الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السر في بير

السر في بير
24 يناير 2010 21:25
يقول لي الأستاذ زكريا: ـ «هناك خلافات بيني وبين زوجتي.. خلافات خاصة.. أنت تعرف أن هناك أموراً تقع بين الزوجين ولا يصح أن يعرفها أحد.. لا تطالبني بالشرح أرجوك. ولا تحاول جعل لساني ينزلق بالكلام». طبعاً أنا غير مهتم البتة بالأمور التي تقع بينه وبين زوجته، ولا أملك أي درجة من الفضول، لهذا أقول في حرارة وصدق إنني لا أريد أن أعرف.. بعد قليل يقول لي: ـ «في الحقيقة أنا متردد.. كل ذرة في كياني تطالبني بأن أصمت، لكنك أخ فاضل، ولا أعرف كيف أخفي عنك شيئاً كهذا».. ـ «صدقني أنا لا أريد الضغط عليك». طبعاً لا أجرؤ على القول إنني غير مهتم بأسراره بتاتاً، فهذه وقاحة أو نوع من الإهانة، لذا أصمت إلى أن تأتي اللحظة الرهيبة ويخبرني بالسر: ـ «كانت هناك قطعة من التورتة في الثلاجة، وقد اتفقت مع زوجتي على أن نقتسمها. تسللت ليلاً لآكلها وحدي، فاتضح لي أن زوجتي سبقت وأكلتها!.. تصور!.. السيدة المهذبة بنت الأصول القادمة من أسرة ثرية تسرق. وتسرق من؟.. زوجها»! فما أن أسمع هذا السر المريع حتى أهز رأسي، هنا أفاجأ به ينظر لي في توحش: ـ «اسمع!.. ما كان يجب أن أقول هذا الكلام لكنني لم أستطع الكتمان.. أقسم بالله لو عرفت أنك أخبرت مخلوقاً لكان لي تصرف سيئ معك». هكذا أجد نفسي محملاً برغمي بسر لا يهمني في شيء، والمصيبة أن يتسرب. أتذكر قصة الحلاق الذي كان يحلق لأحد الأثرياء، ويعرف وحده أن للثري أذني حمار. ظل السر في صدره لفترة طويلة حتى أوشك على الانفجار. هكذا حفر حفرة في الأرض وراح يصرخ فيها: الثري له أذنا حمار !!! في اليوم التالي خرج من الحفرة نبات له مائة فرع، ومن كل فرع خرجت مائة زهرة تصرخ: الثري له أذنا حمار! لكني بالفعل غير راغب في إذاعة السر، ولم أكن راغباً في معرفته، وأعتقد أنني نسيت هذا الكلام الفارغ بعد ربع ساعة. لكن صاحبنا لا ينسى.. يقابلني في الشارع فينظر لي في شك، ثم يقول: ـ»كما اتفقنا.. هه؟.. لا أحد يعرف.. هذه أمور خاصة جداً». لا أذكر عما يتكلم فأهز رأسي في ذكاء. لكن الحياة ليست بهذه البساطة، إذ سرعان ما يأتي لي ليقول في غضب: ـ «لقد ائتمنتك على سر عزيز من أسراري، لكن للأسف وضعت ثقتي بالشخص الخطأ.. أمس قابلت سيد الشماشرجي وهل تتصور ما وجدته؟.. إنه يعرف كل شيء.. التورتة وزوجتي و... كل شيء!.. معنى هذا أن شخصاً غير جدير بالثقة تكلم»! أؤكد له وقد احمرت أذناي أنني لم ألق سيد الشماشرجي منذ عامين، ولو حدث لما أخبرته بشيء.. دعك من أنني غير مهتم بالقصة أصلاً.. لكنه ينصرف وهو يرغي ويزبد، وينعى ضياع المروءة والشهامة.. في اليوم التالي أقابل بعض الأصدقاء في العمل فيقول أحدهم: ـ «هل سمعت قصة الأستاذ زكريا؟.. الرجل ترك قطعة من التورتة في الثلاجة فأكلتها زوجته»! أسألهم في دهشة من أين عرفوا هذه التفاصيل، فيقولون في مرح: ـ «الأستاذ زكريا نفسه»! أهرع إلى الهاتف واتصل بزكريا لأقول له إن كل الناس يعرفون القصة.. منه هو شخصياً، فيقول في غضب: ـ «يتكلمون عن بيتي وعرضي وأنت تشاركهم هذا الحفل!.. هذا آخر شيء تصورته.. وحتى لو كنت أنا الذي أخبرتهم، فما هي المشكلة؟.. هذه أسراري يا أخي، ومن حقي التصرف بها كما أتصرف بمالي.. أنفقه بالشكل الذي أريده»! أضع السماعة شاعراً بالدوار من هذه اللعبة النفسية المعقدة.. الناس يحبون أن يشعرون أن لديهم أسراراً خطيرة، فهذا يرفع تقديرهم لأنفسهم، دعك من منحهم الفرصة للعب القط والفأر مع السذج من أمثالي. هنا يأتي ذلك الصديق ليقول لي: ـ «من المفترض ألا أخبرك بما سأقول فهو من أدق أسراري، لكنني أشعر أن بوسعي أن أثق بك.. القصة هي.... لكن.. إلى أين تهرب؟.. ماذا أصابك بالضبط»؟ د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©