السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شركات كوريا الجنوبية... ثمن التوتر مع «الشمال»

17 مايو 2012
على مدى العقد الماضي شجع قادة كوريا الجنوبية الشركات الخاصة على نسج علاقات تجارية متميزة مع الجارة الشمالية، معتبرين الخطوة فرصة لتعظيم الأرباح وتحقيق السلام على حد سواء. لكن مع مجيء الرئيس الكوري الجنوبي، "لي ميونج-باك" تم إقرار مجموعة من الخطوات الرامية إلى الحد من التعامل التجاري وخفض مستوى الاستثمارات الجنوبية في الشمال، وهو ما أدى إلى إفلاس عدد من الشركات الجنوبية التي كانت تمارس أعمالاً مع نظيرتها الشمالية وجعل طبقة رجال الأعمال التي أقامت علاقات عمل متقدمة مع الشمال تتجرع كأس المرارة بسبب هذا التغير في السياسة الجنوبية تجاه بيوج يانج. ومع أن خطوات الرئيس الكوري كانت في البداية موجهة للضغط على النظام في كوريا الشمالية لدفعه إلى تحرير اقتصاده والتخلي عن برنامج التسلح النووي، إلا أنها مع الوقت اكتسبت طابعاً عقابياً متشدداً وصلت ذروتها مع الاستفزازات العسكرية الشمالية في العام 2010 التي تعهد على إثرها ميونج باك بوقف عمليات التصدير والاستيراد مع الشمال وقطع طرق النقل البحرية بين البلدين. واليوم وبعد تقييم هذه الإجراءات يتبين حجم تأثيرها السلبي على الاقتصاد، لاسيما في ظل القرار الذي اتخذه مديرو الشركات الكورية في الجنوب بعدم التعامل مجدداً مع الشمال حتى بعد تغيير الاتجاه السياسي، خوفاً على استثماراتهم وعلى تقلبات المزاج السياسي في الجنوب، ورغبة أيضاً في عدم تكرار تجربتهم الحالية. وعن هذا الموضوع يقول "لي يونج سيونج"، الذي يدير شركة لاستيراد الفحم من كوريا الشمالية "الضحية الوحيدة لسياسات الرئيس هي الشركات الجنوبية، إذ لم نحصل على أية تعويضات حكومية بعد انهيار أعمالنا مع الشمال وتكبدنا خسائر فادحة". وقبل أربع سنوات فقط كانت أكثر من 400 شركة جنوبية تمارس أعمالها مع الشمال بشكل اعتيادي سواء تعلق الأمر باستيراد المواد من الشمال مثل المأكولات البحرية، والرمال وغيرها، أو استخدام المصانع الشمالية ذات العمالة الرخيصة لإنتاج السلع والبضائع الموجهة للتصدير، لكن اليوم لم يتبقَ سوى عدد محدود من الشركات على رأسها شركة لصناعة السيارات يمتلك صاحبها الجنسية الأميركية ما يسهل عليه عملية الانتقال بين البلدين في شبه الجزيرة الكورية بعد قرار الجنوب في 2008 بمنع إصدار التأشيرات لمواطني الشمال، والاستثناء الوحيد الذي نجا من سياسات "ميونج باك" هو المجمع الصناعي، "كيسونج"، الذي يوجد في الجزء الشمالي من الحدود ويتمتع بامتيازات المنطقة الحرة. وما زالت الحكومة في سيؤول تتحفظ على إغلاق المجمع الصناعي في الجنوب، الذي يضم كبريات الشركات الجنوبية مخافة التعويضات الكبيرة التي يتعين دفعها للشركات، هذا التخوف يوضحه الباحث في معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية، "ماركوس نولاند"، قائلاً: "ما يحول دون إغلاق المجمع الصناعي في الشمال هو تلك النظرة الضيقة في سيؤول والتخوف من كلفتها العالية لذا يستمر المركب في العمل دون إزعاج". لكن وفيما عدا "كيسونج" الذي نجا على ما يبدو من الإجراءات العقابية للجنوب تأثرت باقي الشركات وتراجع معدل التجارة مع الشمال على نحو ملحوظ، فحسب إحصاءات وزارة الوحدة في كوريا الجنوبية بلغ حجم التجارة بين البلدين في 2007 حوالي 791 مليون دولار سنوياً ليتراجع في 2011 إلى مجرد 4 ملايين دولار، ويرى المراقبون أنه من الصعب تغيير هذه الأرقام وإعادتها إلى سابق عهدها عندما ازدهرت التجارة بين البلدين، وذلك حتى بعد مغادرة ميونج باك للسلطة في شهر فبراير المقبل، ورغم تعهد الحزبين الرئيسيين معاً بتخفيف حدة الإجراءات قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر ديسمبر المقبل، ستواجه الحكومات المقبلة في سيؤول أوقاتاً صعبة لإقناع شركاتها بمعاودة التجارة مع الشمال بسبب تجربتهم الحالية. لكن قبل مرحلة التشدد مع كوريا الشمالية سادت مرحلة زاهية عُرفت بسياسة الشمس المشرقة التي سبقت مجيء "ميونج باك" إلى الرئاسة، وفيما كان رؤساء كوريا الجنوبية يعقدون اجتماعات قمة دورية مع "كيم يونج إيل" ويرسلون مساعدات إنسانية سخية إلى الشمال، فضلاً عن مد جسور التجارة مع بيونج يانج، تغير ذلك كله بعد قدوم الرئيس الحالي إلى السلطة في 2008 بتفويض شعبي كبير دفعه إلى قلب سياسة الانفتاح تلك، لا سيما وأنها لم تفضِ إلى ما كان يطمح له الرأي العام من دفع الشمال نحو السلام وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيها. وبدلاً من ذلك، يقول منتقدو سياسة الشمس المشرقة، أدى ذلك الانفتاح إلى إغناء طبقة صغيرة في كوريا الشمالية تتحكم في مقدرات البلاد على حساب الشعب، الذي ظل يعاني الجوع والقهر. لذا غير الرئيس ميونج باك سياسة أسلافه وجعل المساعدات الجنوبية مشروطة بتحرير الشمال لاقتصاده وتخليه عن برنامجه النووي، متعهداً في حال استجابة كوريا الشمالية لهذه الشروط بمضاعفة الاستثمار في البنية التحتية الشمالية من خلال شق الطرق ومد الجسور وتقديم كل أنواع الدعم الممكن، بيد أن الشمال رد بغضب واضح تجلى في إطلاق الصواريخ وإجراء التجارب النووية المستفزة، فضلاً عن توجيه أوامر للجيش بضرب الجنوب إذا ما استدعت الحاجة إلى ذلك، بل وصل الحد إلى توجيه تهديدات واضحة باغتيال الرئيس ميونج باك، وإذا كانت الشركات الجنوبية الخاصة قد فقدت نصف تعاملاتها التجارية مع الشمال بعد سنتين فقط على تولي ميونج باك الرئاسة، إلا أنها انخفضت إلى الصفر تقريباً بعد 2010 عندما نسفت كوريا الشمالية سفينة حربية تابعة للجنوب. ونتيجة للقيود التي فرضتها الحكومية الشمالية على الشركات التي تتعامل مع الشمال خسر "كيم جونج تي"، أحد رجال الأعمال في الجنوب، 30 مليون دولار، فقد كان "كيم" يطمح إلى فتح مصنع للنسيج في 2009 بالشمال، إلا أنه فشل في استخراج الرخص الضرورية بعد القرارات الحكومية بتقليص التبادل التجاري مع "بيونج يانج". تشيكو هارلان سيؤول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©