الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطاب أوباما.. وإرهاصات الاستقطاب العالمي الجديد

خطاب أوباما.. وإرهاصات الاستقطاب العالمي الجديد
31 مايو 2014 23:46
ريتشارد باركر محلل سياسي أميركي وخبير في الاستراتيجيات العسكرية على الرغم من الآمال العِراض التي يعلّقها الرئيس أوباما على السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن شيئاً واحداً كان بارز الوضوح في المشهد الذي آلت إليه إدارته، ويتلخص في أن عصر النفوذ والسيطرة الأميركية في العالم قد ولّى وانتهى. ولم يكن أيٌّ مما قاله في خطابه الأخير يبرّر النهاية المفجعة للنفوذ الخارجي الأميركي. ولاشك أنه يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حدث، إلا أن الكونجرس يتحمل بدوره هو أيضاً جزءاً منها. ولابد من التوقف عند نقطة مهمة في هذا الصدد، فالعالم ذاته يتغير، ويمكن القول إن فترة العشرين عاماً من الجموح الاقتصادي والعسكري الذي ميز السياسة الخارجية الأميركية، قد أشرفت على نهايتها. وكاد خطاب أوباما في قاعدة «وست بوينت» العسكرية يوم الأربعاء الماضي، كما هي حال كل خطاباته، يقتصر على الكلام المنمّق الجميل، إلا أنه لم يكن كافياً لقذف الكرة إلى الأمام. وقد آثر عدم الابتعاد عن الاهتمامات والطموحات الأميركية في قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وواصل التركيز على مصير البقيّة الباقية من فلول تنظيم «القاعدة». وبالنسبة لهذا الرئيس الذي يرفع شعار «ما كل مشكلة يجب اعتبارها مسماراً»، فقد وقع في تناقضات عندما ركّز في خطابه بشكل أساسي على «مسمار الإرهاب» واستخدام مطرقة القوة في مواجهته. ويجب الانتباه إلى أن معظم التطورات التي يشهدها العالم اليوم تحدث في مكان آخر غير الذي حظي باهتمام أوباما. وذلك لأن الأمور لم تعد تتطوّر في الاتجاه المعاكس لرغبات واشنطن فحسب، بل أصبح هناك انزياح تركيبي حاسم في مراكز القوى العالمية. ففي أوروبا مثلاً، يمكن القول إن الحكومة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين، ربحت معركة أوكرانيا. وقد اتضح من خلال مجريات الأحداث الأخيرة أن الرئيس الأوكراني الجديد بعيد عن الواقع. وقد نجح بوتين ليس فقط في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، بل أيضاً في زعزعة استقرار تلك الدولة التي تشكل الحاجز الطبيعي بين روسيا من جهة، وأوروبا والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية. وتُعدّ الانتخابات التي تم تنظيمها في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا مثالاً حيّاً عن أوروبا التي أصبحت تبتعد شيئاً فشيئاً عن التحالف مع أميركا. وقد وجدت روسيا والصين من خلال صفقة الغاز الدسمة التي أُبرمت بينهما مؤخراً، أنهما أصبحتا أكثر استعداداً للتحالف ضد النفوذ الأميركي من أي وقت مضى. وبدورها، عمدت الصين إلى رفض أي تحالف تقوده أميركا في آسيا أو ما يسميه الصينيون «المحور الخُرافي». ومن ذلك أن الصين تواصل الآن مطالبة فيتنام بأراضٍ متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وفي أماكن أخرى من العالم، باتت التطورات الاقتصادية والسياسية تتجاوز بأشواط بعيدة قدرة الولايات المتحدة على التأثير فيها. ففي سوريا مثلاً، ما زالت الحرب الأهلية المريعة التي يقودها نظام الأسد متواصلة. وتعمل الصين الآن على تقوية أواصر العلاقات المتينة الدائمة مع العديد من دول أفريقيا عن طريق تقديم المساعدات المالية السخيّة. ويضاف إلى كل ذلك، أن العلاقات الأميركية مع معظم دول أميركا اللاتينية أصبحت أوهى من خيوط العنكبوت، ولا تحظى بأي اهتمام من الإدارة الأميركية نفسها. ولم يعد مصير اتفاقيات التجارة الحرة التي تهدف إلى اجتذاب المزيد من الدول إلى فلك التحالف الاقتصادي العالمي الذي تقوده أميركا، حبيسة تحت أقبية الكونجرس، بل يمكن القول إن هذه الاتفاقيات انتهت وماتت، وأصبحت الدول المشاركة فيها، ترى من المؤشرات ما يدل على أن إدارة أوباما لم تعد تمثل الشريك الصالح للعمل والإنجاز. وستبحث تلك الدول الآن عن الطرف البديل الذي يمكنه أن يقدم لها فرصاً جديدة. ولم يتمكن أوباما من تقديم صورة مترابطة لموقع أميركا الراهن في العالم بعد سلسلة الحروب التي خاضتها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001 ولم تحقق فيها أي انتصار على الإطلاق. ونتيجة لكل ذلك، لم يتمكن الرئيس ولا الكونجرس من توضيح الرؤية الأميركية الحقيقية للعولمة التي بدأ الحديث عنها قبل نحو 25 عاماً، والتي كان من المفترض أن تمثل نظاماً عالمياً يتميز باقتصاد ومواقف سياسية وأمنية يضمنها الأميركيون بشرط أن تحقق مصالحهم. وفي هذا الوقت بالذات، يمكن القول، ببساطة، إن العالم قد تغيّر. ومما قاله أوباما في خطاب الأربعاء في وست بوينت: «يجب أن تحتفظ أميركا بشكل دائم بموقعها كدولة قائدة للعالم». ويمكن للأميركيين أن يوافقوه على هذا الطرح، إلا أن الشيء الذي أهمله خلال فترة رئاسته هو أنه كان بعيداً عن الواقع في معالجة مشكلة انحسار النفوذ الخارجي الأميركي. ومن الأشياء الأخرى التي أسقطها من الحساب السعي للتفاعل مع التطورات العالمية والتعامل معها، بدلاً من محاولة تشكيلها وقولبتها على الطريقة الأميركية. وأصبحنا نعيش الآن في عالم متعدد الأقطاب، وهو أمر ما كنا نتوقعه خلال العقدين الماضيين، ويمثل ظاهرة تحمل في طياتها الكثير من عناصر المفاجأة والخطر. وربما تمثل السنوات القليلة المقبلة الوقت المناسب لللأميركيين لاستعادة مكانهم في العالم بطريقة تنطوي على القناعة أكثر من الطموح.وتحتاج أميركا الآن لتبنّي رؤية واستراتيجية جديدة يمكنها أن تذهب إلى أبعد بكثير من تلك التي تناولها الرئيس في خطاب «وست بوينت». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم سي تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©