الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنشئة الاجتماعية الخاطئة في قفص الاتهام

التنشئة الاجتماعية الخاطئة في قفص الاتهام
26 نوفمبر 2008 01:02
الخوف انفعال غريزي فطري خلقه الله عزّ وجل في الإنسان ليستعين به على حفظ حياته وتجنب الأخطار· ويعرف بأنه حالة انفعالية داخلية يشعر بها الإنسان عند وجود خطر ما، أو حدوث حادثة أو توقع حدوث الخطر، مما يدفع الإنسان إلى أن يسلك سلوكاً يبتعد به عن مصادر الحوادث والأخطار· ومن هذا الخوف، الخوف من الأصوات المرتفعة جداً أو فقدان التوازن أو الحركة المفاجئة، وهذا تلقائي· ومن الخوف ما يُتعلم في مواقف معينة· وهناك مخاوف حقيقية تسببها الزلازل والبراكين والرعد والبرق والحيوانات المفترسة والحشرات الضارة، أو ومخاوف وهمية غير حقيقية، مثل الخوف من الحيوانات الأليفة أو الأماكن المظلمة أو رؤية المياه الجارية وغيرها، وهناك ما هو حسي مثل الخوف من الحيوانات والشلالات وغيرها من الأمور المحسوسة، وقد يكون غير حسي لا يستطيع أن يدركه على حقيقته، كالخوف من الموت أو الجن والعفاريت أو الوحوش وغيرها· ومن هنا، نعلم أن الخوف في نفس الطفل مبعثه الحقيقي في الغالب الجهل بطبيعة الأشياء وعدم معرفته بها وقلة إدراكه، ولا يسهل التغلب عليه إلا بتوسعة مدارك الطفل وتبصيره بالأشياء المحيطة به وربطها بخبرات سارة محببة إلى الطفل· دور الأهل تقول كفاح سعد مسؤولة العلاقات في جامعة زايد: ''أعتقد أن أكبر مسبب للخوف عند الطفل، وأول مصدر لاكتسابه هم الأهل، ففي الحقيقة يخاف الطفل مما يخاف منه الكبار، يسقط على نفسه مشاعرهم التي يتحسسها، فإذا كان من حوله يخافون من الكلاب مثلاً أو حتى من الصراصير، فإن الطفل كتقليد لهؤلاء الكبار سيشعر بالخوف من هذه الأشياء، دون أن يكون هو بالفعل مقتنعاً بأنها مصدر مخاوف وخطر بالنسبة له· فالطفل يتقمص ويقلد بدون شعور من حوله في البيئة فيخاف مما يخافون، ويجد مبرراً واقعياً لخوفه في خوف الكبار·· وخصوصاً الذين يشعر بأنهم مصدر حب وثقة بالنسبة له كالأب والأم·· فقد يكون اكتساب الطفل للخوف مشاركة وجدانية لأفراد أسرته، تتطور وتصب مخاوف لا يمكنه الخلاص منها· فكثير من الآباء يميلون إلى التفاخر بصفات أبنائهم، وأكثر صفة يتباهى بها الأهل هي الشجاعة وعدم الخوف، فيصر معظم هؤلاء على عدم خوف أبنائهم، ويزجر الأب ابنه مثلاً عندما تبدر منه بادرة تدل على خوفه، فيتم قمع هذه الانفعالات، بينما هي انفعالات طبيعية، وقد تكون ضرورية وفي محلها، ولكن خوف الطفل من أهله لا يترك له الحرية للتعبير عن هذه الانفعالات فيدفعه إلى كبتها، مما قد يسبب رد فعل عكسي، فتزداد هذه المخاوف''· ويقول إسحاق مينا، محاسباً حراً: ''إن جهل الأهل بنفسية الطفل ومشاعره ومخاوفه الطبيعية له الأثر المدمر على أطفالهم، وذلك لاتباعهم وسائل وأساليب قد يهدفون من ورائها إلى علاج أطفالهم من الخوف، ولكنهم في الحقيقة يزيدون الأمور تعقيداً، وتزيد مخاوف هؤلاء الأطفال وتضعف ثقتهم بأنفسهم· ويلجأ البعض إلى تخويف الأطفال ليكفوا عن الإزعاج مثلاً، أو لزجرهم عن أي عمل يكون في نظر الأهل منافياً للسلوك الحسن، ويعتقد الأهل أن هذا الأسلوب قد يردع هؤلاء الأطفال عن هذا السلوك، أو لدفعهم للقيام بعمل معين كالاستذكار ومراجعة الدروس، أو الإقبال على أكل وجبة يرفضها الطفل، وترى الأم أنه لابد له أن يتناولها· ويخشى الكثير من الآباء من أن يشب الطفل على الخوف، فهم ينظرون إلى مخاوف أطفالهم على أنها نقص فيهم، فيلجأ البعض إلى أساليب يعتقدون أنهم باتباعها يعالجون هذه المخاوف·· وأسوأ هذه الأساليب هي السخرية من الطفل والضحك عليه والاستهزاء به وبالذت أمام الناس·· إن هذا التهكم والسخرية والإفراط في اللوم يفقد الطفل ثقته بنفس، فتزيد بالتالي مخاوفه ويخشى التعبير عنها حتى الطبيعية منها نتيجة ارتباط تعبيره عنها بالسخرية اللاذعة والقاسية التي يتعرض لها من أهله، فتنشأ لديه الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية نتيجة لهذا القمع والكبت للمخاوف· وإن زرع الخوف في نفوس الأطفال من قبل الأهل قد تكون دوافعه ترسبات وعقد من الطفولة لدى هؤلاء الأهل·· فالمعاناة والمعاملة القاسية التي تعرض لها الأب في طفولته، وتركت بصماتها على نفسيته لا يجد أحياناً متنفساً لها إلا صغاره الذين بإمكانه أن يذيقهم العذاب ويسقيهم الخوف منه والرعب لمجرد رؤيته·· فهذا النوع من الآباء يجد متعة وإشباعاً لنزعته العدوانية عندما يرى أطفاله يرتعدون خوفاً منه، وقد يكون هذا التصرف بدون شعور وبغير وعي ورغبة من الأهل بذلك· دور المدرسة ترى كريمة الشامسي ''معلمة'' أن هناك من المؤثرات، التي قد تعادل نتائج أثرها على الطفل أثر الأسرة في بعض فترات حياته، حيث يكون وقت الطفل موزعاً بين الأسرة وهذه المؤسسات والمؤثرات، من تلك المؤسسات التي لها أكبر الأثر على نفسية الطفل هي المدرسة والمدرسين· وتقول: ''بعد سن السادسة يكون الطفل قد انتقل إلى عالم أرحب وأكبر من عالمه الصغير الذي هو أسرته، ولا يكون الأهل هم الطرف المربي الوحيد للطفل وتعليمه وترغيبه وتخويفه، بل تتدخل المدرسة بجزء كبير من هذه العمليات، ولا نستطيع أن نغفل دورها في ذلك، أو التقليل من شأنها· إن دور المربي أو المعلم وخاصة في مرحلة الحضانة والمرحلة الابتدائية له أعظم الأثر على الطفل سواء إيجابياً أو سلبياً· فإن شخصية الطفل تتشكل في هذه المرحلة وتكون قابلية الطفل لاكتساب مقومات شخصيته المستقبلية في أشدها·· ويظهر الأثر واضحاً في تكوين وخلق الشخصية الضعيفة، الخائفة، المترددة''· نماذج مؤذية يقول الإعلامي بهاء يوسف: ''تصادفنا للأسف نماذج من المدرسين، يكون المدرس قد وضع أمام عينيه مبدأ صارماً يمشي عليه، وهو العقاب للتلاميذ في كل هفوة·· واعتقاده أنه إذا لم يتم عقابهم -ذلك العقاب القاسي- فإن هؤلاء التلاميذ لن ينجحوا في حياتهم ولن يستفيدوا مما يتعلمونه على يديه، وهذه النوعية من المدرسين تكون نفسية التلميذ آخر ما يرد في خاطره، فهو لا يعمل أي حساب لهذا الأمر ولا يقدر ما قد يترتب على هذا العقاب الصارم من نتائج ضارة ومؤذية للطفل، قد تستمر معه الى آخر عمره، وتعيقه عن ممارسة حياته العادية· إن المدرس القاسي، والذي يفتقد المرونة مع الأطفال، يطفئ كل بصيص من نور لديهم في طريق التفوق، ويقتل روح الإبداع والابتكار عندهم، وللأسف نجد من المدرسين من يفخر عندما يرتعد التلاميذ خوفاً منه عند رؤيته، ويتباهى بهذا أمام الناس''· إن هذا الإهمال للنتائج النفسية الضارة على الطفل، والتي قد تبدو عليهم مبكراً وتستمر معهم·· فقد يكره الطفل مادة معينة نتيجة لكرهه مدرس تلك المادة وقسوته عليه، ويبقى معه كره تلك المادة إلى آخر مرحلة دراسية، ويعيق تفوقه وتحصيله الدراسي إذا لم يدرك الأهل هذه المشكلة في حينها· إن التربية التي تتسلح بأساليب القمع والتخويف والتهديد، والتي يكون الخوف هو الدفع للطاعة، هي تربية غير مقبولة، ولا مسؤولة، لهذا النوع من الأساليب ليس قاتلاً لإبداع الطفل وارتقائه علمياً وعملياً فحسب، بل يحدث كثيراً من التشوهات النفسية والاضطرابات السلوكية، والتي تعرض الطفل للمتاعب طوال حياته، بل قد تقضي على قدرته على الاستمتاع بها· دور الإعلام تؤكد الدكتورة موزة المالكي أستاذة الطب النفسي بجامعة الدوحة أن وجود التليفزيون، -الذي يعتبر أهم وسائل الإعلام في الوقت الحاضر في جميع المنازل تقريباً، وانتشاره في جميع الأوساط- يؤكد مدى التأثير الذي يحدثه لدى المشاهدين وخاصة الأطفال، فعندما نتكلم عن تأثير الإعلام ودوره في زيادة مخاوف الأطفال·· فإن التليفزيون والفيديو هما المصدران اللذان يجب أن نركز عليهما، ثم تأتي المطبوعات في المرتبة الثانية من كتب ومقررات دراسية ومجلات وقصص· ندرك جميعاً أن إدراك الطفل في سنواته الأولى ليس بالصورة التي عليها الراشد، كما أن الطفل يفتقد القدرة على التحليل لما يراه أو إدراك واستيعاب أبعاده، فتفكير الطفل لا يتوصل إلى تحليل ما يحدث أمامه على الشاشة· وقد يرى الطفل نفسه جزءاً من أحداث الفيلم الذي يشاهده، أو يتقمص شخصية البطل التي يراها أمامه· فعندما يعرض التليفزيون مثلاً فيلماً يحكي قصص الجن والسحرة والعفاريت، ولو كان الفيلم يتناول الأحداث كوميدياً، وتناولاً ساخراً، إلا أن الطفل بالبراءة التي يتسم بها تفكيره، ومستوى إدراكه، قد يراها على أنها حقائق ويزيد ويضاعف مما يراه· إن أفلام الفيديو الحافلة بالمناظر المرعبة تؤثر على أعصاب الأطفال، وتبث فيهم الخوف والرعب، وبالذات إذا شاهدها الطفل قبل النوم مباشرة، ودون إشراف وتوجيه من قبل والديه، فالخطر الذي حدق بالبطل، والسحرة والشياطين التي ظهرت له كلها تتمثل له سواء في أحلامه أم في يقظته، يتقمص الطفل لما يراه، وإحساسه بأن ما حدث لغيره من خطر قد يحدث له، يسبب له كل تلك المخاوف والكوابيس المفزعة· وقد يحدث فيلم يراه الطفل خللاً في جهازه العصبي أو يؤدي إلى مشاكل نفسية معقده لديه· ففي حالة طفلة حدثتني أمها عنها وأتت بها للعيادة، كانت تلك الطفلة في الثامنة من عمرها عندما شاهدت فيلم رعب يحكي قصة طفلة تتعرض للتعذيب من قبل لعبتها، التي تقتل وتتكلم وتهدد، فأصبحت الطفلة تخاف من كل لعبها، ولم تعد تطيق رؤية لعبة شبيهة بتلك اللعبة· وبالفعل، فإن ذلك الفيلم بأحداثه جعلنا جميعاً نكره شكل تلك الدمية والتي كنا نراها قبل مشاهدة ذلك الفيلم المرعب· هذه الحالة تؤكد لنا أن خوفاً قد نراه نحن بسيطاً وقد يؤثر قليلاً على مشاعرنا، يكون غير محتمل عند بعض الأطفال، ويسبب لهم من القلق والخوف المرضي ما يفسد حياتهم الجميلة الرائعة· إن الصعوبة التي تكون عند الطفل في التفريق بين الحقيقة والخيال ورؤية الطفل لكل ما يشاهده على أنه واقع حقيقي، وقد يحدث له، هو السبب في المتاعب والمخاوف التي تصيبه عند رؤيته لهذا النوع من الأفلام التي يكون ضررها أكبر بكثير من منفعتها· المجلات والقصص تعد المجلات والقصص، من المصادر غير المباشرة التي تزرع الخوف في نفوس الأطفال فإذا لم تكن هناك رقابة علمية تربوية على كل ما يكتب للأطفال، فإننا قد نسيء إلى الأطفال بدلاً من أن نفيدهم، ولا أعتقد أن أحداً منا ينسى تلك القصص الخرافية والكتب التي كنا نقرأ فيها عن السحر والجن والعفاريت، علاوة على القصص ''الحزاوي'' التي كان يسردها علينا أجدادنا عن الجن والعفاريت والسحرة· فقد عاشت أجيال وأجيال تعاني من تلك الخرافات، وللأسف فإن مجتمعاتنا العربية فيها رواسب كثيرة من تلك الخرافات المرتبطة بالأجيال السابقة، وما زالت بعض الأمهات للأسف تردد الكثير أمام أطفالهن، وهذا يسيء إليهم أكثر ما يفيدهم·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©