الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

··· وبعد الإرهاب تأتي القرصنة

25 نوفمبر 2008 01:25
أكثر ما يلفت في الجدل الدائر حالياً سؤال: هل القرصنة إرهاب؟ هي قريبة جداً، لكن القراصنة ليسوا انتحاريين، وليس هدفهم القتل وإنما المال، الفارق بينها وبين الإرهاب مثل الفارق بين السرقة والقتل· القراصنة في الواقع كما في الأفلام يكادون يكونون ظرفاء، والروايات المتداولة عنهم في بعض ما تبقى من مجتمع صومالي تصورهم رجالاً أشداء يتصفون بالشجاعة، لا أحد يتصور مثل هذه الأوصاف منسوبة إلى الإرهابيين في الواقع ولا المتخيّل· قيل إن القوانين الدولية لا تسهل مكافحة القرصنة، فهي لا تجيز المهاجمة أو التجريم إلا بعد التفتيش، أو بعد صدور مؤشرات عدوانية من جانب قطعة قرصنة بحرية مفترضة· ومع أن المنطقة -خليج عدن- المصنفة خطيرة اليوم تعج بالبوارج الحربية، ويعتبر الأسطول الخامس الأميركي مقيماً فيها، إلا أنها هناك من أجل مكافحة الإرهاب، لا القرصنة· في غضون أيام أو أكثر قليلاً، يفترض أن تحضر إلى المنطقة قوة بحرية حشدها الاتحاد الأوروبي بغية تأمين الممرات البحرية واستعادة سلامة الملاحة، إلا أن دولاً أوروبية لا تبدو واثقة بهذا التدبير، بدليل أنها استخرجت تراث فاسكو دي غاما لترسل سفنها في رحلات طويلة ومكلفة حول رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب أفريقيا للوصول إلى غرب القارة السمراء، ومنه إلى آسيا ''الحرير والتوابل والافاوية''· لم يحسب فرديناند دو ليسبس صاحب مشروع قناة السويس حساب الصوماليين· هناك من وصف القرصنة بأنها إرهاب· كدنا نستعيد سجال تعريف الإرهاب أو تعريف ما يشبهه· يبدو أن العالم، وقد عرف القرصنة قبل الإرهاب، أو هكذا يعتقد، يفضل أن يتعامل بـ''عقلانية'' مع القرصنة، بعدما استبعدها عن الإرهاب· العالم يرى أن للقرصنة أسباباً وليست للإرهاب أسباب· صحيح أنه لا يبلغ حد تبرير القرصنة إلا أنه يتلمس لها حلولاً سياسية، فضلاً عن المكافحة بالقوة· المشكلة أن القرصنة كانت تعتبر حتى الأمس القريب نشاطاً شبه منقرض لولا بعض الحوادث المعزولة في البحر الكاريبي· احتاج تشخيص شرعية قانونية لمكافحتها العودة إلى أرشيفات قديمة أقربها في القرن التاسع عشر· لكن الأيام تغيّرت، ومثلما تطورت السفن كان لابد من تطوير وسائل السيطرة عليها· الخطر يتضاعف بقوة في حال استخدام ''القاعدة'' إحدى عمليات القرصنة لمصلحة الإرهاب· ومنذ تراجع الارتزاق بالقرصنة وانكماش الظاهرة لمصلحة الأمن والنظام اللذين تقيمهما الدول، أمكن للعالم أن يتعرف أكثر إلى ''قرصنة الدولة''· ومع أنه عرف أيضاً ومنذ زمن ''إرهاب الدولة'' إلا أنه لا يزال يتفادى الاعتراف به وتسميته تمهيداً لإدانته ومعاقبته· وكما نجت ''قرصنة الدولة'' من أي محاسبة لا ينفك ''إرهاب الدولة'' ينجو· الوضع الآن مع الصومال أن القرصنة باتت مصدراً وحيداً لـ''الدخل القومي''· هذه دولة لم تعد دولة، وأرض لا تنتج شيئاً ولا يمكنها أن تصدّر سوى الجوع والمهاجرين المحبطين· للمرة الأولى هناك ''وطن'' للقراصنة، لا مجرد ملاذ أو مخبأ أو محطة· وقبل أن يباشر الصوماليون هذا النشاط ويتألقوا فيه، أمكن لهم أن يتفرجوا على الآخرين، من دول مجاورة وبعيدة يأتون إلى مياههم الإقليمية ويقتربون من سواحلهم ليصطادوا أو يتاجروا أو ليفرغوا حمولاتهم من أكثر السلع تفضيلاً -الأسلحة والمتفجرات· لم يتورعوا عن تدشين أنشطتهم براً ثم بحراً بنهب المساعدات الغذائية الدولية، ثم سفن المساعدات حتى أنهم احتجزوا إحداها عام ،2005 واستغرقت مفاوضات فديتها نحو ثلاثة شهور· واستناداً إلى شهادات صوماليين فإن القرصنة صنعت ما يشبه الدورة الاقتصادية، وتخرج من صفوفها أغنياء جدد أصبحوا نوعاً من الأبطال المحليين ذوي النفوذ· إنهم يمارسون الحق السيادي بالقرصنة· في المقابل هناك ما يقرب من أربعة ملايين يحتاجون إلى المساعدات الغذائية ليتمكنوا من العيش والبقاء· وهكذا أصبح الوضع كالآتي: في غياب الدولة وانحلال الاقتصاد فإن الأمم المتحدة هي التي تطعم الصوماليين الذين لم يغادروا· القوى الخارجية تموّل الميليشيات لتتسلح، والميليشيات بما فيها تلك الموصوفة ''إسلامية'' تعتمد على القراصنة للتموين والتدريب· الحكومة الانتقالية تعتمد على إثيوبيا المكلفة أميركياً بمساعدتها، ولا مصلحة حقيقية لأثيوبيا مع حكومة تأتمر بأمرها تحقيقاً لحلم قديم لأديس أبابا· لكن هذه الحكومة لا تستطيع مدّ سلطتها إلى ''بونتلاند'' أو إلى ''أرض الصومال'' أو إلى مناطق ''المحاكم الإسلامية'' فضلاً عن مناطق ''الشباب'' وموانئ القراصنة، وهي مطالبة أولاً بإخراج الأثيوبيين، لكنها إذا أخرجتهم تسقط· وفي غابة الأسلحة بات أي تدخل خارجي مغامرة انتحارية، وللخلاص من القرصنة لابد من التوغل في تلك الغابة حيث تبدو الميليشيات كأنها نسيت تماماً كيف ولماذا وأين يمكن استعادة الدولة؟ عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©