الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العبد بين الخوف والرجاء

العبد بين الخوف والرجاء
5 أغسطس 2010 21:42
يروي الإمام البيهقي في شعب الإيمان بسند حسن «أن رجلين يوم القيامة يخرجان من النار، فيقول الله تبارك وتعالى لهما: كيف وجدتما مقيلكما وسوء مصيركما؟ فيقولان شر مقيل وأسوأ مصير فيقول الله تبارك وتعالى: ذلك بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد. فيأمر الحق سبحانه بردهما إلى النار. فأما أحدهما فيبادر إليها، وأما الآخر فيتوقف، فيقول الله تعالى لمن بادر منهما ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول يا رب عصيتك في الدنيا أفأعصيك في الآخرة ؟ ويقول للذى توقف، ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول، حسن ظني بك يا رب. حين أخرجتني منها ألا تعيدني إليها، فيرحمهما الله ويأمر بهما إلى الجنة. إن التأمل في هذا الأثر والتدبر في معانيه ومراميه يقود الإنسان إلى التعرف على منزلة ينبغي أن تكون بين العبد وربه، ألا وهي منزلة الرجاء، والذي يعني استبشار الإنسان بفضل الله تعالى، والثقة في إحسانه حيث يتوقف في قوته على يقين المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته العلية، وسبق رحمته لغضبه. ولولاه كما يقول ابن القيم لعطلت عبودية القلب والجوارح، ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات، وما تحركت الجوارح بالعبادة والطاعة، ولا غرابة في هذا، فالرجاء من صفات المتقين الذين قال الله فيهم (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) الإسراء 57 . والرجاء كذلك صفة جعلها الحق سبحانه هيئة راسخة لعباد الرحمن الذين قال فيهم (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) إلى أن قال (والذين يقولون ربنا أصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً) الفرقان 65. وعلى هذا فالرجاء ضروري للعبد إذ هو كما قيل دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعمل صالح يأمل قبوله، وعيب يبغى إصلاحه، واستقامة يرجو حصولها ودوامها، ومنزلة عند الله يرجو الوصول إليها، ولا ينفك إنسان في علاقته مع الله عن هذه الأمور أو أحدها، لهذا استحق أهل الرجاء المدح والثناء من الله عليهم، حيث قال سبحانه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب 21. وروى الإمام الترمذي في سننه، أن رب العزة يقول في حديثه القدسي ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) . بل إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم على الرجاء وحسن الظن بالله، فقد روى أبو داوود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصى ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك). كذلك نجد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدبرون آيات القرآن الكريم بحثاً عن آيات الرجاء والمعافاة، فيقول الصديق لقد قرأت كتاب الله كله فلم أجد أرجى من قوله تعالى ( قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) الإسراء 84 . ويقول الفاروق عمر «لقد قرأت القرآن كله فلم أجد أرجى من قوله تعالى (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) غافر 3. ويقول عثمان بن عفان «قرأت القرآن كله فلم أجد أرجى من قوله تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) الحجر 49 . ويقول الإمام على كرم الله وجهه «قرأت القرآن كله فلم أجد أرجى من قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) الزمر 53 . ورجاء العبد في ربه نوعان: أحدهما محمود والآخر مذموم، أما المحمود فعمل العبد بطاعة يرجو ثوابها من الله، أو الإلمام بذنب تعقبه توبة يرجو صاحبها مغفرة الله، وأما المذموم فهو التمادي في الظنون والخطايا ومع ذلك يرجو صاحبه الرحمة بلا عمل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله. وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل). د. محمد عبدالرحيم البيومي أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©