الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل أكلت الحبش أم الجحش؟

هل أكلت الحبش أم الجحش؟
18 مايو 2013 11:56
بعد أن أتيت على هبرة من لحم الديك الرومي أو الحبش، وهي المرة الأولى التي أتذوق فيها هذا اللحم، ذهبت لأدعك يدي بالصابون، وانتبهت أمام المرآة لوجود بقعة برتقالية على كندورتي، على الرغم من أن اللحم لم يكن برتقالياً، ولا الخبز، ولا الحمص. حاولت سحب ورقة محارم لأضع عليها قطرات من الصابون، لكن الورقة تفتت بين يدي أثناء محاولة سحبها من الآلة المثبتة في الجدار، وكلما حاولت سحب قطعة معقولة منها، تفتت، وبقيت هكذا ساعة كما يوقّتون للمواقف في كتب التاريخ، وفجأة انتبهت إلى هدير المياه، إذ أنني تركت الصنبور مفتوحاً لأنه لم يخطر ببالي أن العملية ستطول إلى هذا الحد. وخطر ببالي شيء آخر، وهو نقض نظرية «الاسترخاص» التي يؤمن بها الكثير من أصحاب الأعمال، فربما طاف صاحب المطعم على محال السوبر ماركت الموجودة في المدينة بحثاً عن أرخص أنواع ورق المحارم، وكان فرحاً بعبقريته الاقتصادية حين وجد نوعية رديئة منها تباع بسعر أقل من الأنواع الجيدة بنحو نصف درهم للكرتون الواحد. لذلك، كان من الطبيعي أن أعيد فتح الصنبور لأعرف كمية المياه التي يهدرها الزبون إلى حين حصوله على ورقة محارم كاملة. وبعد أن أهدرت كمية مياه تساوي الكمية الموجودة في بحيرة «خالد» بالشارقة، حصلت على الورقة الثمينة، ونشفت يدي بها، وخرجت من المطعم وأنا أنهق من الضحك. وفي نهاية الشهر، سيضرب عبقري الاقتصاد رأسه في الجدار بسبب فاتورة المياه الباهظة، ولن يعرف السر لأنه لن يقرأ هذا المقال، فهو لا يشتري الجرائد بقصد تقليل المزيد من النفقات، لذلك سيوجه قذائفه اللعابية إلى وجوه العاملين لديه، لأنهم لا يراعون الله في استخدامهم للمياه. وربما، ولست متيقناً من حدوث ذلك، وإذا حدث فإنني سأكون سعيداً، يثور أحد أولئك العاملين بسبب الإهانة التي وجهها إليه ربّ عمله، فيطعنه بسكين في بطنه. وبطبيعة الحال، لن تتضخم فاتورة صاحب المطعم بسبب ما فعلته بدافع نبيل وبالاعتماد على المعايير العلمية، فأنا مجرد زبون واحد، لكن الذي يحدث أنه سيخسر على جميع الصعد بسبب ورق المحارم التي تباع بأقل من سعر الأنواع الأخرى بنصف درهم، بالتمام والكمال. فعدا الظرفاء الذين سيعيدون فتح الصنبور ليعرفوا كمية المياه التي يهدرها الزبون إلى حين حصوله على ورقة محارم كاملة، فإن طابوراً طويلاً من الزبائن سيتشكل على مدخل دورة المياه، خصوصاً في ساعات الذروة، لأن كل زبون يحتاج إلى وقت طويل للظفر بورقة محارم كاملة ينشف بها يديه، وسيشعر الجميع بالضيق والقرف، وهم يقفون بأيدٍ متسخة، وأفواه تنبعث منها روائح الطعام، وسيقرر بعضهم عدم التردد على المطعم، خصوصاً أولئك الذين يرغبون في استخدام الحمّام، والذي لا يمكن الوصول إليه، بسبب ضيق المساحة، إلا بعد أن يخرج الزبون الذي سبقه، وقد غسل يديه، ونشفهما جيداً. وبعض الزبائن، سيوجهون لكمات قوية للجهاز، ظناً منهم أنه هو الذي طاف على محال السوبر ماركت، واختار تلك النوعية الرديئة من ورق المحارم. وسيعود صاحب المطعم في كل مرة إلى زوجته يبث لها همومه من تصرفات الزبائن الذين يحطمون جهازه بلا سبب وجيه. كما أن بعض الزبائن الذين يفكرون في الماورائيات سيقولون: ما دام صاحب المطعم استرخص في شيء ظاهر، فكيف يفعل بالمواد الموجودة خلف الحواجز الخشبية؟ هل استرخص في نوعية المياه التي يستخدمها في الطبخ وإعداد المشروبات وصنع مكعبات الثلج؟ هل استرخص في نقاوة الزيوت؟ هل استرخص في نضارة الخضراوات؟ هل استرخص في صلاحية اللحوم؟ هل يستخدم مواد غذائية تباع في سوق الجملة؟ هل يفصل الكهرباء عن الثلاجات ليوفر القليل من الواطات؟ هل يستخدم مواد تعقيم وتنظيف للأواني والأطباق؟ هل يحتفظ ببقايا طعام الزبائن لتقديمها لزبائن آخرين؟ هل يتخلص من المرق إن وقع في القِدر صرصور لعين أم يُخلص الصرصور المسكين من مصيره المحتوم وينقذ روحه؟ سأصفي النيّة وأفترض أن صاحب المطعم رجل أمين لا يغش زبائنه، لكنه في نهاية السنة المالية سيجد أن النفقات أعلى من العائدات، على الرغم من أنه حاول تقليل النفقات في كل شيء. ولأنه لن يعرف أنه تحمل كلفة أكبر، أي «الاستكلاف»، بسبب اعتماده على أشياء أرخص، أي «الاسترخاص»، فإنه سيضطر إلى ممارسة «الاستحمار» على الزبائن. وبطبيعة الحال، ليس صاحب المطعم هو الوحيد الذي يؤمن بنظرية «الاسترخاص»، فالحلاق قد يستخدم أرخص أنواع أمواس الحلاقة، ويجرح بها أذقان عشرات الزبائن الذين يقرر نصفهم عدم زيارته مرة أخرى، فيضطر إلى التلاعب بأسعار حلاقة النفر القليل الذي يواظب على زيارته، ليعوض خسارته، فيخسر هؤلاء الأوفياء والأغبياء أيضاً، فتكون خسارته مدوية، ويضطر إلى إغلاق المحل، ويعتقد أن الخسارة سببها الحسد. ويقعد يراقب عيون الأشخاص المحيطين به ليعرف من أين يصدر شرر الحسد، ويقع اختياره على أحد أقربائه، ويبدأ في إساءة معاملته، وربما، ولست متيقناً من حدوث ذلك، وإذا حدث فإنني سأكون سعيداً، يثور قريبه فيطعنه بمقص في بطنه. ويبدأ مقاول البناء عمله ملتزماً الشرف والأمانة، لكنه يستخدم مواد بناء رخيصة الثمن، ويجد نفسه في دوامة من القضايا والمنازعات مع أصحاب الأملاك، ويدفع المبالغ التي تحكم بها المحاكم لخصومه، ويتحمل كلفة أتعاب المحامين، ويتوقف العمل بشركته في فترات إقامته في السجن المركزي، فيخرج من السجن ويبدأ في «استحمار» كل من يطرق باب شركته ليعوض خسارته التي يرجعها لأسباب تتعلق بالقوانين المجحفة. المصيبة إذا كان صاحب المطعم قد أجرى حساباته فعلاً واكتشف خسارته، وكان فعلاً بدأ في «استحمار» زبائنه، ولم يكن ما أكلته لحم حبش طري وإنما ضلع جحش نافق. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©