الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنمية العربية: خيارات راهنة ومشكلات طاحنة!

6 أغسطس 2010 22:52
من خلال تجربتي المتواضعة في بعض مواقع الإدارة والتوجيه والإشراف -وأحياناً الإنتاج العملي- يمكنني استخلاص نتيجة عملية مفادها أنه لا يمكن السير في طريق التنمية الصحيح من دون وجود نظام معرفي قيمي عملي يمكنه دفع وتحريض وتحفيز أجمل وأرقى ما في داخل الفرد العربي من طاقات ومواهب وإمكانات هائلة، فالإنسان العربي يمتلك قدرات وطاقات خلاقة ومبدعة إذا ما تم استثمارها على طريق العمل والبناء والتطوير بعد معرفتها ووعيها من الداخل أولاً، وبعد خلق الأجواء المجتمعية الملائمة لنموها وتكاملها على مستوى الخارج والفعل العملي التجريبي ثانيّاً. ونحن عندما نتحدث هنا عن التنمية نعني بها بدايةً تنمية الفرد، وتنظيم مهاراته، باعتباره حجر الزاوية في بناء وتطوير، ومن ثم تنمية، أي مجتمع، حيث إنه لا يمكن لأي بلد أن ينمو ويتنامى ويتقدم على طريق الرقي الحضاري العلمي والتقني من دون تنمية أفراده ثقافيّاً وعلميّاً ومعرفيّاً، وهذا شرط أساسي لازم، وكذلك العمل أيضاً على رفع مستواهم ودخولهم عبر زيادة إنتاجية الفرد من خلال تهيئة وبناء مختلف قطاعات المجتمع لخدمة وإنجاز ذلك الهدف الكبير. وحتى يشارك الفرد في اجتماعنا العربي والإسلامي في تنمية مجتمعاته، بصورة فعالة يمكن من خلالها تحقيق نتائج مثمرة على صعيد التنمية والبناء المجتمعي ككل، لابد من وجود قناعة فكرية، وحالة رضى وطواعية ذاتية داخل نفس هذا الفرد عن طبيعة العمل الذي يريد الاضطلاع به وتنفيذه.. لأن الفرد الذي يعمل في ظل مناخ ثقافي ونظام معرفي يقتنع به عن وعي وإدراك كاملين، لابد أن يصل مع باقي الأفراد المقتنعين والمتفهمين إلى إنجاز غايات تنموية صحيحة ومنتجة وفعالة. والعكس صحيح أيضاً، وهو أن الفرد الذي يعمل تحت ظل بيئة ثقافية مناقضة ومعادية -إلى حد ما- لما يختزنه في داخله من قيم وأفكار ومشاعر وتراكيب نفسية وشعورية وتطلعات وغايات (أنظمة قيم ومعنى) هو بالضرورة فرد غير قادر على العطاء والإثمار الحضاري، وغير قادر أيضاً على تحقيق أبسط شروط التنمية الحقيقية، مما ينعكس سلباً على حركة وتنمية المجتمع ككل. وإذن، نقول وبصورة أكثر تركيزاً وضبطاً، إنه وحتى تنمو مواهب الأفراد وتنمو مقدراتهم وقابلياتهم الذاتية لابد من وجود مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي مناسب يشكل حاضنة ملائمة لنمو وبروز واستثمار تلك الاستعدادات والقابليات الفردية. وحتى يحدث في أي مجتمع نوع من التشارك والاندفاع الجماعي الحقيقي المؤثر في اتجاه خدمة عملية التنمية الهادفة إلى تطوير واقع الفرد والمجتمع على مستوى بناء أسس ومعايير اقتصادية صحيحة تساهم في زيادة الإنتاج والدخل الفردي والوطني، لابد من تعميم ثقافة التنمية بين جميع مكونات المجتمع، وعلى مختلف المستويات، بدءاً من أصحاب القرار، إلى مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية البشرية، حيث إن التنمية المنظمة والشاملة، التي تشارك فيها كل المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فيها الجميع طوعيّاً لا قسريّاً هي الشرط اللازم الحقيقي للنهوض الذي لا يمكن أن يتحقق فجأة، وإنما عبر سلوك طريق طويل منظم من العمل والتعب والجهد والمثابرة والكدح والإيمان بأن الوطن لا يقوم إلا بمحبة كافة أبنائه له، وبمشاركتهم الفاعلة والمنتجة في العمل الميداني المسؤول. ولابد من الإشارة هنا إلى أن عملية التنمية باتت حاليّاً ثقافة عمومية ومسؤولية عامة، لا تختص بفئة أو شريحة معينة، كما أنها لم تعد حصراً وحكراً على نخب اقتصادية أو غير اقتصادية بذاتها، لأنه إذا كان مطلوباً رفع وزيادة دخل الفرد، فلابد من رفع إنتاجيته وفاعليته عبر توفير المناخ السياسي والاجتماعي الأنسب والأفضل لتبلور طاقاته ومواهبه.. وهذا المناخ الصحي التشاركي هو الذي يمكن أن يسمح للفرد ذاته بالمشاركة المبدعة في عملية التنمية وعياً وثقافة وعملاً. وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب الفشل الذريع الذي لحق ببعض مشاريع التنمية في عالمنا العربي حتى الآن، يكمن في ابتعاد الفرد وتغييبه قسريّاً -على رغم كونه أساس ولب وجوهر عملية التنمية- عن المشاركة الواعية والفاعلة في العملية التنموية الفردية والمجتمعية. وهذا يقودنا لإعادة التأكيد على أن نجاحنا في تحدي التنمية الاقتصادية للتخلص من لبوس التخلف المهترئة التي تلف واقعنا العربي والإسلامي عموماً، لا يمكن أن يكون مضموناً، إلا إذا اكتسبت التنمية العربية الفردية والمجتمعية إطاراً يستطيع أن يدمج الأمة ككل ضمنه، وقامت على أساس ثقافي قيمي يتفاعل معها.. فحركة الأمة كلها شرط أساسي لإنجاح أي تنمية.. لأن حركتها تعبير عن نموها ونمو إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية.. فالتنمية للثروة الخارجية والنمو الداخلي للأمة يجب أن يسيرا في خط واحد. ومن هنا نعتقد بضرورة تهيئة الأجواء الثقافية والإعلامية والاجتماعية المناسبة لإطلاق المبادرات الجادة الهادفة إلى دفع الفرد باتجاه الانخراط الجدي والحقيقي في مختلف مشروعات التنمية، وذلك عبر التوجيه الصحيح الدائم، والاستمرارية في العمل الدؤوب والصادق. لأن الواقع العربي العام صعب ومعقد وينذر كوارث حتمية أكثر مما هو قائم حاليّاً على مستوى السياسة والمجتمع، وعلى مستوى الاقتصاد من خلال وجود ما يزيد على 140 مليون مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وارتفاع معدلات البطالة حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى ما يزيد على 50 في المئة من مجمل عدد السكان بالنسبة لمعظم الدول العربية، مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية هو الأعلى في العالم كله. وهنا يتمثل التحدي العربي الأكبر -كما تؤكده كل تقارير التنمية- في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020. نبيل علي صالح - كاتب سوري ينشر بترتيب مع خدمة مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©