الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة ربط الدولار بالذهب

23 نوفمبر 2008 01:55
لابد بداية من الاعتراف بأن القروض المبالغ فيها والمال السهل هما أصل الداء الذي كان وراء نشوب الأزمة المالية التي تضرب الاقتصاد الأميركي في الوقت الحاضر، ولكن مع ذلك تبني الحكومة الفيدرالية خطتها للإنقاذ على مزيد من القروض والمال السهل وكأن همها الوحيد كسب وقت إضافي لتأخير الأزمة بدل الانكباب على معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها· وبالطبع مازال بمقدورنا تفادي التضخم وما يترتب عنه من مشاكل كبرى لو نحن تحلينا بالشجاعة السياسية وقررنا الرجوع إلى تقييم العملة الأميركية بالذهب كما كان عليه الحال قبل سنوات خلت، فذلك الرجوع وحده كفيل بإبعاد شبح التضخم وإعادة بعض الاستقرار الاقتصادي أكثر من أية آليات تنظيمية معقدة قد تنشأ قريباً· ومع الأسف يبدو أن السياسة الحالية المتبعة على الصعيد الحكومي تعكس توجهاً آخر يرتكز على إضعاف الدولار بأسرع ما يمكن، وهو ما يتضح من خلال المؤشرات التي يرسلها الاحتياطي الفيدرالي بتوسيع عملياته الائتمانية التي باتت القاعدة النقدية الأساسية للسياسة المالية الأميركية بعدما ارتفعت منذ عام 2008 من 894 مليار دولار إلى 2,2 تريليون في الوقت الحالي· وهذا التوسع الكبير في العملية الائتمانية يعتبر الأكبر من نوعه في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي منذ نشأته قبل 95 عاماً، حيث لجأ في عملياته التوسعية تلك إلى تخلٍّ شبه تام عن الأساليب التقليدية للسياسة المالية والتضييق على عمليات السوق الحر في المجال المالي القائمة على شراء وبيع السندات المالية للخزينة الأميركية ذات المصداقية العالية· والواقع أن معيار الذهب، أو إعادة تقييم الدولار على أساسه يوفر الضوابط التي نحتاجها بالفعل أثناء الأزمات المالية، لاسيما تلك الآليات الضرورية التي تتيح للاحتياطي الفيدرالي التحكم في حجم الأموال المتوفرة في السوق وبالتالي تحجيم خطر التضخم المنفلت· ولا ننسى أيضاً أن الذهب يشكل مصدر ثقة لمجمل النظام المالي ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم ويبدد المخاوف من انهيار الاقتصاد الأميركي· غير أن هذا التقيد بالذهب كمعيار موضوعي لتقييم العملة كثيراً ما سعت الحكومات إلى إلغائه والقفز على ما يترتب عليه من محاسبة ومسؤولية· فعندما تُربط العملة بالذهب يصعب على الحكومات طبع الأوراق المالية لتوفير السيولة التي عادة ما تلجأ إليها للإنفاق أكثر من إمكانياتها، أو للتحايل على ديونها وتسديدها حتى في ظل غياب احتياطيات حقيقية من العملة؛ وبالرجوع إلى ما قبل عام 1933 نجد أن الدولار الأميركي كان يساوي مقداراً من الذهب ويمكن استبداله به، وهو ما أعطى الدولار قوة واستقراراً ملحوظين طيلة ذلك العهد، وحتى عندما تخلت الدول الأوروبية في الحرب العالمية الأولى عن ربط عملاتها بالذهب للإنفاق على المجهود الحربي حافظت الولايات المتحدة على ارتباط الدولار بالمعدن الأصفر· لكن وبدءاً من عام 1933 قام الرئيس روزفلت بفك الارتباط بسبب خطته الطموحة لتمويل المشاريع الكبرى الرامية إلى إنعاش الاقتصاد، حيث جُمد التعامل بالذهب وخُفضت قيمة الدولار وبحلول عام 1971 قام الرئيس نيكسون بالتخلي نهائياً عن الذهب، وهو ما أدى منذ ذلك الوقت إلى تأرجح معدلات التضخم بين الصعود والهبوط· والنتيجة أن الاحتياطي الفيدرالي اليوم أصبح له مطلق الحرية في إضعاف الدولار بضخ كميات كبيرة منه في السوق دون اعتبار لاحتمال تخلي المستثمرين الخارجيين عنه كما حصل في صيف عام ·1971 لكن هل تطلق هذه المخاوف المرتبطة بالتضخم في الولايات المتحدة نقاشاً صريحاً حول إمكانية إعادة ربط الدولار بالذهب؟ ترد ''أنا شواتز'' التي ألفت الكتاب الشهير بالاشتراك مع ميلتون فريدمان ''التاريخ المالي للولايات المتحدة من 1867 إلى ''1960 على هذا التساؤل موضحة أنه فقط في ظل أزمة اقتصادية طاحنة لها تأثير كبير على حياة المواطنين يمكن أن يدفع الرأي العام إلى المطالبة بنقلة نوعية مثل إعادة ربط الدولار بالذهب، أو أي صيغة أخرى مشابهة تعيد الاستقرار إلى الأسواق· وولكر تود كاتب وباحث في المعهد الأميركي للبحوث الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©