الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رجال الخطوة.. من الأفغاني إلى المريد

رجال الخطوة.. من الأفغاني إلى المريد
6 أكتوبر 2016 11:52
راشد أحمد الجميري يجد الباحث عن تاريخ الظاهرة الصوفية بممارساتها التقليدية من -موالد وحلقات ذكر وعلاقة الشيخ بالمريد- في تاريخ الإمارات، أن من الصعب تحديد فترة تاريخية بعينها. إذ لم يسعفنا تاريخنا المحلي بالكثير من الشواهد والحوادث والأخبار التي قد تساعدنا على تشكيل صورة واضحة عن قصة التصوف في المنطقة. وقد يعود ذلك لندرة التدوين أو ضياع مخطوطات ولكن أشهر توثيق حديث وصلنا يعود الفضل فيه إلى الشاعر والباحث الحاذق الراحل أحمد راشد ثاني (1962-2012م) في سفره الماتع (رحلة إلى الصير) والشاعر خالد البدور لتوثيقه حياة الشيخ عبدالرحيم المريد في إمارة دبي عبر الفيلم السينمائي (المريد) الذي أخرجته الشاعرة والسينمائية نجوم الغانم. تبدأ خيوط الحكاية عندما كان تجار اليمن يذرعون سواحل الخليج والهند ذهاباً وإياباً لقصد التجارة في القرن الثامن عشر، إذ وُجدت إشارات بأن بعض متصوفة اليمن وبالأخص من الفرقة الصوفية العلوية الحدادية سكنت وعاشت لردهة من الزمن في رأس الخيمة. ففي أثناء زيارة أحمد راشد ثاني لصنعاء عام 1995 وقعت عينه على مفردة (الصير) في مخطوطة الرحالة اليمني «علوي بن أحمد بن حسن الحداد» المسماة (المواهب والمنن في مناقب الحسن). وأصدر بعد تلك الرحلة كتاباً سماه (رحلة إلى الصير) يشرح فيه انطباعات ومذكرات العلوي في مخطوطته عن العلماء المتصوفة الذين كانوا يقطنون في الصير ومن أين جاؤوا. فـ«السيد المكاشف الولي البهلوي الملامامتي نور» كان من رجال الخطوة (1) ومن ذرية السيد عبدالقادر الجيلاني وله كشوفات عظيمة وله كرامات وخوارق كثيرة. وكان البهلوي من زوار ضريح زين العابدين، ويمارس (ملامياته) (2) في بعض البلدات التابعة للقواسم، توفي في 1780م ببلدة ضنك (ضنك اليوم هي إحدى ولايات منطقة الظاهرة في سلطنة عمان) وبُنيت عليه قبة. كما يُذكر عن الشيخ العلامة محمد بن روعي الحجازي الذي وُلد في الحجاز وارتحل إلى الإحساء وسكن بباطنة عمان أنه يجيز الطريقتين القادرية والحدادية العلوية (أحمد راشد ثاني، الصير، ص 109). والعلامة الشيخ عماد الدين بن أحمد ياتي من فارس هو وتلاميذه. كما استوطن الصير رجل من المغرب اسمه «محمد بن أبي القاسم المعروف بأبي الطيب المغربي»، وُلد في المدينة من أبوين مغربيين ذهب إلى المغرب ومن ثم إلى حضرموت والتقى عبدالله العلوي «الجد الأكبر» للعلوي بن الحداد صاحب المذكرات، ثم ارتحل إلى الإحساء ثم استقر في الصير وكان مالكيَّ المذهب. كل هذه الإشارات دليل على أنه كانت هناك حركة صوفية نشطة منذ مطلع القرن الثامن عشر ولها امتدادات من حضرموت إلى عمان إلى رأس الخيمة إلى الإحساء (أحمد راشد ثاني، الصير، ص112، بتصرف) ومن مختلف العالم الإسلامي، يشدّون الرحال إلى منطقة الصير. ولم تظهر أي كتابات أو مخطوطات بعد مخطوطة العلوي تُذكر عن حال متصوفة الصير. الرفاعية والقادرية في أواخر القرن التاسع عشر يظهر أتباع الطريقة الرفاعية والقادرية في إمارة دبي يُحيون شعائر المولد النبوي الشريف وحلقات الذكر. حيث وفد إلى دبي رجل يدعى محمد عمر الأفغاني وأكرم الشيخ حشر بن مكتوم بن بطي نُزُله، وسكن في مسجد «الشيخ مبارك» في منطقة الشندغة (من أقدم الأحياء في دبي، وزائر المنطقة اليوم سيرى أهم معالمها القرية التراثية وبيت الشيخ سعيد بن مكتوم) وبدأ في الاعتكاف في المسجد. ولاحظ الناس أن هذا الرجل منقطع للعبادة ولا يغادر المسجد، فوَثَقوا به وطلبوا منه أن يقوم بتدريس أطفالهم القرآن وعلوم الدين. ثم انتقل للإقامة في منطقة الرفاعة في بر دبي، وقد أصبح معروفاً إلى درجة أن الموضع الذي سكنه كانت به بعض أشجار السدر وقد سُميت بعد ذلك بـ«سدر السيد» (3)، ومن هناك بدأت سمعة الأفغاني تنتشر في القرى والبلدات المجاورة. في تلك الفترة الزمنية، كانت سلطنة عمان أيضا تقيم الموالد النبوية وحلقات الذكر التي يقيمها المتصوفة (4)، وبالأخص في مناطق الباطنة. ومن أشهرهم الشيخ السيد أحمد الهاشمي من علماء ولاية المصنعة يجمع أتباعه في منزله، حيث تُقام حلق الذكر والموالد النبوية (5). ومن بين هؤلاء الحضور رجل يدعى «أحمد» وابنه عبدالله. تنامى إلى سمعهم وجود السيد محمد عمر الأفغاني في دبي، فشد الابن عبدالله إليه الرحال في عام 1880م (6). ونزل عند مقره في بر دبي والقريب من حصن الفهيدي (متحف دبي حالياً)، فرحب به وأصبح مريداً للسيد محمد عمر الأفغاني. بقي الشيخ عبدالله بن أحمد خادماً للسيد وفي معيته وفرقته الصوفية وأحد كبار أتباعه، حتى أطلق لقبه الأفغاني بـ«المريد» (تعنى في الأدبيات الصوفية: مَن انقطع إلى الله عن نظر واستبصار وتجرد عن إرادته، لما علم أنه ما يقع في الوجود إلا ما يريد الله تعالى، لا ما يريده غيره، فيمحو إرادته، فلا يريد إلا ما يريده الحق. للمزيد راجع: الدكتور عبدالمنعم الحنفي، الموسوعة الصوفية، مصر، مكتبة المدبولي، 2006، ص 1262)، وكان في ما بعد لعبدالله المريد وابنه الشيخ عبدالرحيم المريد شأن عظيم في تاريخ الصوفية في دبي. يروي كودري في مذكراته (7) أثناء قيامه برحلة إلى إمارات الساحل المتصالح: «ففي اليوم السادس من عام 1954م في دبي، سنحت لي الفرصة لمعاينة العديد من الاحتفالات الغريبة. وكان أغربها طقس تؤديه جماعة من الصوفية. جرى الحفل ليلاً، وقاده زعيم ديني كبير في السن، ذو لحية كثيفة مصبوغة بالحناء، ويعاونه اثنان من أبنائه. وكان أغلب الحاضرين من الزنوج والإيرانيين والعرب والبلوش. وكان الحاضرون يجلسون على سجاد مفروش تحت النخل، مصطفّين في صفّين متقابلين. وفي صف، كان الرجال يحملون طبولاً صغيرة، يدفئونها على نار الفحم. ويشرح كودري تفاصيل طقس المالد، فيقول: «وعلى دقات بطيئة وعالية، بدأ الصفان ينشدان باللغة العربية، وأخذ كل واحد يشد على يد زميله، ويقفون على ركبهم ومن ثم على أقدامهم، وينظرون أعلى، كما لو أنهم ينادون السماء». لم يقتصر دور الأفغاني على دبي فقط، وإنما امتد إلى ولاية بخا في مسندم، إذ يذكر ابن محفوظ الخزرجي في كتابه البديع: «القول المنظم في معرفة علماء محافظة مسندم». إن الأفغاني استقر فترة في ولاية بخا وعمل أوراداً وذكراً والتفّ حوله خلق كثير، حتى العلماء. كما امتدحه بعض العلماء من أمثال الشيخ حسن بن محمد الخزرجي قاضي دبي، والشيخ سيف بن هلال ابن الشويمر من دبي، والشيخ علي علي الشحي من بخا. وقد مدحه الفقيه محمد بن حمود الشحي (نسبة إلى قبيلة الشحوح القاطنة في إمارة رأس الخيمة، راجع: فالح حنظل، الشحوح وتاريخ منطقة رؤوس الجبال في الخليج العربي، الطبعة الأولى، ص311 )، في قصيدة يقول فيها: أنت الذي سُميت محمد عمر سلالة صفوة القهار حُزت السيادة والكَرامة والتُّقى والفضل والإمداد بالتذكار والنور عَمّ جميع أرضكم التي حازت بك البركات بالأسرار وكذا الملائكة الكرام تحفّ من بالذكر عجَّ ولاذ بالأذكار بالذكر يحيا كل قلب غافل يا فوز من للذكر في إجهار توفِّي الأفغاني في سنة 1916م، ثم أصبح عبدالله المريد هو شيخ الطريقة الصوفية، ثم توفي عبدالله في الستينيات من القرن العشرين، ليخلفه ابنه الشيخ عبدالرحيم المريد. نقلة نوعية أحدث الشيخ عبدالرحيم المريد نقلة نوعية في فن المالد، إذا ذهب إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، وتقدم بطلب تأسيس جمعية دبي للفنون الشعبية، وقد تمت الموافقة وتشكلت الجمعية التي وفرت الدعم لجميع الفنون التقليدية، وحينها تشكلت لأول مرة وبشكل رسمي فرقة خاصة بالمالد تحت اسم «فرقة المريد للمالد» وكانت تعمل تحت مظلة جمعية دبي للفنون الشعبية. بتكوين هذه الفرقة أصبح للموالد وللمرة الأولى شخصية اعتبارية وتنظيمية. يكشف هذا عن بعد نظر الشيخ مبكراً لنقل إقامة الموالد من مجرد حلقات خاصة في البيوت إلى أن تكون ذات إطار رسمي يعزز من دورها في المجتمع كما يسهم في إدارة العمل ضمن إطار تنظيمي، وقد أسهم ذلك في تسهيل العمل على أفراد المالد وازدياد الطلب على إقامة الموالد وحفظ حقوق المؤدين من خلال حصولهم على مكافآت المشاركة في إحياء الأعراس، مما ساعد على بقاء هذا الفن (8) إلى يومنا هذا. إحالات وهوامش: (1) أهل الخطوة: رجال من الصوفية الذين بإمكانهم طي المكان وقطع المسافات بلا سفر، أحمد راشد ثاني، رحلة إلى الصير، أبوظبي، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، 2007، ص54. (2) الملاماتية طريقة من طرق الصوفية، نسبة إلى لوم النفس لأن أتباعها يكثرون من لوم أنفسهم، وقيل إنها ترجع إلى اسم ناشر مبادئ هذه الطريقة وهو أبو حفص الحداد الملاماتي، المتوفَّى سنة 264 هجرية، راجع: ممدوح الزوبي، الطرق الصوفية: ظروف النشأة وطبيعة الدور، سوريا (دمشق) 2004، الطبعة الأولى، الأهالي للطباعة والنشر، ص97. (3) خالد البدور، صفحات من تاريخ الصوفية بدولة الإمارات العربية المتحدة، سيرة الشيخ عبدالرحيم المريد، 2009. (4) مقابلة حمدان المعمري: أحد مريدي الشيخ عبدالرحيم المريد في عمان ومؤسس فرقة المريد التراثية للمولد النبوي، في مقابلة 26/‏11/‏2010م – لوى – سلطنة عمان. (5) خالد البدور، مقالة غير منشورة، حول حياة الشيخ عبدالرحيم المريد. (6) عبدالغفار حسين، رحيل الصوفي الكبير وزعيم المالد الشيخ عبدالرحيم المريد، مقال، جريدة الخليج، أكتوبر 2007. (7) انظر النص كاملاً في مجلة «ناشونيال جيوجرافيك» العربية، عدد ديسمبر 2010، عنوان المقال: الإمارات في أرشيف ناشيونال جيوجرافك – إمارات الساحل المتصالح، ص 42 - 43. (8) خالد البدور، صفحات من تاريخ الصوفية بدولة الإمارات العربية المتحدة. أول توثيق أشهر توثيق حديث وصلنا يعود الفضل فيه للشاعر والباحث الحاذق الراحل أحمد راشد ثاني (1962-2012م) في سفره الماتع (رحلة إلى الصير) والشاعر خالد البدور لتوثيقه حياة الشيخ عبدالرحيم المريد في إمارة دبي عبر عن الفيلم السينمائي (المريد) الذي أخرجته الشاعرة والسينمائية نجوم الغانم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©