الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثقوب النفس

18 مايو 2013 20:58
يُقال إنه كان هناك طفل يصعب إرضاؤه، ويغلب عليه طابع التمرد والعناد، يرغب في الحصول على كل ما تراه عيناه، كبر وتطورت عادته إلى مشاحنات يصاحبها الغضب، بحث والداه عن كل السبل لتخليه عن مزاجه السيئ، إلى أن جاءه يوماً والده بكيس مليء بالمسامير، وقال له: قم بطرق مسمار واحد في سور الحديقة في كل مرة تفقد فيها أعصابك أو تختلف مع أي شخص. في اليوم الأول قام الطفل بطرق أربعين مسماراً في سور الحديقة، وشعر بإعياء وتعب، وفي الأسبوع التالي تعلم الولد كيف يتحكم في نفسه، وبات عدد المسامير التي توضع يوميا ينخفض. واكتشف الطفل مع مرور الوقت أنه تعلَّم بسهولة كيف يتحكم في نفسه، وغير عادته، بحيث أصبح يعرف كيف يدير مشاعره الغاضبة، بدل معاناته مع طرق المسامير في السور كلما شعر باحتقان أحاسيسه تجاه أي فرد من الأفراد المحيطين به، وكان ذلك بالنسبة له أسهل من الطرق على سور الحديقة في كل مرة يغضب. مع مرور الوقت أتى اليوم الذي لم يطرق فيه الولد أي مسمار في سور الحديقة، بحيث أصبح أكثر اتزاناً، وتمكن من التحكم في مشاعره، وتغير أسلوبه في الحياة وفي التعامل مع الناس، عندها ذهب ليخبر والده أنه لم يعد بحاجة إلى أن يطرق أي مسمار في السور، فقال له والده: الآن قم بخلع مسمار واحد عن كل يوم يمر بك دون أن تفقد أعصابك، مرّت عدة أيام، وتمكن الولد من إبلاغ والده أنه قد قام بخلع كل المسامير من السور، فقام الوالد بأخذ ابنه إلى مكان المسمار المخلوع، وقال له: بني قد أحسنت الصنع، ولكن انظر إلى هذه الثقوب التي تركتها في السور، مؤكداً أنها لن تعود أبداً كما كانت، وأضاف: عندما يحدث بينك وبين الآخرين مشادة أو اختلاف وتخرج منك بعض الكلمات السيئة، وتصدر عنك بعض التصرفات غير المسؤولة، فأنت تترك غيرك بجرح في أعماقه، كتلك الثقوب التي تراها، لهذا لا يهم كم من المرات أبديت فيها له أسفاً واعتذرت منه، لأن الجرح سيظل موجوداً، ولأن جرح اللسان أقوى من جرح الأبدان، وكل كلمة سيئة تفوهت بها لا يمكن استرجاعها أبدا أو مسحها. هكذا هي الكلمات الغاضبة التي تخدش جسم النفس وتترك به ثقوباً، يصعب سدها أو ردمها، إلا بالتغاضي ومحاولة النسيان، بحيث تقفز لسطح الذاكرة، كلما تم تحفيزها، لتستعيد نشاطها، وتحدث آلاما جديدة. هي حكاية من الحكايات التي كانت تقصها الجدات، ويرويها الآباء لإصلاح ما اعوج من سلوك في أبنائهم، وستظل صامدة في وجه التغيير، لن تشيخ أبداً لأنها من الموروث الشفهي التي تنبني عليها النفس البشرية، والتي تُقوّم دون التوجيه المباشر، والتي تساعد على إيصال المعنى وتوقظ الضمير. المحررة | lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©