الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفكار بصوت عال

أفكار بصوت عال
17 مايو 2012
يحتفي هذا الكتاب بمتنه من أجل عيون الشاعر وحده! فيوسف الصائغ يقدم في موته درساً مضافاً “من قال إن موت الشاعر يشبه قدر الموت نفسه؟” مات يوسف الصائغ قبل أن يموت حين كان ينتظر موته، كذلك يكتب أحد المشاركين في متن هذا الكتاب الذي صدر هذا أخيرا بمائة وخمسة وستين صفحة من القطع الكبير. يحتفي الكتاب بالشاعر العراقي الراحل يوسف الصائغ في مقالات تبحث في سيرته بقدر ما، لتعود إلى نصه الأدبي، فيما توزعت في المتن مجموعة من آخر التخطيطات التي رسمها الصائغ وأودعها قبل رحيله عند الناشر الفنان الفوتغرافي هيثم فتح الله، فيما قام الصحفي كرم نعمة بجمع أخر مقالات الصائغ التي نشرها قبل رحيله بأسابيع في صحيفة “الزمان” اللندنية وقدم لها في مقال عن يوسف الذي لم يعرض عن عراقيته، وكيف أعاده للكتابة عام 2005 بعد سنوات الصمت المريرة بالتأمل والحرقة لبلاد أحبها وهي اليوم تستباح أمامه. وباح يوسف الصائغ قبل أن يمتص الموت رحيق أنفاسه بما باح من أسئلة عن الشعر والوطن وجراح التماثيل ودمها المراق في الزمن الديمقراطي الجديد. موت يوسف الصائغ يقين يشبه الشك! كأنه كان ينتظره، أو شعر به يقترب منه رويداً رويداَ! ما أصعب على شاعر ينتظر موته، كذلك يتساءل كرم نعمة وهو يقدم لمقالات الصائغ التي نشرت في (الزمان) وجمعها بعد رحيله “كان موعده الأخير مع الكتابة منذ أن عاد للكتابة، أو أعادته “الزمان” للكتابة تحديداً في الأول من أكتوبر 2005، ليطلق أفكاره بصوت عال من دون أن يغادر حسه المخلص لعراقيته حسب، فهو لا يمكن إلا أن يكون عراقيا جداَ، ومن يعود لمقاله الثاني الذي أسماه (شتائم) سيدرك أن أبا مريم لم يكن الا متسقا مع ذاته، هو الذي عاش زمن الديكتاتور ولم ينتم له، خذوا مثلا هذا المقطع من آخر ما كتب: أنا لا أبدل جلد وجهي، حين يشتي الفصل.. لا أبداً وحقك.. فالندوب به، ندوبي.. والجراح سلمت بعض ملامحي.. وأقول ها قبحي.. وحسني.. كذلك يكتب كرم نعمة الذي تواصل مع الشاعر الراحل مابين لندن ودمشق حتى آخر لحظات حياته “قبل أن يمتص الموت رحيق أنفاس شاعر سيدة التفاحات الأربع يوسف الصائغ، كانت صحيفة “الزمان” أول من أعادته للكتابة بعد سنوات الصمت المريرة بالتأمل والحرقة لبلاد أحبها وهي اليوم تستباح أمامه، بدأ يوسف الصائغ وبلمسة مشوبة بالألم إعادة كتابة زاويته القديمة الجديدة (أفكار بصوت عال) على الصفحة الاخيرة وباح بما باح من أسئلة عن الشعر والوطن وجراح التماثيل ودمها المراق في الزمن الديمقراطي الجديد، كان يكتب من دمشق كمن يتنبأ بموته وينتظره على بُعد خطوات، الموت أصبح واقعاً قائماً (من يستطيع رفضه؟) وكنت كلما اتصل به على بعد المسافات بين لندن ودمشق حيث إقامته الأخيرة، أشعر بأن صوته قد دب الوهن فيه والأسى، ويزداد نحولا مع مرور الوقت، الا ان وحي القصيدة ووجعها لم يفارقاه وكأنه لم يزل ذاك الشاعر في العشرين من عمره وليس السبعيني الذي يتوكأ على الكلمات”. ويعيد كرم نعمة في تقديمه لمقالات الصائغ المنشورة في “الزمان” مابقي من الصدى فيكتب “عندما فجر (البرامكة الجدد) نصب أبو جعفر المنصور بدأ مقاله أعلى من الصوت العالي، وأعاد الأسئلة الجريحة وهو يرثي خالد الرحال، وعندما تفاقمت الأسئلة الأخرى حول تاريخه، لم يتنصل مما آمن به، كان يوسف الصائغ متسقاً مع نفسه بامتياز شعري نادر، يكتب كما هو لا يغادر تاريخه، فكتب على مدار بضعة أسابيع شعرا بلغة النثر ونثراً بلغة الشعر، وكانت آخر مقالة له بكلمات امتصت رحيق أنفاسه الأخيرة بهدوء وروية ليغادرنا ذاك الصائغ يوسف في قداس هادئ بدمشق رسم بصليب كان ينتظره منذ أن وشح سيدة التفاحات الأربع بذاك الصليب من شمال الشجر في عراقه، حيث لم يرد له الله أن يموت فيه”. ورحل يوسف الصائغ على حافة شتاء دمشق فيما كانت وصيته قصيدة “أنا لا أباع” وكأنها إجابة لمن لا يدرك ما معنى ان يكون الشاعر عراقياً؟ ومن يتأمل تخطيطاته ورسوماته التي أودعها عند الفنان الفوتوغرافي هيثم فتح الله والتي جمعت في هذا الكتاب، يكتشف القلق المتفاقم عند الشيخ مالك بن الريب! انه لا يرسم ذاتاً تلج بالأسى وحده، بل يتأمل عبر مسافات القلم المتحركة مستقبلاً مخيفاً، ذلك ان تواريخ هذه التخطيطات تشير الى العام 2000 وماذا يعني بعده؟ ويعيد الكتاب نشر جميع المقالات التي كتبها الصائغ قبل أسابيع من رحيله في العاصمة السورية دمشق. الشاعر العراقي حميد سعيد الذي يعد من بين أهم أسماء جيل الستينات الشعري يكتب عن يوسف الصائغ المختلف المبدع ويرى أنه كان في حالة اشتباك مع ما كان فيه من التزام سياسي، ومما كان يؤزم هذا الاشتباك اعتداد بالنفس لطالما عبر عنه بما يمكن وصفه بالشراسة وفيض من الإبداع لا حدود له. ويقدم الشاعر والناقد على جعفر العلاق التدريسي في جامعة الشارقة دراسة هي الأطول في الكتاب عن مراحله الثلاث، إذ يبدو له ان تجربة يوسف الصائغ تمر عبر تصاعدها المثير للجدل، عبر محطات ثلاث هي في حقيقتها انتماءات ثلاثة، الانتماء الإنساني العام، الانتماء للذات، الانتماء للوطن. ويتسق مقال الشاعر والناقد التشكيلي العراقي المقيم في السويد فاروق يوسف مع متن تخطيطات الكتاب عندما يعرض لهذيانات يوسف الصائغ الايروتيكية ويصفه بمالك بن الريب في عزلته، رجل شهوات محرمة، أما الرسام فقد كان سيد الكوابيس التي لا تمر بيسر ولا يمكن تفاديها، كان الجنس هو بوصلته العمياء في بحر الظلمات. أما الروائية عالية ممدوح المقيمة في باريس فتستعيد مرثاة عن الأصدقاء الموتى هي التي كانت الأقرب إليه قبل مغادرتها العراق عام 1982 لتكتشف فيه الصفات المتبدلة بين الشيوعي الصارم لكن السابق والبعثي غير المنجز لاحقاً وابداً، لتؤكد أن حزب البعث كان بالنسبة إليه مثل مشاهد من ميلودراما رثة وتافهة. ويصف الفنان التشكيلي العراقي علاء بشير المقيم مابين بريطانيا وقطر في كلمات قليلة علاقته بالصائغ، حيث عرف مبكرا ان مظاهر انفعالاته التي كان يجاهد ان يطوقها بإبداعه، كان مصدرها إدراكه عدم تمكنه عن إظهار جوانب كثيرة لطاقته الكامنة في ضميره ووجدانه. الكتاب الاحتفائي اختار أن يعيد نشر أهم قصائد يوسف الصائغ موزعة بين تخطيطاته مثل اعترافات مالك بن الريب وسيدة التفاحات الأربع وانتظريني عند تخوم البحر وسيدة الأهوار. من مقالات يوسف الصائغ المنشورة بكتاب “يوسف الصائغ.. تخطيطات وأفكار بصوت عال”: شتائم.. أتمنى أن تكون (شتائمي) التي نَشَرَتها (الزمان) الغراء، قد وصلت إلى البعض ممن (يَهُمُهم الأمر). أصدقائي.. أو رفاقي.. أو زملائي.. أو.. يوم ذاك لم يكن قد مرً الكثير من الوقت على (سقوط التمثال).. وتسليم الوطن لكابوس الاحتلال. أذكر أن نفراً من أصدقائي ممن كانوا قد عادوا من الغربة حاولوا مخلصين أن يبحثوا عني حتى وجدني بعضهم في عزلتي: واقفا كالمرابي.. في تخوم الضياع.. وأرض الخراب.. على كتفي ببغاءٌ مدربة.. وفي الصدر قُبرة بجناحَي غراب استقبلت أصدقائي ولقد وجدنا أنفسنا منذ البداية مختلفين وغير مستعدين للتفاهم فاعتذرنا لخلافنا بما كان قد تبقى في ضمائرنا من غضاضات ودموع ، لأنه: إن يكن الصبر يتعب والصدق يتعب.. فالكذب.. أه.. من الكذب هذا العذاب البذيء.. في وداع حبيب مضى وانتظار الحبيب الذي لن يجئ.. قلت لأعز أصدقائي: ـ أرجوك صدقني أنا لا أستطيع فأنت تدري أننا قد تدربنا خلال سبعين عاما على أن نكره (الإنبريالية) وكل ما يتصل بها.. وعبثاً أحاول الآن استبدال أيقونة كراهيتي التي تعلمت أن أصلي لها كل يوم . قالوا لي: ـ سوف تندم. فأجبتهم: ـ أدري! صاح أكبرهم مقاماً: ـ يطبك مرض . قلت في سري: ـ لا بأس المرض أرحم . وأغلقت الباب!! وحين فتحته وجدتني وحيداً وكانت قصيدتي توبخني هكذا: فيا أيها الشاعر المستضام.. حاذر الآن من أن تكف عن الشعر أو أن تنام.. أستفق.. واستعن بالفضائل.. ففي زمن مثل هذا الزمان سينكرك الأهل والأصدقاء.. وتضيق عليك المنازل.. وقد صَدَقَتْ نبوة القصيدة ووجدت نفسي وحيداً حقاً وبلا عنوان وكان يقال لمن يسأل عني: ــ خَطيّة مريض ويائس، لا يستقبل أحداً. ذلكم هو سر عزلتي واختبائي فهل يكفي هذا لتفسير ما حدث حين يرن جرس الهاتف وأسمع أصواتاً تصلني من بعيد تذكرني أنني ما زلت حياً وتغريني بأن أجرب العودة وسأعود.. يذكر أن الصائغ ولد عام 1933 في مدينة الموصل، وتوفي في دمشق 14/12/2005. وصدرت له قصائد غير صالحة للنشر (مجموعة شعرية مشتركة)، 1957 مع شاذل طاقة وهاشم الطعان وعبد الحليم لاوند. ورواية “اللعبة” فازت بجائزة أحسن رواية عراقية، 1970 ثم مجموعة “اعترافات مالك بن الريب” الشعرية عام 1971. ورواية “المسافة” عام 1974، تبعها بـ “اعترافات” عام 1978 و”المعلم” عام 1985. الكتاب: يوسف الصائغ تخطيطات.. وأفكار بصوت عال المؤلفون: حميد سعيد، علي جعفر العلاق، فاروق يوسف، عالية ممدوح، علاء بشير، كرم نعمة الناشر: دار الأديب للصحافة والنشر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©