الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصعيد بيونج يانج يفرض تعاونهما

18 مايو 2013 22:21
دانييل شنيدر المدير المشارك للبحوث في مركز بحوث آسيا - الهادي بجامعة ستانفورد في شهر إبريل الماضي، وعندما بدا أن الكوريين الشماليين يجهزون لاختبار صواريخ باليستية متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، قدم «مارتن ديمبسي» رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، التماساً يكاد يصل إلى درجة الشكوى في كلمة له أمام عدد من كبار المسؤولين العسكريين اليابانيين. فقد قال القائد الأميركي «لدى اليابان وكوريا الجنوبية منظومتا دفاع جوي قويتان... ومع ذلك، وفي الوقت الذي أقف فيه هنا اليوم، والذي تبدو فيه التهديدات الكورية الشمالية حقيقية للغاية، أجد للأسف الشديد أن المنظومتين ليستا موحدتين». وبالنسبة للأميركيين الذين ترتبط دفاعاتهم الجوية بمنظومتي الدفاع الجوي لليابان وكوريا الجنوبية ارتباطاً وثيقاً، كان منطق التعاون مع حليفيهم الرئيسيين في شمال شرق آسيا، ومنذ مدة طويلة، واضحاً تماماً. فالدول الثلاث تواجه تهديداً مشتركاً من نظام كوريا الشمالية المسلح بأسلحة قادرة على الوصول إلى قواعد كوريا الجنوبية والقواعد الأميركية في اليابان. وفي هذا الإطار كانت قوات الولايات المتحدة في اليابان هي العمود الفقري لأي استجابة لحرب تقع على شبه الجزيرة الكورية؛ كما كان التعاون الثلاثي بين تلك الدول عاملاً قادراً على المساعدة في تحقيق التوازن مع الوجود الصيني المتنامي، والواثق في المنطقة. ولكن، وكما كان الجنرال ديمبسي يعرف تمام المعرفة، ما كان التعاون الاستراتيجي والعسكري بين الدولتين الجارتين موجوداً، وحتى النزر اليسير من ذلك التعاون الذي كان يتحقق أحياناً، كان يتم أيضاً بعيداً عن الأنظار. وقبل أيام فقط من كلمة الجنرال ديمبسي، ألغى وزير الخارجية الكوري الجنوبي زيارة كان مقرراً القيام بها لليابان بهدف مناقشة الإجراءات المشتركة اللازمة للتعامل مع كوريا الشمالية. وفي العام الماضي انسحبت الحكومة الكورية الجنوبية كذلك من معاهدة مع اليابان لتبادل المعلومات والاستخبارات العسكرية قبل ساعات فقط من حفل التوقيع على تلك الاتفاقية. وجذور التوتر بين كوريا الجنوبية واليابان تعود إلى التاريخ المضطرب بين الدولتين، حيث احتلت اليابان شبه الجزيرة الكورية، وضمتها إلى أراضيها، وحكمتها بطريقة وحشية، تضمنت إخضاع أبنائها لأعمال سخرة، وتجنيد 140 ألف امرأة كورية لأعمال المتعة، والعبودية الجنسية في أماكن كان يشرف عليها الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي ترك جرحاً غائراً في نفوس الكوريين الذين ينظرون إلى تلك المسائل على أنها تتعلق بالهوية. ومن ناحيتهم يشتكي اليابانيون من أن الكوريين «عاطفيون أكثر من اللازم»، وأن زعماءهم يستخدمون الماضي لتحقيق مآرب سياسية، مع أن الحقيقة هي أن الزعماء السياسيين اليابانيين يعزفون أيضاً أحياناً على وتر الكبرياء الضائع في الوطن، الذي يغذيه صعود الصين لتحتل موقع الهيمنة والسيادة الذي كانوا يحتلونه هم في الماضي. وهذا الصدام بين الرؤى التاريخية، تزايد بعد عودة الحزب الليبرالي الديمقراطي المحافظ لسدة الحكم في اليابان في شهر ديسمبر الماضي، تحت قيادة «شينزو آبي» المعروف بنظرته التي يقال إنها غير نادمة على ماضي بلاده الاستعماري. وكرئيس وزراء حاول «آبي» أن يطمئن المراقبين بشأن رغبته في تحسين علاقاته مع الجيران، ولكن مشاعره القومية القوية سرعان ما كانت تطفو على السطح. ومن الأمثلة على ذلك ما قاله أمام البرلمان الشهر الماضي ومفاده أن أعمال اليابان في آسيا في الماضي لا يمكن توصيفها بأنها «عدوان» أو«غزو» متنصلاً بذلك من خطاب الاعتذار عن الحرب الصادر عام 1995. وقد لمس الرئيس أوباما بنفسه مدى عمق هذا الإرث، عندما أثار في اجتماع في البيت الأبيض في السابع من مايو الحاجة إلى تعاون ثلاثي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، وذلك مع رئيسة كوريا الجنوبية «بارك جيون- هاي»، فردت عليه بالقول إن هذا التعاون يجب أن يكون مبنياً على أساس قيام اليابان بإبداء الاستعداد لمواجهة مسؤولية جرائمها التي ارتكبتها في زمن الحرب، وعلى أن تعيد التأكيد على بياناتها السابقة الواضحة حول الندم على ماضيها الاستعماري. وقالت الرئيسة الكورية الجنوبية أمام جلسة مشتركة للكونجرس بصراحة قاطعة وبشكل غير معتاد «إن الخلافات النابعة من الماضي تزداد اتساعاً». والواقع أن «بارك» تحاول تعزيز الانطباع حول مدى الجدية التي تأخذ بها مسألة الماضي، وذلك من خلال القيام بخطوات صغيرة ولكنها دالة، ومن ذلك على سبيل المثال أنها ركزت اهتمامها في المنطقة في الآونة الأخيرة على تحسين علاقتها بالصين التي تنوي أن تزورها قريباً، وقبل زيارتها لليابان بوقت طويل. والحال أن عجز كوريا الجنوبية واليابان عن التعامل مع ماضيهما يعرض للخطر ليس أمنهما فقط، وإنما الأمن الأميركي أيضاً. وفي الحقيقة أن عبء المسؤولية عن تعزيز التعاون يقع على عاتق اليابان، وإن كان يجب على كوريا الجنوبية أن تكون مستعدة هي أيضاً للتجاوب مع الإيماءات الحقيقية للاعتذار وتحمل المسؤولية. ومن سوء الطالع أن ما تبديه حكومة «آبي» من استعداد للعمل حول هذه المسألة لا يرجع أساساً لاهتمام بمخاوف الكوريين الجنوبيين، وإنما لأن الولايات المتحدة معنية بتلك الهموم. وعلى رغم أن أميركا ليست خالية من خطايا الماضي الاستعماري، إلا أنه يجب أن توضح أنها لن تتساهل مع أي تراجع عن حكم التاريخ الذي صيغ بأرواح الأميركيين وحلفائهم، وهو أن الحرب في آسيا كانت محصلة للعدوان الياباني. إن تحالفات أميركا في شرق آسيا قائمة على هذا الأساس، ووجودها في المنطقة يتطلب من جميع حلفائها العمل بشكل جيد مع كل منهم الآخر، للمحافظة على السلام الإقليمي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©