السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصفية حساب.. ديمقراطي

تصفية حساب.. ديمقراطي
17 مايو 2012
يحلل المؤلف حسن احمد جغام في كتابه “خواطر من وحي الثورة” نتائج الانتخابات التي جرت في تونس لاختيار اعضاء المجلس التأسيسي، والتي أسفرت عن فوز حركة “النهضة” ذات المرجعية الدينية باغلبية الأصوات، معترفا بأن تفوّقهم في “الصناديق” في الجولة الاولى، من هذه المعركة السياسية، هو قانون لعبة الديمقراطية التي يسلم بها المجتمع المدني، ويستدرك المؤلف ليشير بأن هذه الديمقراطية هي الضامنة لانتصار صوت العقل في آخر المعركة، وبهذا السلاح الحضاري الذي هو الديمقراطية سوف لا تكون تونس الجميلة ـ كما يقول المؤلف ـ إريتريا الجائعة، أو أفغانستان المحروقة، بل ستكون أجمل ممّا كانت، وبالتالي فمكاسبهم ـ وهو يقصد حركة “النهضة” دون ان يسميها ـ لا يمكن لها أن تصمد، لأنّها ـ حسب وجهة نظر المؤلف ـ لم تتأتّ من إقناع الشعب بمشروع مستقبليّ، يتماشى وطموحاته نحو الأفضل، أو يحقّق له موقعا متميّزا بين الأمم المتنافسة، وسلاح التنافس هو العلم دون غيره، في حين أنّ الكاتب يقول بأنه لم يلمس من خطاب الجماعة سوى ما يعبر عن انفعال عاطفي بصيحات التكبير في غير محلّها، وهو أبعد ما يكون عن الاقتراب من الديمقراطيّة... ويشير المؤلف في سياق تحليله إلى أن ميزانية البحث العلمي في دولة إسرائيل، تفوق ما تخصصه جميع الدول العربية في هذا المجال، مع الفارق في الحرص على جودة توظيف تلك الميزانية وبهذه الإمكانيات الهائلة أصبح بإمكان إسرائيل ـ علميا ـ أن تعدّل مادة كيمياوية تبيد العرب ببطء، أو تعقّم نسلهم ويقال إنّها فكّرت في هذا السلاح الفتاك، لمجابهة تفوّق الفلسطينيين في عدد الولادات. وجه آخر وأشار المؤلف ـ وهوصاحب دار نشر معروفة ـ إلى أنه أمام ما أسماه المغالطة الكبرى التي استعملت باسم “الصناديق” أو “الأغلبيّة” مما يتبجّح به الفائزون في الانتخابات الأخيرة في تونس لعضوية المجلس التأسيسي، التي أظهرت أن التيارات الاسلامية تتمتع بشعبية كبيرة، وهي ـ حسب وجهة نظر الكاتب ـ حقيقة أريد بها باطل، فقد أصبح مثل هذا التفاخر بالفوز يتكرر في أجهزة الإعلام أيضا، دون فسح المجال لتوضيح مفاهيم الديمقراطية وجوهرها. لذا، يتعجّب العاقل ـ كما جاء في الكتاب ـ كيف تنطلي على الكثيرين هذه المغالطات وهي تقع في وسط اجتماعي ليس فيه أكثر من 10 بالمائة يمتلكون ثقافة متينة تسمح لهم برؤية الحقائق رؤية سليمة، في حين انّه من غير الجائز ولا من المنطق لهذه الأغلبيّة التي منها نسبة كبيرة من الأميّين أن تتحكم في الأقليّة الواعية، وتقرّر مصيرها، سيما ونحن مجتمع ما زال يتحسس خطواته الأولى في ممارسة الديمقراطية، لم تتوفر فيه حتى الآن الآليات التي تمكن من الإحصائيات الدقيقة... وعبر الكاتب عن أمله في أن تؤكد له الأيام القادمة أن الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الحالي لم يشتر منصب رئيس الجمهورية بما أبداه من تنازل عن صلاحيات حساسة للرئيس، مضيفا “بل كنت آمل أن يكون مع المعارضة، الحارس الأمين لمكاسب الشعب ومصلحته الكبرى، وكنت أتمنى لو لم يقبل الدكتور محمد المنصف المرزوقي برئاسة الجمهورية أصلا، واكتفى برئاسة حزبه، وسخر إمكانياته الهائلة لتقويته”. وفي هذا الكتاب يجاهر المؤلف بمواقفه الشخصية ازاء ما حدث في تونس وخاصة بعد فوز حركة “النهضة”، وهو يرى انه بعد ثورة 14 يناير كان يعتقد أنّ التونسيين تخلصوا من القمع السياسي، إلاّ أنّه ـ ووفق تحليل الكاتب ـ بدأ يظهر مع الأيام “قمع” من نوع آخر اسماه المؤلف “القمع الديني”.. مؤكدا ان الأحداث والوقائع التاريخية في الشرق والغرب أثبتت أن الحركات الدينية أدت إلى فتن ومآس فظيعة. ويستشهد المؤلف بمثال العراق وما شهده من صراعات مذهبيّة في السنوات القليلة الماضية، مؤكدا ان ذلك دليل على استمرار هذه الفتن إلى يومنا هذا... والأخطر من ذلك أنّ هذه التيّارات أصبحت تستغل التكنولوجيا الحديثة لسهولة استعمالها، كالتفجير الذي أصبح أعنف مظاهر الإرهاب... الغريب في الأمر أنّ من يقود هذه الحركات باسم الإسلام، ينبغي أن يكون على علم أكثر من غيره بما جاء في عديد الآيات القرآنية التي تحرّم قتل النفس البريئة. ويشير المؤلف إلى انه لاحظ أن هذه الحركات تبدأ هيمنتها بإرغام الناس على أن يفكروا كما يفكّرون هم... والأكثر غرابة في تفكيرهم أنّهم يسمون هذا السلوك “الصحوة الدينية” وهم في غيبة من الوعي بما يقومون به من تصرّف غير مسؤول، يشلّ سعينا نحو التقدم، ويدفعنا إلى التقهقر، والانفلات الأمني والتّدهور الاقتصادي الذي تعيشه تونس هذه الايام . وخصص المؤلف فصلا من كتابه للدفاع عن المفكر والمؤرخ التونسي محمد الطالبي الذي أثار ضجة في تونس من خلال كتبه ومن خلال مواقفه المنتقدة لحركة “النهضة”، وأشار المؤلف إلى أن تونس تعيش ردة فكرية حقيقية، وقد عبر عنها أحد المفكرين، ممن نالهم الاضطهاد، فقال “إنّنا نعيش في عصر التكفير لا عصر التفكير”. ويرى حسن جغام أنّه حان الوقت لأصحاب الضمائر الحية التي تريد الرخاء والتقدم لوطنها تونس، أن تقف إلى جانب أصحاب العقول المستنيرة، تستنكر ما يتعرّضون إليه من عنف لفظيوجسدي، مضيفا: “وأنا أعني هنا المفكر الكبير الأستاذ محمد الطالبي بالذات، وقد تكالب عليه الجهلة منذ عهد النظام البائد، ولكن الحملة عليه في هذه الأيام تحولت إلى تحريض على هدر دمه”. تهافت الإعلام واورد المؤلف، للتدليل على موقفه من بعض ما لم يعجبه في الاعلام التونسي بعد الثورة، المثال التالي. يقول: “ضاع من وقتي حوالي ساعة دون أن أجني فائدة ولا متعة وأنا أتابع برنامج “المسامح كريم” على “قناة حنبعل” (وهي قناة تونسية خاصة) حول موضوع المرأة التي ادعت اختطاف ابنها بعد ولادته في مستشفى مدينة “باجة”، وعوضته لها امرأة ببنت... ما دفعني إلى هذه الكتابة، عن هذه الحلقة بالذات، ليس الموضوع الملفق من بدايته إلى نهايته، وإنما ما يهمني منه هو ضرورة الوقوف عند بعض العناصر التي تهيمن على أجهزة الإعلام، خاصة الذين يأبوا أن يراجعوا أنفسهم، أو يقفوا أمامها وقفة تأمّل ويسألونها: هل هم يواكبون الثورة بكل أبعادها الجدية، باعتبار أن الثورة يجب أن تكون شاملة او لا تكون، فالثورة ليست تغيير رئيس الجمهورية بشخص آخر يعجب البعض أو يعجب الجميع، الثورة يجب أن تكون تغييرا جذريا في كل المجالات، في أسلوب حياتنا وفي طريقة تفكيرنا خاصة فيما يتعلق بالإعلام الذي هو أهم وسائل تثقيف المواطن وتهذيب ذوقه”. ويتابع: “فالقصة لو كانت مسرحية معدّة للتمثيل بإخراج متقن، يمكن للمشاهد أن يضحي من وقته لمشاهدتها، أما أن نوهم المواطن بأنها قصة حقيقية، فهذا نوع من استبلاه المواطن. وما المحاولات في بث عناصر الإثارة في البداية من صاحب البرنامج، وإثارة العواطف بالعناق والدموع من البنت والأم في آخر المسرحية المبتذلة وهي ليست سوى مهزلة سخيفة، يجب على المعنيين بالأمر أن يدركوا أنّ المواطن التّونسي ليس غبيّا، ولم يعد يتقبّل ما يقدّم له. وقد أصبح يفرّق بين الرديء والجيّد”. ويتطرق المؤلف في سياق نقده لبعض الاعلام إلى حادثة أخرى، فيشير إلى انه في السنوات القليلة الماضية حين انهارت كل القيم في تونس، وأصبح الاعلام طبلا أجوف، في ذلك المناخ العليل ظهر صحفي من صنف “النفس القصير” يهيمن في صحيفة يوميّة، يكتب فيها بشكل مستمر، إلى حد أن جعبته تتعرض من حين لآخر لأزمة إفلاس، فلا يجد ما يكتبه، فيضطر إلى إعادة آراء الآخرين، يتظاهر بنقدهم دون الإشارة إلى ذكر رأي الآخر، وبعبارة أوضح، نجد كتاباته مبتورة، ومغيّبة وجهة نظر المنقود. ويمضي حسن جغام في تقديم وصف لاذع للاعلامي المشار اليه تلميحا ليؤكد بأنه يتطفّل على موضوعات خطيرة لها علاقة باهتمامات كبار الأدباء، فيحشر نفسه في تطفّل سخيف، ينتقد آراء شخصيّات مرموقة، دون اطّلاع على أعمالها من مصادرها الأصليّة، مما يجعله فاقد القدرة على تمييز خصائص تلك الآراء التي يتطلّب استيعابها موهبة وكفاءة عالية لفهمها. ويستنتج المؤلف ان ذلك هو نموذج لمستوى صحافة تونس وأسلوبها عموما في غياب سياسة للتثقيف المتين عن طريق الكتاب، ولا برامج منهجية لتعليم متين، سوى تلك الصحافة الهزلية التي تحولت إلى عامل من عوامل تفريخ الجهل، إن لم نقل أصبحت مصنعا للجهل والغباء. يمهد المؤلف بهذا السرد للإنتقال إلى ما حدث في شهر أكتوبر 2008، حين استدعت جهة رسمية في الحكومة الجزائريّة الشاعر العربي “أدونيس” المقيم في فرنسا، لإلقاء محاضرة في المكتبة الوطنية الجزائرية. وجاء في الكتاب أنّ “أدونيس” لم يعد باستطاعته زيارة بعض البلدان العربية، لعدم ترحيب حكوماتها به من ناحية، ولما يتوقّع هو فيها من مخاطر على شخصه، لذا كانت دعوته للجزائر في تلك الفترة ظاهرها ثقافيّ، ولكنها تهدف في العمق إلى تحقيق كسب سياسي، للاستدلال على أنّ الوضع الأمني في الجزائر لم يعد تحت سيطرة المتطرفين، كما كان الحال في أواخر القرن الماضي... وجاء في الكتاب انه حين يدعى “أدونيس” إلى الجزائر يحظى بالاحترام والتقدير، من قبل جهات رسميّة، تقدّر مكانته الثقافيّة... ولكنّه في الشارع حيث المستويات متباينة، اعترضه أحد الصحفيين ممن حاول استفزازه بأسئلة ساذجة لدفعه إلى إبداء آرائه في بعض القضايا، لاختلاق ضجّة مفتعلة، تروّج لها بعض الصحف الجزائريّة. ومن خلال هذا الاستطراد يسعى المؤلف إلى تصفية حسابه مع الصحفي التونسي المشار اليه آنفا والذي اختص في مهاجمة ادونيس بمناسبة وغير مناسبة على اعمدة الصحيفة التي لا يزال ينشر بها مقالا كل يوم، ويعبر المؤلف عن استهجانه لركوب الصحفي على حادثة الجزائر وعلى غيرها لمهاجمة ادونيس، قائلا: “أمّا حين ينهض صحفيّ يتطوّع لمؤازرة أعداء حرية التّعبير، يردّد نفس عبارات الشتم لادونيس بلا تحفّظ، بل يتناغم فيما كتبه مع خطابهم المعادي لكلّ صوت تنويري، فهذا ما يدعو لا إلى العجب فقط، بل يدعو كلّ المثقفين التونسيين إلى الحيطة من مخاطر هذه الأقلام المضطربة، إن لم نقل المأجورة”. الكتاب: خواطر من وحي الثورة المؤلف: حسن أحمد جغام الناشر: دار المعارف للطباعة والنشر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©