الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصفقة الدولية الكبرى : مقايضات مترابطة!

الصفقة الدولية الكبرى : مقايضات مترابطة!
24 نوفمبر 2008 02:21
يقف العالم في الوقت الراهن، على أعتاب أضخم تحول في ميزان القوى والنفوذ العالمي يتم على مدار قرن من الزمان· ولإدارة هذه الثورة الهادئة فإن الأمر يتطلب -على الأقل- نظاماً عالمياً جديداً، ومراجعة جذرية للمؤسسات القائمة، والأنماط المستخدمة في إدارة الأعمال، والتفكير بطرق خلاقة وبقدر كبير من سعة الأفق· فقبل بضعة أيام، اجتمع قادة ''مجموعة العشرين''التي تضم كبريات القوى الاقتصادية في العالم، في العاصمة الأميركية واشنطن، لصياغة ''بريتون وودز -،''2 أي إنشاء بنية مالية عالمية جديدة· والمؤسستان العالميتان اللتان تم إنشاؤهما بموجب ''بريتون وود -''1 منذ جيلين تقريباً، وهما البنك وصندوق النقد الدوليان، وإن كانتا قد أدتا ما هو مطلوب منهما عبر السنين، لكنها للأسف الشديد أصبحتا غير كافيتين لمواجهة التحديات المالية العولمية للقرن الحادي والعشرين· و''مجموعة العشرين'' التي جاءت متأخرة كثيراً عن موعدها، والتي لم تمض إلى الحد المطلوب منها حتى الآن، لم تحقق سوى تقدم متواضع في معالجة الأزمة المالية المباشرة، ولم تلامس سوى جزء يسير من التحديات الأصعب المتعلقة بالإصلاح المؤسسي في الاجتماع الأخير· يتبين هذا بوضوح من خلال خطة العمل التي أعلنت يوم السبت الماضي في تلك القمة، والتي كانت في الجزء الأكبر منها -وكما كان متوقعاً- مجموعة غامضة من الأهداف العريضة· والقمة الأخيرة فشلت لسبيين رئيسيين: الأول، أنه لم تكن هناك آليات واضحة -سواء في صندوق النقد الدولي أوغيره من المؤسسات والأجهزة- لتنظيم المؤسسات المالية الحكومية (ناهيك بالطبع عن المؤسسات شبه الحكومية مثل صناديق الثروة السيادية)· والثاني، أن قادة الدول ذات النفوذ، مثل الصين والهند والبرازيل، أعربت خلال القمة عن عدم اهتمامها بالمشاركة في مؤسسات تهيمن عليها القوى الغربية· وكانت الحجة التي استندت إليها دول مثل الهند والصين تقول: ما الذي يدعونا في الأصل إلى الاهتمام بصندوق النقد الدولي، رغم أن نسبة أصواتنا فيه لا تزيد عن 5% من مجموع أصوات الدول المشاركة فيه، ورغم أن الدول الأوروبية هي من يقوده ويحدد اتجاهه وقراراته، بينما تقوم أميركا بالشيء نفسه في البنك الدولي! لذلك فإنه لا يمكن صياغة ''بريتون وودز'' جديدة، إلا من خلال تخلي الأوروبيين والأميركيين، طواعية، عن اتفاقهم الضمني بشأن حجز الوظائف العليا في البنك والصندوق لموظفيهما، واقتراح مشروع يتم من خلاله إعادة النظر في الأوزان التصويتية داخل المؤسستين، سعياً لمنح القوى الاقتصادية الصاعدة نصيباً ودوراً أكبر· ولا شك أن إجراءً من ذلك النوع سيمهد الطريق لتعزيز أدوار صندوق النقد الدولي في جمع وتوزيع المعلومات المالية، وتنمية المعايير والأرقام الكودية القابلة للتطبيق في البنوك وصناديق الثروة السيادية، وتعزيز الإشراف على النظام المالي في الساحة الدولية، وفي كل دولة على حدة، بالتعاون مع البنوك المركزية· ولمنح النظام الجديد مزيداً من النفوذ السياسي، يجب منح مجموعة الدول العشرين ذاتها تفويضاً أقوى من أجل إنجاز عملية تعزيز وضع البنك الدولي· والحقيقة أن هذه الإجراءات لا تحقق الأهداف المتوخاة منها، لأن المطلوب ليس فقط إصلاح الآليات، وإنما إجراء إصلاحات شاملة للمؤسسات التي تحكم التجارة والطاقة والبيئة ومساعدات التنمية· وعندما يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، مهام الرئاسة، فإن إدارته الجديدة يجب أن تقبض على ''لحظة بريتون وودز الجديدة''، أي على ذلك الإدراك المتنامي، في مختلف أنحاء المعمورة، لحقيقة أن العالم بات في حاجة لصياغة نظام جديد، أي لتفصيل وتطوير رؤية أوسع نطاقاً، يمكن أن يلتف الآخرون حولها· لكن كيف نبدأ؟ كما قال الرئيس دوايت أيزنهاور ذات مرة، عندما تكون هناك مشكلة غير قابلة للحل فإن أفضل ما يمكن عمله في مثل هذه الحالة هو توسيعها· أما حل هذه المشكلة بالتقسيط، أو بمعزل عن غيرها، فلن يجدي نفعاً· الحل يكمن في ''صفقة عالمية كبرى'' أو في مجموعة من المقايضات المرتبطة بعضها ببعض على نحو فضفاض، يمكن للولايات المتحدة وأوروبا بموجبه منح بعض التنازلات حول جولة مباحثات الدوحة وتشجيع البرازيل والصين على أن تحذو حذوهما، وإقناع الصين من خلالها باتخاذ خطوات صعبة اقتصادياً، بغرض إنقاص إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو· يمكن تحقيق اختراقات مبكرة في بعض المجالات، ومن ذلك عقد صفقة بشأن التغير المناخي يتم بموجبها إشراك الصين والهند، وإنشاء صندوق عالمي للبدء في خطة تتعلق بفطامنا عن أنواع الوقود الأحفوري· ويجب أن يكون مفهوماً في سياق ذلك كله أن خلق نظام عالمي جديد، ليس من نوعية تلك المشروعات التي تحتاج إلى شهور قليلة لتنفيذها، كما أنه ليس مجرد تسوية متفاوض عليها، أو معاهدة واحدة أو مؤسسة واحدة، وإنما عبارة عن مجموعة مرنة من التنازلات المتبادلة وسط عشرات الدول الرئيسية، يتم التوصل إليها ثم تطويرها شيئاً فشيئاً· تماماً مثلما احتاج النظام الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية ما يقرب من عقد من الزمان حتى يتم وضعه موضع التنفيذ، وهو ما يعني أن النظام الدولي الجديد يجب أن يكون هكذا، وأن يتم تكوينه وتطويره وإنجازه على مدى سنوات· وفي اجتماع قمة العشرين الأسبوع الماضي، اتفق قادة على تنظيم اجتماع آخر في موعد قالوا إنه لن يتأخر عن إبريل المقبل، وهو موعد يوفر لإدارة أوباما فرصة مثالية للبدء في إعادة صناعة مجموعة العشرين كمنتدى مرن لإنجاز هذه الصفقة الكبرى، والإشراف على تنفيذها، ليس من خلال استبدال المنظومات الحالية مثل الأمم المتحدة، وإنما من خلال العمل كمؤسسة توجيه للدول الأكثر قوة في هذا العالم· روبرت هتشينجز دبلوماسي مقيم في مدرسة ويدرو ويلسون ـ جامعة برنستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©