الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مانعة الصواعق النفسية

مانعة الصواعق النفسية
17 مايو 2013 20:59
الأيديولوجيا والنظريات جميعها، غير محصنة من سيطرة الطامعين والطامحين، ولا تتوافر حتى الآن أمصال ومطاعيم يحقنها الشعب للثائرين، حتى يضمن عدم تحوّلهم بعد نجاح الثورة إلى نسخة مشوهة ممن ثاروا عليهم، ويشرعون في ممارسه ما ثاروا عليه ومات الكثير من رفاقهم لأجله، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى عبر التاريخ حتى ساعة إعداد هذا المقال. تقول النكتة بأن أحد آكلي لحوم البشر أصيب بمغص شديد في المعدة، ولما عاينه ساحر القبيلة وفحصة سريرياً ومخبرياً قال له: - شدّة وتزول.. لكن عليك ألا تكثر من أكل السياسيين. الإنسان الساخر لا ينصاع بسهولة إلى أوامر السياسيين ومؤامراتهم، ولا ينخدع بابتساماتهم المعلبة، وجلودهم الرقطاء، لذلك كانت النكتة الساخرة هي الطلقة الأولى الموجهة إلى صدر السياسي، وقد بدأها الساخرون بالحكاية على لسان الحيوان، كما في كتاب كليلة ودمنة مثلاً، الذي كان ولا يزال يعري السياسيين والحكام الظالمين إلى الأبد، على الرغم من أن مترجمه للعربية (ابن المقفع) دفع الثمن غالياً، وأعدموه بحجة الزندقة. علينا أن ننسى ذلك الابتكار الرائع لشخصية جحا، جد الساخرين الأول، الذي قد لا يكون كائناً من لحم ودم، وقد يكون كائنات عدة، وجدت في أكثر من زمان وأكثر من مكان، وقد يكون مادة مكثفة صنعتها الشعوب من وهج الأساطير ورماد المعاناة وجمر الثورة. ورد اسم جحا العربي في شعر عمر بن أبي ربيعة عام (93هجري)، وعاصر أبي مسلم الخرساني، والخليفة المنصور، وتوفي حسب المصادر التاريخية، عام 160 للهجرة، بعد أن عمر طويلاً، وهو حسب ذات المصادر عربي اللون واللسان، ويدعى دجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري، المعروف بجحا. أما الأتراك فجحاهم يدعى (الخوجة نصر الدين)، وقد ظهر في أحوج وقت إليه، تماماً خلال الاجتياح المغولي الثاني لبلاد المسلمين، تحديداً، في فترة تيمورلنك، المحتل القاسي المتكبر الذي كان يسخر منه جحا ويذكره بالعدل ويشفي غليل الشعب من الحاكم الظالم. علينا أن نعترف أن جحا الأتراك هو الأكثر شهرة، إضافة إلى أن جحا العربي كان يسخر من الخليفة المنصور المشهور بالبخل، لذلك تم طمر معظم هذه الحكايات خلال العصرين العباسي الأول والثاني، إلى أن اختفت تحت رماد السنين. ومن حكايات جحا التركي المشهورة، قصته مع تيمورلنك، الذي سأله يوماً قائلاً: - ترى كم أساوي بنظرك من المال يا حجا؟ فنظر إليه جحا متأملاً أعلاه وأسفله، ثم قال بغير تردد: - لا أظنك تساوي أقل من ألف دينار أيها الملك العظيم. فقال تيمورلنك غاضباً: - أن ملابسي التي أرتديها الآن فقط، تساوي ألف دينار !! فقال جحا: - إذن فقد صدق تقديري تماماً.. أيها السلطان. المقصود طبعاً، أن تيمورلنك لا يساوي سوى ثمن ملابسه التي يرتديها. وللفرس جحاهم أيضاً، وهو عندهم فارسي الأصل والفصل، واسمه (جوجي)، من أهل أصفهان، واسمه الحقيقي - على ذمتهم- هو الملا ناصر الدين. = وجدي جحا في مالطا اسمه جاهان! = وفي صقلية اسمه جويكا!! كما عرفته أقوام كثيرة، وهناك ترجمات لنوادره عند الرومانيين والبلغار واليونان والألبان واليوغسلاف والأرمن والقوقاز والروس والأوكرانيين والصينيين، إضافة إلى انتشار نوادره في معظم أنحاء أفريقيا. جحا لم يمت، لأنه يعيش في أفئدة الشعوب، فهو روح المقاومة، التي تحمل شعلة الأمل حتى لا تنطفي في الزمن الصعب، وهو مانعة الصواعق التي تنقذ الشعوب الجمعية من اليأس والإحباط والجنون. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©