السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخرطوم وجوبا... صراع واستنزاف اقتصادي

الخرطوم وجوبا... صراع واستنزاف اقتصادي
17 مايو 2012
يبدو أن الأمر في السودان قد انتهى إلى ما يلي: الحكومة في الخرطوم تبعث برسائل نصية قصيرة إلى المواطنين تدعوهم فيها إلى التبرع لمساعدة الجيش الذي يعاني من نقص الموارد، وتتوسل الرسائل قائلة: "للتبرع بعشر جنيهات المرجو إرسال الرقم 10، وللتبرع بخمسين جنيهاً ارسلوا الرقم 50". ومع أن الوقت، بالنظر إلى هذه الرسائل، لا يبدو مناسباً للدخول في حرب مكلفة مع جارتها الجديدة، جنوب السودان، إلا أن كبرياء الطرفين معاً على جانبي الحدود المتنازع عليها لا يتيح لكليهما التريث والبحث عن اتفاق حول النفط الذي يعتمد عليه الجانبان. فمنذ استقلال جنوب السودان في شهر يوليو الماضي فقدت الخرطوم حوالي ثلاثة أرباع عائداتها النفطية، وهو ما أدى إلى إلحاق الشلل بالاقتصاد السوداني وإدخاله في أزمة حقيقية، لا سيما في ظل تداعيات الأزمة على الأعمال الصغيرة، التي باتت تواجهها شبح الانهيار بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وتصاعد معدلات البطالة بين السودانيين، والأمر ليس بأفضل حال في جنوب السودان بعدما أوقفت "جوبا" إنتاج النفط بسبب النزاع مع الشمال حول رسوم نقله عبر أراضيه. ويبدو أن الجنوب في ظل هذا الواقع وتوقف ضخ النفط أصبح أشبه ببلد كان يعد يوماً بالذهب ليتبين اليوم أنه خال منه تماماً. وفيما ينتقل كبار مسؤولي الحكومة بسياراتهم الفارهة تعتمد البلاد على المساعدات الخارجية في إدارة المدارس والمستشفيات. ولعل ما يزيد من تفاقم الأمور وإطالة أمدها القناعة الموجودة لدى طرفي النزاع سواء في الشمال، أو الجنوب أن ما عليهما سوى الانتظار والصبر قبل أن ينهار اقتصاد الطرف الآخر، ويعجز عن تحمل النقص في مداخيل النفط، ليتركه غير قادر على تمويل الجيش وشراء الوقود، أو الذخائر لمتابعة الحرب. هذا الأمر عبر عنه الرئيس السوداني، عمر حسن البشير قائلاً: "إذ استمرت الحرب بعد فقدان النفط، فستكون حرب استنزاف، لكنها حرب استنزاف ستضربهم في الجنوب قبلنا نحن". والحقيقة أن فشل الحكومتين في تسوية النزاع حول المناطق الحدودية الغنية بالنفط ونزاعهم أيضاً حول اقتسام عائدات البترول أضرت باقتصاد البلدين معاً، كما أنه لا أحد منهما يستطيع التعايش مع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة إنْ هما لم يوقفا الأعمال العدائية على جانبي الحدود. وفيما يُحمل بعض المراقبين مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين إلى عجز جهود الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي وإخفاقه في وقف العنف، يرى البعض الآخر أن جذور النزاع والعداوة بين الشمال والجنوب ترجع إلى عقود من التهميش الذي طال الجنوب على أيدي الشماليين الأمر الذي رسخ الشعور بعدم الثقة المتبادلة بين البلدين. وفي هذا الصدد يقول مساعد وزيرة الخارجية السابق للشؤون الأفريقية، "جينداي فريزر": "إن الأمر مرتبط بمسائل عرقية وإثنية ودينية، هناك فوراق دينية بين الشمالي الذي يُنظر إليه على أنه مسلم في غالبيته والجنوب الذي يضم أغلبية مسيحية، وبين الشمال الذي يوصف بالعربي والجنوب الأفريقي"، وقد زادت حدة الأزمة بين الطرفين خلال الشهر الماضي عندما دخلت قوات جنوب السودان بلدة "هجليج" الغنية بالنفط، لكن وبضغط شديد من المجتمع الدولي سحبت جوبا قواتها إلى داخل حدودها. وفيما تتصارع الحكومتان في الخرطوم وجوبا على الموارد النفطية يخشى محمد نور المواطن السوداني، الذي تلقى إحدى تلك الرسائل النصية القصيرة التي تبعثها الحكومة في الخرطوم إلى المواطنين، على تجارته الصغيرة وعلى فقدان الزبائن وإفلاسه، فنور البالغ من العمر 40 سنة يجلس في محله بالخرطوم يوماً بعد آخر دون أن يبيع شيئاً، وفيما كانت تجارة بيع الستائر والسجاد التي يمتهنها مزدهرة على مدى العقد السابق إبان الطفرة النفطية التي عرفها السودان قبل التقسيم، بات اليوم يعاني من كساد التجارة وتراجع الإقبال على بضاعته، قائلاً: "إذا استمر السوق على نفس الركود سنضطر إلى إغلاق محالنا، لأننا لم نعد قادرين على دفع الإيجار والضرائب التي تفرضها الحكومة". وفي محاولة على ما يبدو لترشيد النفقات وتوفير الموارد الضرورية لتمويل حربها مع الجنوب أمرت الحكومة السودانية مؤخراً باقتطاع يومين من الراتب الأساسي للموظفين الحكوميين، مبررة ذلك بحاجتها إلى تمويل الجيش المنتشر على طول المناطق الحدودية بعد اندلاع الاشتباكات المسلحة، تلك الاشتباكات التي كانت لها كلفة اقتصادية مرتفعة بعد فقدان العملة السودانية لحوالي 20 في المئة من قيمتها مقارنة بالدولار الأميركي وتصاعد أسعار المواد الأساسية، وهو ما تعاني منه علوية عثمان، الأم السودانية لستة أطفال، والتي تصارع اليوم لتوفير الغذاء لأبنائها، وتشعر الأم السودانية بحدة الأزمة الاقتصادية كل يوم وهي تتجه إلى السوق لشراء حاجياتها من المواد الغذائية وتلمس التزايد المطرد في أسعارها. وعن هذا الموضوع، تقول الأم السودانية "ذهبت اليوم إلى السوق لشراء بعض الفاصولياء لكني وجدت سعرها أعلى بخمسة في المئة مقارنة بالأمس، ولو جئت غداً لوجدت سعرها أعلى من اليوم، هذا في الوقت الذي لم يتغير فيه دخلنا". وفي هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي، حافظ محمد، إن الحكومة عاجزة عن التحكم في نفقاتها وترشيد الموازنة، وليست قادرة على تقليص الجهاز الحكومي المتضخم بعدما وصل عدد الوزراء إلى 170 وزيراً، موضحاً ذلك بقوله "يواجه الاقتصاد السوداني خطر الانهيار، ولا يبدو أن الحكومة قادرة على اتخاذ القرارات المهمة التي من شأنها التخفيف من حدة الأزمة، بحيث عليها اتخاذ خطوات تقشفية واضحة تطال بالأساس المسؤولين الحكوميين لأنه لم يعد ممكناً الاستمرار في إدارة الحكومة بكلفتها الحالية". لكن مع ذلك، لا يبدو أن المسؤولين في الخرطوم مستعدون لتغيير مواقفهم بشأن العلاقة مع الجنوب رغم كلفتها الاقتصادية الباهظة، السنوسي أحمد وروبن ديكسون الخرطوم ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©