الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اكتساب اللغة مهارة

اكتساب اللغة مهارة
25 نوفمبر 2008 01:16
تحاول أم غيث فك ''الطلاسم'' التي يلفظها طفلها الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، راغبة في تذليل الصعوبات التي يواجهها في التعبير عن احتياجاته، لكنها في الوقت نفسه لا تنفك تقارنه بأقرانه الذين بدؤوا في تكوين جمل مفيدة وواضحة للتواصل مع المحيطين بهم، فيما يراوح غيث مكانه في لفظ كلمتين صحيحتين لا غير ماما وبابا، لاجئا إلى الإيماءات والإيحاءات الجسدية التي أضحت وسيلة قد لا تكون ناجعة في كل الأوقات للدلالة على أمر ما· بدأت أم غيث ووالده مشوار البحث عن الوسائل العلاجية التي تساعد في إطلاق لسان الصغير· ويقول أخصائي اضطرابات اللغة والنطق ناظم فوزي إن هناك اختلافا بين العلماء حول كيفية اكتساب الطفل اللغة والكلام فالبعض يشير إلى أنه عملية تعلم وبأن التواصل اللغوي والكلامي سلوك يتعلمه الطفل من خلال محاكاة وتقليد المحيطين به، بينما يصر البعض الآخر على أن الإنسان يولد ولديه استعداد فطري لاكتساب اللغة والكلام وبأن لديه آلية معينة في الدماغ تمكنه من ذلك، لافتا إلى أن الباحثين أطلقوا على هذا الأداة مسمى : أداة اكتساب اللغة Language Acquisition Device . وذهب آخرون إلى تبني مفهوم مفاده أن عملية اكتساب اللغة عملية إبداعية، وبأن تطور القدرات العقلية والإدراكية في السنوات الأولى في حياة الطفل يساعده على اكتساب وتعلم اللغة والكلام · ويبين فوزي أن أصحاب الرأي الأخير يعترفون بوجود تنظيمات لغوية داخلية أولية تولد مع الطفل تساعده على اكتساب اللغة والكلام بعد تطويرها اعتمادا على تفاعل الطفل مع البيئة التي يعيش بها· مراحل تطور الكلام يؤكد فوزي أن تطور اللغة والكلام عند جميع الأطفال متشابه مهما اختلفت اللغة فالطفل في الصين يكتسب اللغة بنفس المراحل التي يكتسبها الطفل في الإمارات أو أي بلد آخر، مشيرا إلى أن الطفل في سن ثلاثة شهور يخرج أصواتاً بسيطة يسميها البعض أصوات ''الهديل''· وفي سن ستة شهور تبدأ مرحلة مهمة جدا في التطور اللغوي تسمى مرحلة ''المناغاة'' حيث تتحول الأصوات إلى مقاطع لفظية بسيطة مثل ''با- با- ما'' وتستمر هذه المقاطع في التطور لتصبح مقاطع لفظية ثنائية أكثر تعقيدا· وفي سن تسعة شهور يبدأ الطفل في التأشير بإصبعه على شيء في مرمى بصره يرغب به· وما أن يتم السنة الأولى من عمره حتى يكون الطفل الكلمة الأولى· وما بين سن السنة والسنة والنصف تبدأ الكثير من الكلمات في الظهور إلا أنها تكون غير واضحة وتستطيع الأم فقط فهمه ويطلق الباحثون عليها مسمى كلام Jargon وهي في معظمها كلمات لأسماء أشياء مألوفة يسميها الطفل بكلماته الخاصة· وبنهاية هذه المرحلة، يقول فوزي إن الطفل يبدأ في إعادة الكلمات التي يسمعها من المحيطين به ويطلق الباحثون على هذه الظاهرة مسمى ''كلام الصدى أو Echolalia ''. وعندما يتم الطفل عشرين شهرا من عمره تبدأ مرحلة جديدة في الكلام تسمى مرحلة ''الجمع بين كلمتين'' وفيها ينتج عبارات بسيطة مختصره لذلك يسميها الباحثين ''بالكلام التجلرافي''·وبعد ذلك يبدأ الطفل في إنتاج جمل مكونة من ثلاث كلمات· ويتابع الطفل اكتساب اللغة والكلام وما أن يصل إلى سن الثلاث سنوات حتى يبدأ في استعمال القواعد اللغوية في الكلام بمعنى استعمال صيغ التأنيث والتذكير والجمع(···)· ويضيف أن الطفل يتابع تطوره اللغوي حتى سن ست سنوات فيكون قد اكتسب الجزء الأعظم من اللغة وبذلك يلتحق في الصف الأول وهو مزود بحصيلة ومهارات لغوية تعبيرية واستقبالية تمكنه من تعلم المهارات الأكاديمية الأساسية كالقراءة، والكتابة، والمهارات الأخرى· عوامل اكتساب الكلام يذكر فوزي أن العديد من العوامل والظروف تتدخل في سرعة ومقدار تعلم واكتساب اللغة والكلام عند الطفل ومنها: - القدرات العقلية : فهناك ارتباط وثيق جدا بين القدرات العقلية واكتساب اللغة والكلام· - سلامة الحواس وأهمها حاسة السمع· - البيئة المحفزة التي تساعد وتمكن الطفل من اكتساب وتعلم اللغة والكلام؛ فاللغة سلوك إنساني ولا تكتسب بمعزل عن الآخرين وبشكل خاص أسرة الطفل والمحيطين به · - الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة والكلام · ويطلق عليه البعض مسمى ''الملكة اللغوية'' وهي الاستعداد الفطري عند الطفل لتعلم اللغة ويشمل ذلك الاستعداد الذهني أو العقلي الذي يمكن الدماغ من القيام بوظائفه في تعلم اللغة من خلال التعامل مع المدركات الحسية (المعلومات ) الواردة إلى الدماغ من الحواس المختلفة لاسيما حاستي السمع والبصر، والقدرة على تصنيف وتخزين واسترجاع هذه المعلومات أو المدركات، ويشمل كذلك القدرة على ملاحظة وتقليد الآخرين في نطق أو ترديد النماذج اللغوية· ويلفت فوزي إلى أنه ليس من السهل تحديد سبب تأخر الطفل في اكتساب اللغة والكلام أو الإخفاق في تعلمها، فعند عدد من الأطفال يبقى السبب غير معروف حتى مع اتباع أدق الوسائل في التشخيص والتقييم· إلا أن العلاج وطرق التعامل مع المشكلة معروف ومحدد وإن كانت الأسباب غير معروفة· أنواع اضطرابات اكتساب اللغة يقول فوزي إن المختصين في اضطرابات اللغة والكلام قسموا الاضطرابات اللغوية عند الأطفال إلى مجموعتين أساسيتين: المجموعة الأولى: تسمى ''الاضطرابات اللغوية الأساسية''، ويدرج فيها الأطفال الذين يعانون من اضطرابات لغوية وكلامية فقط دون وجود اضطرابات أخرى يكون من نتائجها التأخر أو الإخفاق في اكتساب اللغة والكلام أو اكتساب هذه المهارة بشكل غير سوي· ويطلق المختصون على اضطراب اللغة عند هذه الفئة من الأطفال مسمى ''اضطراب اللغة المحدد (Specific Language Disorder''( SLD'' . في حين يكون سبب الاضطراب اللغوي والكلامي واضحا لدى الطفل في المجموعة الثانية حيث يعاني من اضطراب أو إعاقة أو صعوبة محددة، وتكون مشكلة اللغة أو التأخر في اكتسابها ناتجا عن ذلك الاضطراب أو الإعاقة أي أن اضطراب اللغة هو ثانوي للمشكلة الأساسية التي يعاني منها الطفل ومن هنا جاءت التسمية باضطرابات اللغة ''الثانوية''· ويوضح فوزي أن من أهم الإعاقات أو الاضطرابات أو الصعوبات التي تتسبب في حدوث تأخر أو عجز في اكتساب اللغة والكلام ضعف أو فقدان حاسة السمع (Hearing Loss) حيث تختلف الصعوبات اللغوية والكلامية في حالة الإصابة بضعف أو فقدان السمع من طفل إلى آخر، إذ يعتمد الأمر على مجموعة كبيرة من العوامل من بينها: وقت حدوث ضعف أو فقدان السمع؛ فالطفل الذي يولد وهو مصاب بأضرار في حاسة السمع أو أن الإصابة تقع في الأشهر الأولى من عمره تختلف مشكلة اللغة والكلام عن الطفل الذي يصاب بعد السنة الثالثة من حياته أو بعد اكتساب قدر معقول من اللغة والكلام، ففي الحالة الأولى تكون مشكلة اللغة أشد· التدخل المبكر: يعتبر التدخل المبكر في الإعاقة السمعية أمرا أساسيا في تمكين الطفل من تعلم واكتساب اللغة والكلام حتى وإن كانت الإصابة بحاسة السمع شديدة· ففي التدخل المبكر يزود الطفل بمعين سمعي مناسب للمشكلة التي يعاني منها، وتعد له خطة علاجية وتأهيلية يكون من نتائجها مساعدته على اكتساب اللغة· شدة الإصابة بحاسة السمع؛ فالطفل الذي يعاني من ضعف بسيط في السمع (لا يتجاوز مستوى 40 ديسبل dB) يختلف عن الطفل الذي يعاني من فقدان السمع الشديد أو العميق (يتجاوز مستوى 90 ديسبل dB). ضعف القدرات العقلية، وانخفاض الذكاء، ومن المسلم به لدى جميع المختصين باضطرابات اللغة والكلام بأن الطفل الذي يعاني من انخفاض في القدرات العقلية لابد وأن يعاني من اضطراب في اللغة والعكس ليس صحيحا· بمعنى أن الطفل قد يكون ذو قدرات عقلية عادية ولكنه يعاني من اضطراب في اللغة والكلام· الازدواجية اللغوية: يختلف الباحثون حول موضوع ازدواجية اللغة بمعنى وجود أكثر من لغة في البيت كأن يستخدم الأب لغة تختلف عن اللغة التي تستخدمها الأم، وتأثير ذلك في القدرات اللغوية والكلامية عند الطفل، فالبعض يشير إلى أن وجود لغتين في المحيط الذي يعيش به الطفل لا يؤثر على قدرته على تعلمهما في الوقت نفسه أو تعلم واحدة منهما، وبالمقابل هناك دراسات تشير إلى أن وجود أكثر من لغة في محيط الطفل سيؤثر سلبا على اكتساب اللغة والكلام وذلك تبعا لوجود اختلاف بين الأنظمة اللغوية المستخدمة في كل لغة مثل مبنى الجملة، والقواعد الفونولوجية Phonological Rules وغير ذلك من المظاهر اللغوية· وهذا الاختلاف سيشوش قدرة الطفل على اكتساب اللغة أو يتسبب في حدوث خلط بينهما عند الطفل وبالتالي فقدانه القدرة على اكتساب اللغة· العوامل الوراثية تلعب دورا في التأخر اللغوي استنادا إلى دراسات كشفت عن جينات لها علاقة بالتأخر اللغوي عند الأطفال· كما تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة حدوث التأخر اللغوي عند الأطفال الخدج (المولودون قبل اتمام الشهر التاسع مع الحمل) أعلى بكثير من النسبة التي نجدها عند الأطفال الآخرين· وقد يكون لذلك علاقة بتطور الجهاز العصبي المركزي والإدراك الحسي الذي يكون أبطأ عند فئة الخدج· البيئة وتأثيرها: الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة لا يمكن الطفل لوحدة من تعلم واكتساب اللغة فهناك حاجة لوجود بيئة محفزة تساعده· فالطفل الذي يعيش في بيئة غنية بالمؤثرات اللغوية سيكتسب اللغة والكلام أسرع بكثير من الطفل الذي لا يتعرض للخبرات اللغوية بدرجة كافية حتى وإن كان لا يعاني من صعوبات أو إعاقات حسية·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©