الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا.. كلام الرخام

أوروبا.. كلام الرخام
17 مايو 2012
ما هو الوسيط المادي الحقيقي في العالم الكلاسيكي؟ وهل ساهم هذا الوسيط بنقلة نوعية لتكوين البنى الاجتماعية؟ هل صاغ هذا الوسيط نظام العلاقات البشرية؟ نعم لقد فعل هذا الوسيط كل شيء، بل ظل إلى يومنا هذا منذ أن أدرك اليونان قيمته الدعائية والرمزية وتأثيره السياسي على البنى الاجتماعية المنتشرة في العالم الكلاسيكي آنذاك. وكان لابد للفن أن يدخل في صياغة هذا الوسيط، إذ أصبح الفن العنصر المهم في قيمة هذا الوسيط، بالرغم من أن قيمته الفعلية في مادته الخام نفسها، إلا أن ما يعزز هذه القيمة أكثر هو طريقة صياغة وجهيها. إنها القطع النقدية التي اخترعها الغرب الأوروبي. في بدء تكون أوروبا الشمالية المبكرة تعاقد الناس على نظم اجتماعية بسيطة عالجها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712 ـ 1778) في نظريته المسماة بـ”العقد الاجتماعي”، حيث تنازل الناس عن الحرية المطلقة إلى السلطة/ القانون ضمن عقد اجتماعي يخول السلطة تطبيق القانون الذي يحد من الحريات المنغلقة، ومن خلال ذلك انبثقت البنية الاجتماعية، حيث انتقل الإنسان من نمط الصيد في أواخر العصر الجليدي إلى نظام زراعي في جميع أنحاء القارة بين 10 وستة آلاف سنة قبل الميلاد. وفّر العقد الاجتماعي حالة استقرار للإنسان في قرى بدأت تنتبه لقيمة الثروة الحيوانية، وعلاقتها بزيادة المحاصيل لما فيها من منافع القوة والمنح. مع تزايد الانتاج الغذائي بدخول الثروة الحيوانية تزايدت أعداد الإنسان، ولابد لنا هنا من أن نشير إلى أن هذا الاستقرار قد ولّد قيمة روحية أخرى وهي الانتباه إلى “اللذة”.. اللذة بمعناها الروحي/ الفني عندما بدأ الإنسان يصوغ ما حوله ضمن خيال خصب عالم المحاكاة. بدأت صناعة الفخار بوصفها حاجة اقتصادية للتخزين، غير أنها تطورت فعلاً إلى حاجة روحية للخلق الفني عندما بدأ الإنسان يزين تلك الفخار كي لا تبدو جميعها متشابهة بلا زينة تفرق بينها، إلا أن هذه الزينة التي وضعت لغرض التفريق أصبحت سمة رمزية للإبداع بالاضافة إلى الحجارة والقطع المعدنية التي ظهرت فيما بعد. أول عملة معدنية في بدايات حقبة التكوين الاجتماعية تلك كانت التبادلية الاقتصادية تعتمد نظام المقايضة السلعية، التي شملت ما هو فني أيضاً، وربما كان ذلك الفني في بداياته مرتبطاً بالروحي عندما توضع مع الموتى أو أن تصبح قرابين للآلهة. وكان لابد لنظام المقايضة السلعية أن يتطور ويعوض عنه بالرمز، بقيمة رمزية، هي ما اصطلح عليها بالعملة النقدية. نعم لقد تمت صناعة الأشياء الثمينة التي بدأ الفن الفطري يدخلها لزينة قبل أن يستحدث الرمز المتكافئ لها. وربما أن هذه الأشياء الثمينة هي ذاتها التي استدعت وجود الرمز (العملة). من هنا جاءت “زيزينيا” وهي أول وأقدم عملة معدنية اكتشفت في مدينة افسوس، وهي من أقدم المدن اليونانية القديمة في المركز التجاري على الساحل الآسيوي، وقد صممها “ملوك ليديا” وهي منطقة في اليونان في إطار تصميم بدائي الصنع لصك النقود، وهي على هيئة أسد على وجهه وبعض التخريز على السطح من الجهة الأخرى وكان وزنها 14 غراماً وهي من عيار ذهبي بنسبة 55% وفضة 45% ونحاس 2%. وقد سكت عام 600 قبل الميلاد بقطر 21*17م.م.. أتساءل حقاً: هل للغرابة تاريخ، وأقول ربما.. ويستدعيني إلى ذلك الافتراض أن العصر البرونزي اليوناني نحو 3200 إلى 1100 ق.م شهد تقدماً اقتصادياً وتكنولوجياً كبيراً في حضارة بحر إيجة.. وعند 800 ق.م كانت التجارة والحرف والفنون والكتابة قد ازدهرت، وفي 600 ق.م اكتشفت “زيزينيا” في اليونان القديمة. اليونان ـ وللغرابة ـ تعيش أزمتها النقدية الآن، وهي التي صنع أهلها النقود. افروديت الجميلة انتشر اليونانيون في جميع أنحاء منطقة حوالى 500 ق.م في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وتصدوا في 480 إلى 479 ق.م للغزو الفارسي لليونان. كان انتشار اليونانيون انتشاراً لعملتهم، بل عرف العالم العملة بمعناها الرمزي والتداولي، حتى تلقفها الرومان فيما بعد وأسسوا عليها نظامهم الاقتصادي المتطور. اليونان القديمة صانعة الأباريق الذهبية والمزهريات المزينة بثيران وطيور والقوارير السوداء والتماثيل الكهنوتية صانعة هوميروس المؤرخ الكبير. اليونان موطن افروديت جاءت إلى أبوظبي، وعلى جزيرة السعديات وفي معرض “كنوز ثقافات العالم” عرضت جمالياتها في إحدى قاعات منارة السعديات تهيئة لمتحف زايد في جزيرة السعديات الذي سيكون تحفة معمارية قل نظيرها. يرى الزائر إبريقاً ذا فوهة على شكل رأس غرفين من سيكلاديس في اليون، إبان العصر اليوناني 675 ـ 650 ق.م من الفخار بارتفاع 41.5 سم، والغرفين هو حيوان خرافي عرف بداية في الشرق الأدنى وعندما أخذه اليونانيون، عدّلوا على صورته فتكونت لديهم صورتهم الخاصة عن ذلك الحيوان، فهو عندهم له جسم أسد، ومنقار صقر وأذنا أرنب بري. يجيء هذا التمثال من مرحلة الفترة الاستشراقية حيث كان تأثير الشرق الأقصى واضحاً في الفن اليوناني. ونرى مزهرية بثيران وطيور من قبرص في العصر المسيني حوالى 1300 ـ 1200 ق.م وهو من الفخار، زينة مشهد دقيق من الطبيعة يصور طيراً أبيض وهو يزيل قرادة من جلد ثور. حيث كانت أعداد كبيرة من المزهريات المزينة بمشاهد تجمع الإنسان والحيوان تصنع في اليونان وتصدر إلى قبرص حيث وجدت هذه المزهرية. الميثولوجيا اليونانية ومن مرآة برونزية من أثينا اليونانية في العصر اليوناني حوالى 510 ق.م والتي تجسد افروديت إلهة الحب حتى قارورة سوداء الشكل وجدت في فولسي الإيطالية وهي من صناعة يونانية في العصر اليوناني 510 ـ 500 ق.م نرى الفن اليوناني وتجليه والكيفية التي عالج فيها الفنان روح الحكاية والرسمة على الفخار. حملت القارورة مشهدين مستمدين من الميثولوجيا اليونانية، يصور أحد المشهدين البطل هرقل وهو يواجه أثينا الإله التي رعته مرتدياً جلد أسد فائزاً بأولى مهماته. وحاملاً هراوته وقوسه ونشابه وسيفه، أما أثينا فبإمكاننا التعرف عليها من خوذتها ذات الريشة المرتفعة. يصور الجانب الآخر “ديبونيسوس” إله الثمل المقدس ومعه زوجته ابيدان إبنة مينوس ملك كريت حيث عي الإله كأسه “كانثاروس” الذي لا يفرغ أبداً حسب الأسطورة. عند القسم اليوناني القديم نرى تمثالاً حجرياً كلسياً من معبد ابولو، ايداليون في قبرص من العصر القبرصي 475 ـ 450 ق.م بارتفاع 98 سم أنتجت جزيرة قبرص على ضفاف البحر الأبيض المتوسط تقليداً بارزاً في النحت باستخدام الحجر الكلسي من القرن السابع قبل الميلاد وحتى الحقبة اليونانية، حيث استخدمت معظم تلك التماثيل في المعابد. اكليل من الغاز فوق رأس التمثال وابتسامة غامضة لذلك الكاهن في معبد ابولو وهو بثوبه اليوناني وهو من النماذج اليونانية الشرقية. ويحمل التمثال طيراً كقربان في يده اليسرى وصندوقاً من الفخار في يده اليمنى. الذراع المفقود أما تمثال ديونيسوس الشهير الذي يقف الآن في جزيرة السعديات ضمن معرض “كنوز ثقافات العالم” فإنه تحفة فنية رائعة، رخامية مذهلة وجد هذا التمثال في بوسيليبو الإيطالية وهو روماني حوالى 40 ـ 60م والنسخة من أصل يوناني نحت في عام 325 ق.م، بارتفاع 220 سم. إله الخمر ديونيسوس في نسخة أصلية وهو واحد من نسخ كثيرة، ديونيسوس الشاب الضعيف الذي يشوب شكله أنوثة طاغية، ربما تعود هذه النسخة إلى عهود سابقة 600 إلى 480 ق.م، وقد نُحت هذا التمثال من قطعة واحدة من الرخام البنتيلي، عدا الذراع اليمنى المفقودة والتي نحتت على حدة. وجه الشاعر الأعمى ولهوميروس حصة في الجناح اليوناني وهو من العصر الروماني ومن رخام بارتفاع 77.1 سم. عاش هوميروس في اليونان ما بين 750 ـ 700 ق.م وهو أشهر شاعر في العصور القديمة وقد كتب كلاً من الالياذة والاوديسة الملحمتين الشعريتين اللتين تغنتا ببطولات “اخيل” و”اوديسوس” وحصان طروادة في الأولى ومغامرات اوديسوس في الثانية خلال عودته إلى وطنه بعد سقوط طروادة. نحت واقعي، لعمى هوميروس بعينيه المطفأتين، رأس على جسد مصقول، تلك هي براعة النحات الذي لم يشغله شيء من جسد هوميروس سوى رأسه وعينيه، إنه تمثال نصي اشتهر في كل الأزمان فجاء إلى أبوظبي ليحتفي بأحد معالمها الرائعة في جزيرة السعديات. عينان ضائعتان أما رأس افروديت من العصر الهلنستي في القرن الأول قبل الميلاد وهو من البرونز بارتفاع 38.1 سم فيا لجمال هذا الرأس، الأنف الفم، تسريحة الشعر.. إنها افرديت حقاً. اكتشف هذا الرأس الأفروديني في تركيا عام 1872م، ولا وجود لجسد التمثال كاملاً، أما العينان المرصعتان بأحجار كريمة فقد فقدتا، وقد نتساءل: كيف يمكن تصور جسد تمثال افروديت هذا عارياً وهو من نحت اليوناني “براكسيتيليس” في القرن الرابع الميلادي، وربما هو من العصر الهلنستي. تمثال ينطق بما لا نسمع فيه افروديت تحاورنا. ومع انتشار اليونان، انتشرت عملاتهم المعدنية في جميع أنحاء العالم اليوناني الممتد من الشرق إلى الغرب، عبر البحر الأبيض المتوسط وقد تأثرت أيضاً المدن والدول غير اليونانية المجاورة، مثل بلاد فارس وقرطاجة باستخدام اليونان للعملات على نطاق واسع. الشرعية والهوية من خلال العملة اليونانية المعدنية بدأت تظهر مفاهيم، الشرعية والهوية وبدت التجارة تأخذ مديات أسهل والحرب بدأت واضحة عند الجميع حيث سهلت عملية شراء السلاح ودفع الرواتب للجنود. عملة من الالكتروم 7 ق.م من منطقتي “ليديا” في وسط تركيا و”أيونيا” غرب تركيا، وهي مصنوعة من معدن في الطبيعة “ذهب وفضة” وقد كتب عليها “أنا علامة فانس”.. ويبقى فانس مجهولاً؟ تترا دراخما أثينا الفضية، ديكا دراخما كيمون الفضية من سيراكيوز وتترا دراخما الاسكندر الثالث المقدوني الفضية، والمنايون الذهبي ونترايستنثير قرطاجة. تشابك الثقافات والطرق ويأتي الرومان ليشكلوا الجزء الثاني من حضارة أوروبا.. غزت روما الأراضي الإيطالية وتوسعت بعد ذلك في فرنسا واسبانيا وتركيا وشمال أفريقيا واليونان. حملت الثقافة الرومانية طابعاً يونانياً أو هيلينياً فظهرت العمارة والآدب والفن اليوناني. ظهر أغسطس الامبراطور الروماني في 27 ق.م بوصفه الامبراطور الأول واستمر الرومان 500 عام، ومن سوريا إلى اسبانيا ومن بريطانيا إلى مصر امتدت حضارتهم وامبراطوريتهم، فترابطت أصقاع الأرض، وتشابكت الثقافة والطرق والناس والبضائع والأفكار. هل تريد أن ترى الفن الروماني، فلتبصر التمثال النصفي للامبراطور هادريان الروماني 117 ـ 118م وهو من الرخام بارتفاع 66 سم، إنه نتاج ورشات العمل الإيطالية التي ضمت خيرة طرفيين حيث ظهرت ثقافة رومانية يونانية جديدة حملت روما إلى كل ركن من أركان امبراطوريتها. هارديان (حكم من 117 إلى 138م) نشر تماثيله في كل أرجاء العالم الروماني، تمثاله في جزيرة السعديات يُظهره مرتدياً زي الجنرالات العسكرية، أخمد كل الثورات التي واجهته، وأنشأ حدوداً بين المدن. وهو الذي وضع حدود الامبراطورية عند نهر الفرات، في التمثال نرى براعة النحّات حين جسّد التعبير في اللوحة وطيات اللباس التي أعطت ظلالاً على الرخام. ومن الامبراطورية الرومانية تعرض لوحة جدارية ليوليسيس والسيرانات من منتصف القرن الأول الميلادي وهو رسم على بلاستر، وينهش من منحوتته لزوج من كلاب الصيد “السلوقي” تعود إلى القرن الثاني الميلادي من رخام أبيض، وقد عثر على هذه المنحوتة عام 1773 بالقرب من لانوفير جنوب روما. صحن كوربريدج الروماني من فضة، في القرن الرابع الميلادي اكتشف في 1753م على ضفاف نهر التاين. مجوهرات رومانية حلية شعر ذهبية مزينة بالجواهر ذهب ولؤلؤ وزمرد وياقوت، وقرطان متدليان، وسوار ذهبي مزين بالجواهر، ويتداول الرومانيون القطع النقدية من: أغسطس الامبراطور الروماني الأول ونيرون سيء السمعة والصيت ومارك انطونيو العاشق وهارديان المهذب وقسطنطين المتدين بالمسيحية ومن ذهبية مارك انطونيو (توفي عام 31 ق.م) وذهبية نيرون (54 ـ 68 م) وذهبية هارديان (117 ـ 138م) وسوليدي قسطنطين المزدوج (306 ـ 337م) وذهبية اغسطس (31 ق.م ـ 14م) ترى مسكوكات الرومان. حكاية أخرى ولبيزنطة حكاية أخرى بعد أن دار حكام الرومان ألف عام، فجاءت المسيحية على يد قسطنطين الكبير الذي أسس مدينة بيزنطة وأطلق عليها القسطنطينية “اسطنبول إلى الآن”. أيقونة يوحنا المعمدان، وكأس قربان فضية من كنز كيبر كوراون. ونتجول في المعرض لنبصر العصور الوسطى وأوروبا الحديثة، ونبصر المجوهرات الانجلوساكسونية من جنوب انجلترا. قلادة ذهبية “عتيق أحمر وزجاج” وخاتم ذهبي ودبوس زينة قرجي وآخر زينة شوكي، ونذهب بعيداً إلى صحون الخزف وميداليات عصر النهضة، وأخيراً الرسومات الأوروبية لمايكل انجلو (1475 ـ 1564م) في فلورنسا حيث رأس امرأة مثالي، تحفة فنية رائعة بطبشور أسود، ولوحة وحيد القرن لألبريخت ديور (1471 ـ 1528م) وحفلة صيد لبيتر بول دوبنز (1577 ـ 1640م) ورحيل اجر وإسماعيل لرامبرانت (1606 ـ 1669م) ولوحة ملكة سبأ تغادر إلى القدس لكلود لورين (1605 ـ 1682م) ولوحة قصر الحمراء في غرناطة لجون فريدريك لويس (1805 ـ 1876م) كلها روائع القرن الرابع عشر حتى الثامن عشر الميلادي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©