الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيونج يانج··· وأفول سياسة الشمس المشرقة

بيونج يانج··· وأفول سياسة الشمس المشرقة
25 نوفمبر 2008 01:25
خلال العشرة أعوام الأخيرة، اعتمدت كوريا الجنوبية سياسة''الشمس المشرقة''باعتبارها المحور الرئيس في استراتيجيتها الرامية لإقناع كوريا الشمالية بتغيير مواقفها· وبموجب هذه السياسة، ضخت سيؤول مليارات الدولارات إلى بيونج يانج في صورة مساعدات مالية ومعونات غذائية، ووفود سياحة بالملايين تدفقت عبر الخط الفاصل بين البلدين· ولكن الذي حدث بعد مرور ثمانية شهور فقط على مجيء الرئيس'' لي ميونج- باك'' إلى سدة الحكم - وهو الرجل الذي وعد باتباع نهج أكثر صرامة في التعامل مع كوريا الشمالية - هو أن تلك السياسة التي طالما تباهت بها الحكومة الكورية الجنوبية قد تفككت· وقد حدث هذا، بعد أن قامت كوريا الشمالية من جانبها، بقطع جلسات الحوار رفيع المستوى الذي كان يدور بين الدولتين، كما قطعت الاتصالات الهاتفية التي كان الصليب الأحمر يشرف على إدارتها، والتي كانت توفر''خطوطاً ساخنة''عبر المنطقة المنزوعة السلاح· ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أقدم جندي كوري شمالي على إطلاق النار على سائح كوري جنوبي، كان يزور منتجع''دايموند ماونتين'' مما أدى إلى مصرعه، وإغلاق المنتجع· في الوقت الحالي، تهدد كوريا الشمالية بإغلاق المجمع الصناعي العسكري المقام في مدينة''كايسونج''، والذي يعتبر من أكبر المجمعات الصناعية التي تم بناؤها خلال فترة تطبيق سياسة ''الشمس المشرقة''، والذي كانت كوريا الجنوبية تستشهد به كثيراً لتأكيد نجاح تلك السياسة· وفي الأسبوع الماضي، أذهلت كوريا الشمالية العالم بأسره، عندما قالت إنها لن تسمح للخبراء الأميركيين في أي وقت بأخذ عينات من مجمعها النووي الرئيسي، وهو ما يتناقض تماماً مع أعلنته واشنطن من قبل في هذا الخصوص· على وجه الإجمال، يمكن القول إن تصرفات وإجراءات كوريا الشمالية لا تؤشر فحسب على نهاية ''سياسة الشمس المشرقة''-كما يبدو للوهلة الأولى - وإنما أيضاً على عملية تفكيك خطرة للعلاقات بين الكوريتين· على الرغم من ذلك، فإن المراقبين والخبراء في الشأن الكوري الشمالي، يختلفون مع هذا الرأي ويقولون إن ما تفعله كوريا الشمالية والتهديدات التي دأبت على توجيهها، تمثل نمطاً مألوفاً ومتكرراً من أنماط التعامل التي اعتادت عليها تلك الدولة، وأنها قد تؤشر على توجه لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة· فوفقاً لهؤلاء الخبراء، فإن كوريا الشمالية عملت عبر السنين على تقسيم مفاوضاتها مع العالم الخارجي إلى ما كان الخبراء قد شبهوه بالطريقة التي يتم بها تقطيع'' قطع السلامي'' أي تقسم المفاوضات إلى أجزاء منفصلة، مع محاولة تحقيق أكبر مكاسب ممكنة كل مرة، وفي حالة ما إذا رأت أن الخصم الذي أمامها يتراجع، فإنها تعمل على دفع الأمور إلى حدودها القصوى باتباع سياسة حافة الهاوية الشهيرة بهدف الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب· أحد هؤلاء الخبراء وهو''لي سانج هايون'' المحلل في ''معهد سيونج''، وهو مؤسسة بحثية، يرى أن ''بيونج يانج'' قد حصلت على أقصى ما يمكن الحصول عليه من إدارة بوش، وهي الآن بما تفعله، وبالتصريحات التي تصدرها، تحاول إرسال إشارة إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما تقول له فيها:''حسنا، دعنا ندخل في مفاوضات جديدة بشأن العينات النووية··· كما توجه في الآن ذاته رسالة إلى الرئيس الكوري الجنوبي ''لي مايونج- باك''، تقول له فيها إنها ستتصرف حسبما ترى، إذا لم يعمل على إعادة النظر في شروط سياسة ''الشمس المشرقة''· ولكي تطبق الحيلتين معا، فإن كوريا الشمالية تجرب تكتيكاً يطلق عليه في اللغة الكورية ''تونجماي بونجنام''، والذي يقصد به فتح الباب أمام الأميركيين، مع إغلاقه في الآن ذاته أمام الكوريين الجنوبيين بهدف مشاغلة الأميركيين، وزيادة حدة التوتر مع الكوريين الجنوبيين في الآن ذاته بهدف دق إسفين بين الحليفين· ويُشار إلى أن قادة كوريا الشمالية، وهم أساتذة في فن البقاء، قد استخدموا هذا التكتيك مراراً من قبل وأن ما يغريهم باستخدامه الآن هو تولي قيادتين جديدتين ذواتي توجهين مختلفين المسؤولية في كل من سيول وواشنطن· فالرئيس الجديد أوباما وعلى النقيض من ''لي''أو الرئيس بوش في الجزء الأكبر من سنوات ولايته، شدد على انه سيتبع سياسة تقوم على الدبلوماسية المفتوحة، والهجومية مع الدول المارقة في العالم· أما ''لي'' فإن انتخابه جاء كي يضع نهاية للحكم الليبرالي الذي كان قائما في كوريا الجنوبية والذي كان قد تبنى ورعى سياسة الشمس المشرقة· فمنذ مجيئه إلى الحكم يسعى '' لي'' وهو سياسي محافظ إلى ترك بصمته على الحكم في سيول باعتباره رجلاً صارماً شديد الانضباط· في هذا الإطار ناقش ''لي'' الجدوى من الاستثمارات الضخمة التي كانت كوريا الجنوبية قد وعدت بها بيونج يانج خلال فترة حكم سلفيه في المنصب ''كيم'' و'' روه مو-هايون'' كما وعد بأنه لن يقدم أي عون اقتصادي كبير لكوريا الشمالية، ما لم يحدث اختراق كبير في عملية تفكيك منشآتها النووية· وفي الوقت الذي وعدت فيه الولايات المتحدة بإرسال 500 ألف طن من الطعام إلى كوريا الشمالية فإن'' لي'' أعلن ان بلاده لم تمنح مساعدة لكوريا الشمالية إلا إذا طلبتها الأخيرة·'' وكان رد فعل الكوريين الشماليين هو إعلان أنه بوسعهم التضحية بسياسة ''الشمس المشرقة''، ومحاولة إفهام الجميع في سيول بأنهم لا يأبهون بأي إجراء تتخذه بلادهم في هذا الشأن''· والتكتيك الكوري الشمالي وضع ''لي'' الذي يدعي أنه براجماتي في موقف صعب· فالتخلي عن موقفه المعلن سيُنظر إليه على أنه استسلام من قبل أنصاره، في حين أن مواصلة السير على الدرب سوف يؤدي في النهاية إلى دفع الكوريين الشماليين إلى إغلاق ''كايسونج'' كما سيؤدي- بحسب المحللين- إلى تغذية مخاوف كوريا الجنوبية بشأن زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، وتزويد منتقدي ''لي الليبرليين بكمية كافية من الذخيرة التي يمكن لهم استخدامها في شن المزيد من الهجمات ضد الرجل· تشو سانج هون-سيؤول ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©