السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جلباب الدين والسياسة

جلباب الدين والسياسة
17 مايو 2012
كثيرة هي الكتب التي صدرت عن الجامع الأزهر، بالعربية او بغيرها من اللغات، ومن بين هذه الكتب يحتل كتاب محمد عبدالله عنان “تاريخ الجامع الأزهر”، أهمية خاصة، فقد تميز بالعمق والرصانة في التناول مع غزارة المادة العلمية ونزاهة البحث، هو ليس كتابا للإشادة والتقريظ وان كان الأزهر يستحق ذلك وأكثر، وهو ليس دراسة سلبية، لكننا بإزاء دراسة تاريخية جادة، ولعل هذا ماحدا بمكتبة الأسرة في مصر الى إصدار طبعة خاصة منه، كانت الطبعة الأولى صدرت عام 1942، وكان المؤلف يريد بها ان يلفت انتباه القائمين على الأمور في مصر إلى ضرورة الاحتفاء بهذا الجامع، لكن ظروف الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك، ثم طلبت وزارة الثقافة في عهد وزيرها د. ثروت عكاشة عام 1958 إصدار طبعة جديدة منه فأضاف اليه بعض فصول جديدة وفي عام 1969 تم الاحتفال بألفية القاهرة وجرى التركيز فيها على الازهر ليكون الاحتفال شاملا الحدثين معا. التأسيس وللأزهر شأن خاص بين المساجد والجوامع المصرية، هو ليس الأقدم في الإنشاء والتأسيس ومع ذلك صار مع الزمن المسجد الجامع والجامعة العلمية العريقة في مصر والعالم الإسلامي كله، كان جامع عمرو بن العاص هو الأقدم والأول في مصر وفي افريقيا كلها، ويسمى جامع مصر او الجامع العتيق، ويقع في منطقة الفسطاط، وبعد عصر الخلفاء الراشدين انتقلت العاصمة من الفسطاط إلى “العسكر” علي بعد مئات الأمتار من الفسطاط فأقيم بها جامع العسكر ثم جاءت الدولة الطولونية وانتقلت العاصمة الى القطائع الواقعة الآن بين ميداني السيدة زينب والقلعة وأقيم جامع احمد بن طولون، ثم في العصر الفاطمي تأسست مدينة القاهرة وكان لكل عاصمة مسجد جامع فأقيم جامع القاهرة والذي صار اسمه فيما بعد جامع الأزهر، واختلف المؤرخون في هذه التسمية بين من رأى انها نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ومن ذهب إلى انه دلالة على الازهار والازدهار، وفور إنشائه حظي باهتمام كبير من الخلفاء الفاطميين، حتى جاء عصر الحاكم بأمر الله، فأسس الجامع الذي يحمل اسمه الى اليوم وسحب بعض الأضواء من الأزهر، فكان الخليفة يصلي جمعة بالأزهر واخرى بالجامع الحاكم، وكذلك الحال بالنسبة لصلاة العيدين، لكن الازهر تميز بأنه كان معقلا للدرس العلمي والفقهي وفق المذهب الشيعي، الذي كانت عليه الدولة الفاطمية، وتغيرت الحال بالنسبة للأزهر مع قدوم صلاح الدين إلى مصر. أسقط صلاح الدين الدولة الفاطمية ومذهبها لذا أحرق دار الحكمة وكانت تغص بعشرات الآلاف من الكتب في الفقه الشيعي، وانتهى قاضي الشافعية في مصر إلى انه لا يجوز ان تقام الصلاة الجامعة في مسجدين بمدينة واحدة، ولذا توقفت الصلاة الجامعة بالأزهر وتم الاكتفاء بالجامع الحاكم، وانتهى الأمر بابتعاد المصلين عن الأزهر واغلق، وظل هكذا لمدة 98 سنة، حتى تهدم وصار مكانا خربا، إلى ان تكفل أحد أمراء المماليك بإعادة تعمير المسجد وتشييده ورد الأراضي التي كان البعض قد اقتطعها منه وأقام عليها دورا، واستصدر فتوى بجواز إعادة الصلاة به، لكنه لم يصبح الجامع الأكبر، كان هناك جامع السلطان حسن وغيره من الجوامع التي تحمل أسماء سلاطين المماليك. بدأ تألق الأزهر في العصر العثماني، وزادت الأوقاف المخصصة له، ولم يعد جامعا للصلاة فقط، لكنه صار جامعة ايضا بكثرة الطلاب الدارسين ولجوء العلماء الكبار للتدريس به مثل عبدالرحمن بن خلدون وتقي الدين المقريزي وتوافد عليه الطلاب من خارج مصر وفي العهد العثماني ظهر لأول مرة منصب شيخ الأزهر وهو منصب فقهي وعلمي يختلف عن منصب ناظر الازهر وكان منصبا اداريا وماليا إن صحت التسمية. الدور ويمكن القول إن الأزهر لعب دورا مهما بالنسبة للغة العربية والعلوم الإسلامية فقد حال دون تتريكها، كانت التركية هي اللغة الرسمية للبلاد لكن بقيت العربية لغة الفقه والعلم والدين وصحيح ان علماء الأزهر ذلك الزمان لم يضيفوا جديدا الى العلوم الإسلامية لكنهم حافظوا عليها وقاموا بتجميعها وفهرستها وتقديم شروح وافية وهوامش مطولة عليها. شهد العصر العثماني ومنذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر ظهور الدور السياسي للأزهر ولعلمائه فمع ضعف الدولة والولاة وفساد المماليك اخذ الاهالي يلجأون الى علماء الازهر لينقلوا صوتهم الى الولاة وهكذا صاروا وسيطا بين الحاكم والمحكوم وتطور هذا الأمر حتى صار للأزهر دو وطني كبير خاصة في أوقات الأزمات والشدائد وفي زمن الحملة الفرنسية انطلقت الثورة الاولى من الأزهر وخطط لها وقادها طلابه أو المجاورون وتصور نابليون ان العلماء الكبار مثل الشيخ الشرقاوي والشيخ السادات هم الذين يقودون الثورة، فحاول معاقبتهم، لكن تبين له ان الطلاب هم من خططوا للثورة وقاموا بها فاعتقلهم وقتلهم وألقى بجثثهم في النيل وضرب الأزهر بالمدافع واقتحمت خيوله الجامع العريق ومع ذلك قامت الثورة الثانية والتي أدت الى ان يقوم كليبر بإحراق منطقة بولاق وبعض أحياء القاهرة لأنها مركز الثورة، وأدى ذلك الى ان قام احد مجاوري الأزهر وهو سليمان الحلبي باغتيال كليبر على النحو المدون تاريخيا. وبقي الازهر حيا وقويا في المواقف الوطنية خاصة في ثورة 1919 ، حيث كان مقرا للمؤتمرات الثورية وعلى منبره خطب الشعراء والقادة الوطنيون، وكان الانجليز يريدون تصوير ثورة 19 على انها فعل إسلامي متعصب ضد المسيحيين في مصر لكن الأزهر قدم النموذج الرائع للتلاحم الوطني وبقي مركزا ثوريا ووطنيا وفي أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 لم يجد الرئيس عبدالناصر سوى منبر الأزهر يخطب منه مناديا بالحرب وبالمقاومة. للأزهر العديد من الوجوه في الدين والفقه والعلم والوطنية وغيرها وغيرها، ويبدو ذلك واضحا خلال الشهور الأخيرة من حياة مصر. الكتاب: تاريخ الجامع الازهر المؤلف: محمد عبدالله عنان الناشر: مكتبة الاسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب 2012
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©