الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معالم القراءة...

معالم القراءة...
17 مايو 2012
صدر مؤخرا عن منشورات الاختلاف في الجزائر، ودار الآمان في الرباط، الكتاب الجديد للباحث والأكاديمي المغربي محمد بوعزة تحت عنوان “استراتيجية التأويل، من النصية إلى التفكيكية”. ويهتم البحث، الذي صدر ضمن سلسلة “معالم نقدية”، برصد الإشكالات النظرية والمفارقات المعرفية التي يطرحها مفهومي التأويل والدلالة، مجيبا على أسئلة من قبيل: كيف يتحقق تعدد المعنى؟ وما هي استراتيجية التأويل؟ ولماذا تختلف هذه الاستراتيجيات؟ هل التأويل له حدود أو أنه مغامرة مفتوحة على المجهول؟ وقد ركز اهتمام الباحث في الفصل الأول على تفكيك الوضع الابستيمولوي لمفهوم الدلالة، من خلال مقاربة مقارنة ترصد أسسه النظرية في نماذج وعرفية مختلفة (اللسانيات البنيوية، السانيات الثقافية، السيميولوجيا/ الشكلانية، نظرية النص، سوسيولوجيا النص، التفكيك) الشيء الذي مكننه من رسم مسار التحولات التي طرأت على مفهوم الدلالة في هذا المنعطف التاريخي والمعرفي المفصلي ـ ما بعد البنيوية ـ حيث انتقل من المقاربة المحايثة إلى المقاربة عبر اللسانية التي تركز على الطابع الدينامي والسياقي للدليل، الذي يتجلى في مفاهيم التعددية والانتاجية والتناص والاختلاف والدلالية. كما اهتم الفصل الثاني بالبحث في إشكالية تعدد المعنى. وهي إشكالية ذات طابع مضاعف يمس مستويات متعددة في الفهم والتحليل: فهناك أولا النص باعتباره ظاهرة دينامية تتشكل في شبكة من التعالقات والنصيات والبنيات المتداخلة، بمعنى أن أنطولوجية النص لا تحيل على بنية متجانسة احادية، بل على أنساق وشفرات متعددة، ومستويات مختلفة ظاهرة ومضمرة، ثم هناك القراءة باعتبارها أيضا ممارسة دينامية تتخللها شفرات وأنساق متعددة وسياقات مختلفة، بحث أن بناء الدلالة يتولد من هذا التفاعل بين هذه المستويات وطبيعة تعالقاتها. وهذا ما يفسح المجال أمام اختلاف التاويلات وتعددها، بحكم استراتيجيات القراء في إعادة تركيب هذه الميتويات والربط بينها وتفسير دلالاتها. وبالنتيجة، انكب الفصل الثالث على تفكيك الاستراتيجيات التأويلية التي يطرحها إشكال التعددية. هل يتعلق الأمر بتعددية محددة أو لامحدودة؟ وما هو رهان التاويل؟ هل هو بنية وحصر هذه التعددية أم مضاعفتها وتتبع سيرورة آثارها اللانهائية؟ كما عرض المؤلف برنامجين متعارضين لرهان التأويل، التاويل المتناهي (أمبرتو إيكو) والتأويل اللامتناهي (جاك دريدا)، وكشفا بالمرجعيات المؤسسة لكل برنامج والرهانات المحددة لاستراتيجياته، وخلص إلى صياغة تصورنا لرهان التأويل باعتباره نشاطا سيميائيا تتحكم فيه سيرورة بنائه لموضوعه، حيث يشكل النص محددا paramétre لمسار وغاية هذه السيرورة بالتفاعل مع أفق انتظار المؤول. لقد حاول البحث الإجابة عن بعض الإشكالات والأسئلة: كيف تشتغل الدلالة؟ وما هي طبيعتها ومستوياتها؟ هل التعدية محدودة أم لا محدودة؟ ما هي قوانين التأويل؟ وما هي رهاناته وحدوده. يقول محمد بوعزة في ختامه الكتاب: “عملنا على تفكيك هذه الإشكالات، وتلمسنا إضاءة مسالكها بالبحث في أسسها النظرية واستكشاف مرجعيتها المعرفية، ومقارنة الاتجاهات المتعارضة، لتعيين الخرائط الابستيمولوجية لكل اتجاه وتوضيح حدوده ومفارقاته، في محاولة لصياغة رؤية مركبة لمفهومي الدلالة والتأويل. وبهذا المسار في المراجعة والتفكيك خلصنا إلى اعتبار الدلالة سنن تمفصل articulation، ينظم العالم في مقولات مفهومية (العلم، المعرفة) أو بنيات تصويرية (الأدب، التخييل)، بحيث يظل العالم بدون هذا السنن مجرد متصل continuum (كتلة هلامية) لا أشكال له ولا حدود، عبرة عن سديم chaos غير قابل للإدراك والفهم والتشخيص. إن الدلالة هي التي تمفصل هذه المتصل في مفهومات وكيانات وذوات تجعله قابلا للإدراك والتصور، وترسم حدودا وأشكالا وصورا وتمثيلات لامتداته اللانهائية. أي أنها تعين العالم في صفات وتميز بين أشكاله وتضع حدودا لانتشاره الهلامي والسديمي، وبذلك تخرجه من حالة اللاتحديد واللاشكل والعماء إلى حالة التحديد والشكل والصورة”. وفي إطار الجدل النظري حول حدود التأويل ورهاناته الذي يصل حد التعارض، قام المؤلف بتفكيك أسس هذه الاستراتيجيات التأويلية المتعارضة، واقترح نمذجة لها على أساس خلفياتها المعرفية، حيث ميز بين التأويل المطابق والتاويل المفارق، وفي هذا الأخير ميز بين التأويل المتناهي والتأويل اللامتناهي. في التأويل المطابق يطابق القارئ بين قصدية المؤلف وقصدية النص ويسلم بوجود دلالة أحادية هي التي قصدها المؤلف، بحث يختزل رهان القارئ في العثور عليها، وفي التاويل المفارق يسلم القارئ بتعددية النص، لأنه ينطلق من مسلمة مفارقة قصدية النص لقصدية المؤلف. وتبعا لطبيعة توصر القارئ لتعددية النص ميز التأويل المفارق بين برنامجين، التأويل المتناهي الذي لا يماثل بين التعددية واللانهائية، ذلك أنه يعتبر تعددية النص محدودة نظريا وسياقيا، بمعنى أنها محكومة بقوانين التاويل ومعاييره (الجنس، النص، السياق، معايير اللغة)، وبالتالي، فإن هذا الاتجاه يسلم بحدود التاويل. بالمقابل يعتبر التأويل اللامتناهي التعددية لانهائية، لأنه لا يسلم بأية قوانين أو إكراهات تنتظم سيرورة التأويل وتوجهها نحو سيناريوهات محتملة، فلا غاية له سوى إشباع لذة القارئ ومتعته. ويرى المؤلف “أن النص في منظور هذا الاتجاه الهرمسي نسيج من اللاتحيدات والأنغام، لا توقف انفجاره الدلالي أية حدود أو معايير. وبالتالي يسلم هذا الاتجاه بلانهائية التاويل التي تطابق المتاهة”. يعد توضيح المفارقات النظرية والمعرفية التي يطرحها كل نموذج تاويلي، تبنى المؤلف برنامج التأويل المتناهي الذي يسلم بتعددية النص من دون أن يسلبه حقوقه في أخذ موضعه ضمن سيرورة بناء التأويل لموضوعه، بحيث يكون حاضرا وشريكا ومفاوضا ببنياته وشفراته وسياقاته. وفي هذا التفاوض بين برنامج القارئ وبرنامج النص يؤشر التأويل على مسارات دلالية محتملة. وهكذا، فالتعددية في هذا المنظور التشييدي تطون محدودة بالمعنى النظري التشييدي وليس بالمعنى الزمني الذي يغلق باب التأويل نهائيا (التعددية) تظل مفتوحة على إعادة التشييد كما تغيرت سياقات إنتاج النص وتلقيه. الكتاب: استراتيجية التأويل، من النصية إلى التفكيكية المؤلف: محمد بوعزة الناشر: نشورات الاختلاف في الجزائر، ودار الآمان في الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©