر مدرسة فاجنر موجود أيضا في استخدامات الموسيقى في السينما وهو الفن الذي بدأ مع بداية القرن العشرين، وأخذ يستلهم استخدام الموسيقى المصاحبة في الافلام مستمدا هذا اللون الفريد من فن المسرح. عناصر الموسيقى أول عناصر الموسيقى الصوت وهو كما نعلم ينتج من الذبذبة، واذا كانت الأخيرة غير منتظمة فان الصوت لا يوصف بأنه (الصوت الموسيقي)، معنى ذلك أن النفخة الموسيقية هي نتيجة ذبذبة منتظمة وجميع الأصوات في الطبيعة اصوات موسيقية، ولكن بعض اصوات الطيور قد تكون ناتجة عن ذبذبات منتظمة، وكما قلنا أن الانسان قديما كان يصرخ، فانما كان يقلد الأصوات في الطبيعة، وكان صراخه نتيجة ذبذبات غير منتظمة ـ اي أن صوته كان ضمن خامات الأصوات في الطبيعة ـ وكان الانسان بهذه البداية قد بدأ يستخدم حنجرته استخداما للتعبير عن صراعه مع الطبيعة، وبالتدريج عبر آلاف السنين استطاع الانسان في ضوء تطور خاصية الفكر لديه أن يلاحظ بعض مظاهر الصوت المميزة في الطبيعة، مثلا لعله لاحظ أن هبوب الرياح يصحبها صوت الصفير، اذ أن هبوب الرياح في أنبوبة من الخشب أو في الغاب يحدث صوتا ذا طبيعة مميزة، وهكذا بدأ الانسان يكتشف بنظرته الفكرية النامية أن الأصوات في الطبيعة تختلف في الدرجة بين المنخفض والحاد، ثم اكتشف أيضا ذلك التدرج بين هذه المساحات الصوتية، وتم ذلك بالتدريج البطيء الى ان اخترع الانسان (السلم الموسيقي) وصنع بعض الادوات الموسيقية بخاصة الآلات الوترية وآلات النفخ، يعزف بها أو يصور بها درجات الأنغام لنوع من السلالم الموسيقية. ولقد بدأ الانسان يصنع تجاربه الاولى في صناعة الآلات الموسيقية دون أن يدرك القوانين المجردة التي تحكم ظواهر الصوت، ولعل الانسان كما هو واضح من كتابات الباحثين قد صنع أول الأمر أنواعا من الآلآت الايقاعية من الخشب أو من الحجر، أو من المعدن. من عناصر الموسيقى الأخرى الايقاع، وهو مجموعة الضغوط القوية والضعيفة التي تحتوي عليها وحدة زمنية متكررة بشكل منتظم، كما أن الايقاع غير النتظم يأتي من الطبيعة عن طريق الحركة غير المنتظمة. ان الايقاع ينبع عادة من الحركة، واذا كانت الأخيرة تحدث في فترة زمنية منتظمة فان الايقاع هنا هو (ايقاع موسيقي)، والانسان يشعر بالايقاع وبنغماته النابعة من الحركة عن طريق مشاهدة الحركة، كما يشعر بالايقاع عن طريق حركة الصوت بواسطة الأذن، كما يشعر بالايقاع النابع من الضوء عن طريق البصر. وقد نقول أن الانسان يستطيع أن يستلهم الايقاع الناتج من حركة الحروف والكلمات والجمل بمجرد النظر الى قصيدة مكتوبة، فيقرأها بالنظر دون الصوت أو حركة الأداء بالفم، ومع هذه القراءة الصامتة بالعين يشعر الانسان بنبضات الايقاع الكامنة في حركة الحروف والكلمات والجمل، واذا كانت الكلمات مصاغة بنسبة زمنية متساوية أحيانا في صياغة الموضوع وهو أيضا نوع من انواع الايقاع المنتظم في النثر الأدبي. والانسان يستلهم الايقاع من ذاته وهو جالس في حالة صمت مطبق، اذا ما جلس يستلهم صور الحركة من خياله ومن الذاكرة، فقد يتخيل أو يتذكر وهو جالس عدة صور راقصة كان قد شاهدها فيما مضى، وهنا فهو يستلهم الايقاع الراقص من ذاكرته ايضا، وايضا فان الانسان يستقبل الاحساس بالايقاع من أحلامه المشحونة بالحركة وهي من انواع الحركة الغريبة التي ليست من الممكن ان تكون موجودة في الطبيعة ولكننا نجدها عادة في أحلامنا. من هنا نرى ان الانسان بعد ان تراكمت خبرته وهو يصنع ثقافته المادية والمعنوية خلال عمره الطويل الذي يقدره علماء الجيولوجيا بين نصف مليون، ومليون سنة، فاننا نجد الانسان من خلال هذه الخبرة استطاع ان يجسد في الفن كثيرا من نماذج الحركة في الرقصات او الموسيقى أو الأداء التمثيلي بالكلام وبدونه أو في قوله الشعر والنثر الأدبي، ثم تحق له ابتكار المسرح بشكله القديم والمعاصر. كل هذه نماذج من الحركة ابتكرها الانسان أصلا من استعداده الفطري نحو الحركة وأيضا من خاصية الفكر لديه والتي بتطورها ونضجها استطاع الانسان ان يعبر عن نشاطه بالحركة التي اختارها من الواقع وصاغها من خياله، فحقق بذلك عمله الفني والذي يستلهمه من الواقع أصلا ولكن هل يطابق هذا الواقع بسبب اضافة خيال الانسان لديه. الموسيقى والمسرح الحديث لقد ظهرت استخدامات متنوعة للموسيقى في المسرح ابتداء من القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن الماضي، وما زالت هذه الاستخدامات موضع التطوير والابتكار، اذ أننا نجد في مسرح اليوم الكثير من الاصطلاحات مثل المسرح الغنائي أو المسرح الموسيقي، ومسرح الرقص الحديث، ومسرح العشاء الذي يشتهر في مسارح أوروبا وهو مسرح خاص يقدم المسرحيات الموسيقية الخفيفة لرواده وهم يتناولون عشاءهم وسط اضاءة خاصة. واذا عدنا قليلا الى الوراء سنجد أن المسرح استفاد كثيرا من عنصر الموسيقى من خلال موسيقى ربط المناظر، وكان هذا النوع من الموسيقى الخفيفة يستخدم في فترات الاستراحة بين المناظر أو المشاهد المسرحية، كما عرف المسرح موسيقى الاغاني او المارشات والالحان التي تستخدم للاشارة الى دخول او خروج بعض الشخصيات الهامة في العرض المسرحي، كذلك لاشباع الجو المسرحي العام وملء الفضاء في حالة محدودية الشخصيات الظاهرة امام الجمهور. عرف المسرح ايضا المؤلفات الموسيقية الخاصة، واستخدمت لتدعم مناطق الضعف التي قد تعتري الدراما، والموسيقى هنا تحقق ذلك بإثارة خيال المشاهد المستمع كما إنها في في نفس الوقت تساعد الممثل على اجتياز اللحظات الحرجة في أدائه في موقف ما، او في اطار تطور الحدث، ولا شك أنه من السهل على الممثل ان يؤدي دوره الصعب بمساعدة الموسيقى نم أن يتحمل كاداء مهمته معتمدا فقط على قدراته الذاتية، ولعل الامر لا يهم المشاهد المستمع أساسا بقدر ما يهم الممثل الذي تعود على ان يؤدي بعض مواقفه بمصاحبة الموسيقى. والحقيقة أن هذه المادة التي ربطت بين الممثل والمصاحبة الموسيقية هي أحد تقاليد الميلودراما التي ظهرت في مسارح الدرجة الثانية كما ظهرت في مسارح الضواحي والأقاليم، اما مساحر الدرجة الاولى فليس من تقاليدها الاستخدام الشائع للموسيقى المصاحبة للممثل وإنما من تقاليدها استخدام الموسيقى في حالة الضرورة الدرامية فقط، وقد يكون من بينها استخدامات هامة للموسيقى المصاحبة للمونولوج الذي يؤديه الممثل. فنيات موسيقى المسرح يجب ان تتم دراسة تفاصيل استخدام الموسيقى بين المؤلف الموسيقي والمخرج، فمثلا لا بد من معرفة أماكن استخدام الموسيقى الملائمة بالنسبة للدراما، ولا بد من وضع خطة العمل من جانب المخرج للتعرف على الجو العام للمسرحية، وهذا ما يجعل المؤلف الموسيقي قادرا على ان يكون قريبا إلى روح الدراما وروح الحدث والفكرة وطبيعة المكان والشخصيات. ولا بد للمؤلف الموسيقي إذا تعرض لكتابة الموسيقى للمونولوج التمثيلي من ان يتعرف على طبيعة الزمن الخاص بأداء الممثل، والذي يقرره اصلا المخرج، ولا بد للمؤلف الموسيقي في هذه الحالة من إدراك خاصية الإيقاع ايضا داخل زمن اداء الممثل للمونولوج، كما أن المؤلف عليه ان يدرس السكتات التي تتخلل البناء الزمني للمونولوج، وأن يدرك مناطق أخذ النفس عند الممثل وهو يؤدي عباراته وجمله، فإذا لم يلتفت المؤلف لدراسة ما ذكرناه فإنه سيجد في النهاية أنه قد كتب موسيقى تتحرك في غير أماكنها الملائمة مع المونولوج ويضيع بذلك تأثيرها بل يضيع العمل كله، وتصبح موسيقاه عبئا على الدراما لا عونا لها. كذلك ترتبط الموسيقى والفعل الدرامي من خلال التعبير عن الجو العام للفعل، والموسيقى هنا ليست مقيدة بزمن معين، وقد يحدث ـ وهذا هو الاصلح ـ ان يرتبط الحدث بزمن الموسيقى لان هذه هي الفرصة التي يمكن ان يتركها المخرج المسرحي للمؤلف الموسيقي لكي يعبر بحرية عن الفعل الدرامي دون ان يتقيد بزمن تعسفي، وإن كان على المؤلف الموسيقي ان يراعي الزمن التقريبي العام للفعل المسرحي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©