جمع الطوابع البريدية

تهمس، رجاء عبدالصمد، إلى أمها وهي تطالع رسالة قصيرة على شاشة هاتفها النقال: ''أخبار الأهل والأصدقاء صارت في متناولنا كأننا نعيش معهم، فكل تفاصيل حياتهم نتلقاها عن طريق الرسائل القصيرة بواسطة المحمول، أو ما تتيحه الشبكة العنكبوتية من وسائل اتصال، تجيب والدتها: ''آه، على أيام زمان، كانت تنقطع أخبارنا عن العالم، وكنا ننتظر شهوراً حتى يطرق ساعي البريد أبوابنا، يحمل لنا رسالة يضمنها الأهل لوعة فراق وأشواقا وحنينا أو خبرا عن تفاصيل حياتهم، كنا نسعد باستقباله كثيرا وحفظنا وقت مروره في حينا''· تروي الأم قصصاً عالقة بذاكرتها، لم تستوعب منها الفتاة إلا القليل، تعاتب ابنتها وتقول لها ''صدق من قال إنكم جيل عصر السرعة''· وتضيف ''كانت متعة كبيرة في استقبال الرسائل وقراءتها وكتابتها، بحيث كنا نبحث عن العبارات الجميلة، ونتنافس في كتابة أروع ما بحوزتنا من كلام حب وأشواق، و كم اشترينا من كتب الرسائل الجاهزة لنستعين بها، ونخط أجمل ما عندنا، ونمزجه مع ما يحتويه الكتيب من عبارات تسلب القارئ فكره، وتسرح به في عالم العبارات الرنانة، أتاحت لنا ربط علاقات وصداقات مع أشخاص من مختلف الأقطار، ولا زلت أحتفظ بالكثير منها مرصعة بطوابع بريدية لمختلف البلدان، كل تحمل ذكرى ووراءها قصة''· استفهمت الفتاة والدتها عن سر البريد والطوابع البريدية، وعن معنى هواية جمع الطوابع البريدية، والغرض منها، وهل يكون لها حظ في ممارسة هذه الهواية في عصر الالكترونيات؟ الجيد والجميل يفرض نفسه أجابت والدتها ''الجيد والجميل يفرض نفسه في أي مكان وأي زمان، فقط يجب البحث والتنقيب، والوسائل الحالية المتاحة على الشبكة الإلكترونية للمعلومات قد تساعد كثيرا في ممارسة هذه الهواية بطرق تساير العصر''· طرح الموضوع للنقاش، فأجابت نورة خميس (طالبة) ''لا أعرف عن هذه الهواية أي شيء، إلا ما أسمعه من والدتي ووالدي اللذين يتحدثان عن أيام المراسلات عن طريق البريد، وما تحمله من معانٍ سامية عندهما، وأنهما ما زالا يحتفظان بتفاصيلها بين ثنايا أظرفة ضمناها كل نسائم الأشواق، عليها طوابع بريدية شاهدة على عصرهما''· وتضيف ''في نظري، جيلنا غير محظوظ، إذ نتلقى رسائل قصيرة عن طريق النقال أو عن طريق شبكة الانترنت، سريعة الذوبان، بحيث غالبا ما نضطر لمسح بعضها لسبب أو لآخر''· في حين قالت شهد عبد العالي ''لفت انتباهي مرة، حين تلقت إحدى العاملات ببيتنا، وهي من جنسية فلبينية، رسالة عليها طابع بريد بلادهم، واستأذنتها بالاحتفاظ بها، ومن ذاك اليوم بدأت أسأل وأبحث عن ماضي الطوابع وحاضرها، وجمعت كثيرا من القصاصات التي كانت بحوزة أهلي ولا زالوا يحتفظون بها، وسبق أن حضرت صدفة معرضاً خارج البلاد وانبهرت بكل ما أتاح من معلومات وطوابع نادرة تحمل تاريخ بلدان معينة وثقافتها وجغرافيتها وحاضرها كذلك، ورغم أن هوايتي لا زالت فتية فإنني أعتز بها''· وقالت لبنى (طالبة) ''سمعت عن ساعي البريد وكذا الطوابع البريدية والرسائل التي انتظرها الأهل شهورا بأرض المهجر، لكن لم تتح لي الفرصة يوما للاقتراب من هذه الهواية والاطلاع على تفاصيلها وما تحمله بين طياتها من معرفة''· مشاركة وفوز ويعبر السيد عمر محمد أحمد (هاو لجمع الطوابع البريدية) عن اعتزازه الكبير بهذه الهواية التي أغنت تجاربه المعرفية داخل البلد وخارجه، ويقول ''يعتبر جمع الطوابع البريدية هواية تحكي عن ثقافة البلد وعن تاريخه، وتتيح فرص التعريف بمختلف جوانبه الحضارية، وبذلك حرصت على زيارة العديد من المعارض الدولية، ودخلت عدة مسابقات، وفزت بعدة جوائز، كما شاركت بمعرض في قطر يهتم بتاريخ بريد المنامة لإمارة عجمان، الذي ترجع بدايته لسنة 1963 للميلاد، وزرت معرضاً في اندونيسيا كان موضوعه عن الطوابع البريدية في إمارة دبي، وحصلت على ميدالية فضية مذهبة، كما حزت جوائز أخرى بسنغافورة وهونج كونج وتايوان''· هواية الملوك يرجع تأسيس أول مكتب بريد في الإمارات إلى 1909في إمارة دبي ويعود تاريخ بدء العمل بالخدمات البريدية إلى 30 مارس 1963 وخلال عامي 1963 و1964 تم افتتاح مكاتب الشارقة، عجمان، رأس الخيمة وأم القيوين، ويرجع صدور أول طابع بريدي بدولة الإمارات إلى تاريخ 1يناير من سنة 1973 وتلته عدة إصدارات جديدة، وكانت الرسومات في البداية تنجز يدويا، وتشمل رسومات متعددة حسب المناسبة التي أنجز خصيصا لها، وتطورت التصاميم لتصبح عن طريق التصوير، أما اليوم فالكمبيوتر له دور كبير في إنجاز معظم الرسومات حسب أحد المختصين، وفيما يخص رسوم الطابع البريدي فإنها لم تكن تتجاوز ربع فلس عند أول صدور· وبرزت فيما بعد هواية جمع الطوابع البريدية أسوة بالعديد من الدول وتسمى (بهواية الملوك) منذ قديم الزمان، حيث كان الملوك يعكفون على جمع الطوابع البريدية منذ صدور أول طابع بريدي سنة 1840 ببريطانيا، الذي كان يحمل صورة الملكة فكتوريا، وصدر بالأبيض والأسود لهذا سمي ''بالبلاك بيني''، وتقسم الطوابع البريدية لعدة أنواع، منها الطابع العادي وهو الذي يطبع منه كميات وافرة، والطابع التذكاري الذي يحمل تاريخا معينا لمناسبة معينة، وهو يمثل عشق الهواة الذين غالبا ما يبحثون عن الطابع التذكاري أكثر من غيره، وله عدة فوائد منها التعريف بالبلد إلى جانب تثقيفي وآخر توثيقي وبعد استثماري كذلك· سفير من ورق يقول عبدالله طيب خوري، (رئيس جمعية الإمارات لهواة الطوابع البريدية)، عن هذه الهواية وسبب تراجعها ''إن الجمعية تعتبر ملتقى لهواة الطوابع وتعمل على تشجيع الهواية، وهي عضو في الاتحاد الآسيوي لهواة جمعيات الطوابع، وعضو في الاتحاد الدولي لهواة الطوابع، وممثلة في اللجنة التنفيذية لجمعية هواة الطوابع البريدية، والجمعية لها دور بالتعريف بالهواية والموروث الثقافي الحضاري للبلاد، ونقوم بنشاطات في المدارس بتجهيز بعض المكتبات وإصدار دوريات وكتب خاصة لإتاحة المعلومات عن البريد والطوابع البريدية لمن يبحث عنها، أما المعارض التي نقوم بها خارج الدولة فتعطي نظرة عن البلد المنظم، حيث يمكن من خلال الطابع معرفة كل جوانب حياتها، إذ يبرز جل الجوانب الثقافية والاجتماعية والمناسباتية، وحتى الجغرافية حيث تبسط المعلومة أمام المتلقي والباحث، فالطابع عبارة عن قصاصة صغيرة تعتبر سفيرة من ورق''· الى الانقراض يقول رئيس الجمعية، عبدالله خوري ''الهواية في طريق الانقراض، فأغلب الهواة هم من الجيل السابق، ذلك أنَّ أبناء اليوم تجذبهم المعلومة السهلة والمتاحة، كما أن تعرفة البريد في ارتفاع، وهناك استعمالات أرخص كالهاتف النقال والفاكس، وتشكل هذه النقطة هاجسا للجمعية، إذ أدت كذلك إلى تراجع في عدد المنتسبين''· يضيف عبدالله خوري ''نحن نقوم بتنظيم ندوات داخل مدارس الدولة للتشجيع ولفت الانتباه إلى هذه الهواية كوسيلة تثقيفية، ونزكي روح المنافسة، وقد حازت الجمعية على الجائزة الأولى في رومانيا لهواة الطوابع البريدية من بين مختلف المشاركين من جميع أنحاء العالم، وهذا يعتبر إنجازا كبيرا نظرا لإمكاناتنا المتواضعة''· البيني بلاك أول طابع بريد منذ بدأت خدمة نقل الرسائل تتوسع برزت الحاجة إلى إيجاد وسيلة تلزم المرسل بدفع تكلفة نقل هذه الرسائل فصدر الطابع البريدي، وهي كذلك بمثابة وسيلة اتصالية وأفضل متحدث وممثل لوطنه الأصلي، وأداة لعضوية الدولة في المنظمات الدولية، ومرآة تعكس صورة إدارة البريد في الدولة التي أصدرت الطابع، ووسيلة لتنمية صورة خدمة البريد الوطني، بالإضافة إلى أنها إحدى وسائل الإعلان والتسويق· ويرجع صدور أول طابع بريدي بالعالم إلى 1840 للميلاد أصدرته المملكة المتحدة وإيرلندا في 1 مايو من نفس السنة وبدأ استخدامه في السادس منه، وكانت فكرة استخدام أول طابع لاصق للدليل على الدفع المسبق لخدمة توصيل البريد لصاحبها (رولاند هيلز)، والذي تقدم بها في مقترح سنة 1837 لإصلاح نظام البريد البريطاني، وكان من المعتاد قبلها دفع ثمن توصيل الرسالة عند التسلم، وكان سعر كل رسالة على حسب عدد الأوراق وطول المسافة التي تقطعها الرسالة· وأول ما صدر كانت عليه رسمة للفنان (وليام مالريدي) على أظرف بطريقة مباشرة للملكة فكتوريا، ورغم ذلك لم يكن عليها اسم الدولة· وحمل تواقيع أشهر الملوك والأمراء، كدوقة يورك وسارة فيرجسون والعاهل الأردني الراحل حسين بن طلال ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، إضافة إلى توقيع إحدى أشهر الناجين من حادث تحطم سفينة (تايتنيك) الشهيرة التي غرقت عام 1912 للميلاد· وسمي (بالبيني بلاك) للون خلفيته الأسود وقيمته بنس واحد·