الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قضية باخمينا ···وتسييس القضاء الروسي

قضية باخمينا ···وتسييس القضاء الروسي
25 نوفمبر 2008 01:24
أكثر من 86 ألف شخص في روسيا وقعوا على عريضة تطالب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بالعفو عن ''سفيتلانا باخمينا''، المحامية السابقة لميخائيل خودوركوفسكي، مالك شركة ''يوكوس'' النفطية الشهيرة ، لكن ''باخمينا''، التي تنتظر إنجاب طفلها خلال أسابيع، مازالت قابعة في السجن بمحافظة ''موردوفيا'' التي تبعد 400 ميل إلى الجنوب الشرقي من موسكو· والحقيقة أن إدانة ''باخمينا'' بالإضافة إلى مجمل قضية ''يوكوس'' ومالكها الذي يقضي اليوم عقوبة سجنية منذ العام 2003 بعدما كان أغنى رجل في روسيا أظهرت الفساد الذي يتخبط فيه الجهاز القضائي في روسيا، وما وصل إليه من تردٍ، فبحجبه الصفح عن ''باخمينا''، يكون ميدفيديف قد ظهر كأحد مناصري النظام القضائي في الاتحاد السوفييتي السابق، الذي كان يعتبر العلاقة مع ''دولة عدوة'' جريمة تستحق العقاب· ومع أن عدد التوقيعات الداعية إلى العفو عن ''باخمينا'' يعد أمراً لافتاً بالنظر إلى لامبالاة الروس وخضوع المجتمع للسلطة، فإن الطريقة اللاإنسانية التي عوملت بها لم تترك مجالاً للتردد فحركت تعاطف الناس ودعواتهم بالإفراج عنها· فهي أم لابنين أحدهما في الحادية عشرة والآخر في السابعة من عمره، كما أن التهم الموجهة إليها هزيلة بعدما أدينت بسرقة، نفت الجهة المعينة حدوثها· ولم تكن لباخمينا أي نشاط سياسي عدا أنها كانت تعمل مع ميخائيل خودوركوفسكي فأصيبت بشظايا الحملة السياسية التي شنها الكريملن عليه بعدما بات يشكل بثروته الكبيرة ونفوذه المتعاظم تحدياً خطيراً للدولة· وعادة ما يلجأ الكريملن لبسط سيطرته السياسية وللتحكم في الحياة العامة إلى وسائل ناعمة للتأثير وممارسة النفوذ، لكن في الحالات التي يستخدم فيها القمع السافر، فإنه لا يبدي أي رحمة، ولا يولي أدنى اعتبار للإجراءات القانونية· وفي هذا الإطار صدر حكم أولي على ''باخمينا'' بالسجن سبع سنوات· قامت محكمة عليا بعد الاستئناف بحذف ستة أشهر منها، وذلك لعرقلة فرصها في التمتع بالعفو الذي يشترط حسب القانون الروسي ألا تزيد المدة عن ست سنوات كي يصبح المدان مؤهلاً للعفو· وهكذا جاء الحكم النهائي بسجن ''باخمينا'' ست سنوات ونصف السنة بمثابة رسالة واضحة من الحكومة على إصرارها إبقاء باخمينا وراء القضبان بعد استثنائها من العفو· وعندما أبدت ''باخمينا'' سلوكاً نموذجياً، كوفئت بأن سُمح لها بقضاء بضعة أيام في البيت مع زوجها وأبنائها، لكنها ما أن طلبت تمتيعها بالسراح المؤقت بعد قضائها نصف المدة قوبل طلبها بالرفض مخالفاً الإجراءات الاعتيادية المعمول بها في مثل هذه الحالات، وحتى عندما تقدمت بطلب ثان علها تحصل على السراح المؤقت كان الجواب مرة أخرى بالرفض· وفي الشهر الماضي، ورغم الرفض المتكرر، قررت ''باخمينا'' الذهاب أكثر من ذلك وتقديم طلب بالحصول على العفو، غير أنه ما حصل بعد ذلك مازال غامضاً، حيث سحبت ''باخمينا''، حسب السلطات في السجن، ملتمس العفو دون معرفة السبب بعدما منعت من التواصل مع العالم الخارجي ورفضت السلطات توضيح الموقف· وذهب بعض المعلقين المعارضين إلى أن ''باخمينا'' أُرغمت على التنازل عن طلب العفو حتى لا يضطر الرئيس ميدفيديف إلى الرد وإبداء موقف معين إزاء ملتمسها· واللافت أن أول رئيس روسي بعد الاتحاد السوفييتي، بوريس يلتسين، كان تعامله مختلفاً إزاء المحكومين، حيث استخدم سلطاته الرئاسية للعفو عن عدد كبير من المدانين لتعويض ما اعتبره تجاوزات النظام القضائي في العهد السوفييتي· ودأب بوريس يلتسين على التوقيع كل سنة على الآلاف من قرارات العفو التي تُرفع إليه من قبل لجنة للعفو، شكلت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وضمت في صفوفها الكتاب الليبراليين والصحافيين والأكاديميين· وقد أصدر يلتسين العفو حتى في حق أعدائه السياسيين مثل مخططي انقلاب عام ،1991 بل حتى الذين حاولوا الإطاحة به عام 1993 أُطلق سراحهم بعد فترة قصيرة من اعتقالهم· لكن في المقابل قام فلاديمير بوتين خلال فترته الأولى بحل لجنة العفو، فتراجعت قرارات الصفح على نحو واضح منذ أن تولى السلطة، وفيما كان ينظر يلتسين إلى مهمته في جزء منها على الأقل باعتبارها تخفيفا من الظلم الذي وقع على الروس تحت الحكم السوفييتي وإبداء المزيد من التسامح إزاء أخطائهم، فإنه من الواضح أن بوتين لا يتفق معه· والواقع أن سيادة القانون ليست من التقاليد الروسية الراسخة، وهو ما يفسر الفشل في بناء نظام قائم على المحاسبة والتوازن بين السلطات بعد انهيار النظام الشيوعي· فاليوم يعاني القضاء الروسي من تفشي الفساد وتدخل السلطة التنفيذية في شؤونه، بحيث يتم تطويع الأحكام في القضايا السياسية مثلما حدث مع ميخائيل خودوركوفسكي لتصب في مصلحة الحكومة وحلفائها وهو ما يذكر بالمحاكم السوفييتية التي كانت تتلقى تعليماتها من الحزب الشيوعي· وخلال الأيام الأخيرة أبدت الحكومة الروسية ليونة مفاجئة تجاه ''باخمينا''، حيث أفادت السلطات في السجن أنها نُقلت إلى مستشفى مدني بالقرب من موسكو لتضع طفلها، وربما يكون قد سمح لها برؤية زوجها، كما تسري إشاعات بأنه قد تمنح سراحاً مؤقتاً بعد الإنجاب· لكن حتى لو قررت الحكومة التعامل بإنسانية مع ''باخمينا''، يبدو أن الهم الأوحد للمسؤولين في الكريملن، هو ألا يظهر الرئيس ميدفيديف وكأنه يخضع لضغوط الرأي العام· ماشا ليبمان محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©