الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد المصري.. ودواعي الإصلاح

1 يونيو 2014 23:23
أليسون كوركري مدير مشروع المطالبة بالحقوق والمحاسبة بمركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هبة خليل نائبة مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية، وسقوط آلاف القتلى، واحتدام الأزمة الاقتصادية، صوّت الشعب المصري لمصلحة المشير عبدالفتاح السيسي، في الانتخابات الرئاسية، إذ ينظر إلى العسكري السابق على أنه الرجل القوي القادر على اتخاذ القرارات الجريئة، التي من شأنها فرض الاستقرار في البلد. إلا أنه ما يظل غائباً عن الأنظار ولا يحظى بقدر كافٍ من الاهتمام هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين التي تغذيها معدلات الفقر العالية، والظروف المعيشية الصعبة لقطاعات واسعة من المواطنين، فبحسب آخر الإحصاءات الرسمية يعيش أكثر من ربع سكان مصر تحت خط الفقر، كما أن ثلث الشباب يرسفون في البطالة، فيما ثلاثة من أصل كل خمسة أطفال مصريين، يعانون من سوء التغذية، ولاشك أن هذه المشاكل التي تؤججها مستويات الفساد المرتفعة والبطالة وانهيار الخدمات العامة هي نفسها التي ألهبت حماس الشباب ودفعتهم للخروج إلى الشارع قبل ثلاث سنوات والإطاحة بنظام مبارك. ورغم تعاقب أربع حكومات على مصر منذ ثورة 2011، فإنه لا أحد منها بذل جهوداً كافية للتعامل مع تركة الماضي الثقيلة، فقد اقتسم «الإخوان» والمجلس العسكري الاهتمام بخفض النفقات الحكومية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري. والأمر ذاته ما زال مستمراً حتى الوقت الحالي بعدما دعا عبدالفتاح السيسي في خطاب ألقاه خلال مارس الماضي المصريين لـ«شد الحزام» لمساعدة بلدهم على النهوض، لذا من غير المرجح أن يشهد المصريون أي تحسن سريع في ظروفهم المعيشية خلال المستقبل المنظور، حيث توقع السيسي أن تستمر معاناة المصريين «لجيل أو لجيلين». لكن سياسيين آخرين، ومن بينهم وزير الاستثمار المصري، منير فخري عبدالنور، يعتقد أن السيسي سيوظف شعبيته «لاتخاذ القرارات الصعبة لإصلاح الاقتصاد المصري ومواجهة المصاعب المالية». والحقيقة أن مصر تواجه بالفعل أزمة اقتصادية خانقة ما دفع السياسيين إلى التركيز على خفض عجز الموازنة باعتباره أمراً ملحاً وأولوية عاجلة. لكن وللتخفيف من وطأة الأزمة هناك طرق عديدة ولا يوجد أبداً ما يبرر تحميل العبء على الطبقات الفقيرة، ومع ذلك يبدو أن هذا الأسلوب هو الطريق الأسهل، الذي سلكته الحكومات السابقة، التي تعاقبت على إدارة مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، متمثلاً في الضغط على العائلات مع منح امتيازات عديدة للنخبة الاقتصادية ذات العلاقات السياسية النافذة. والمشكلة أن هذا الأسلوب يتنافى مع الدستور المصري نفسه، ومع الالتزامات الدولية فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصري، دون أن ننسى أن إجراءات التقشف التي سيعاني من تداعياتها البسطاء ستخيب أمل الشعب المصري الذي غامر بحياته للتعبير عن تطلعاته بالعيش في بلد يوفر فرصة الحياة الكريمة للجميع. فقد ركزت الإدارات التي أعقبت مرحلة مبارك سواء المجلس العسكري، أو “الإخوان”، أو السلطة الانتقالية الحالية المدعومة من قبل الجيش على إصلاحات اقتصادية تستهدف أولاً وقبل كل شيء خفض النفقات العامة، بحيث يتم تقليص موازنات الخدمات العمومية المتهالكة أصلاً مثل القطاع الصحي والتعليم، ويُرفع الدعم عن السلع الأساسية دون وضع خطط ملائمة لحماية حقوق الفئات المتضررة، أو بلورة تصورات بديلة. ورغم الجهود المبذولة للزيادة في مداخيل الدولة، فإنها انصرفت كلها تقريباً إلى رفع الضرائب غير المباشرة من خلال إزالة الإعفاءات الضريبية على المبيعات، كما تعتزم السلطة الانتقالية الحالية تعويض الضريبة على المبيعات التي تصل إلى 10 في المئة، وتهم 17 نوعاً من السلع والخدمات، بضريبة على القيمة المضافة تتراوح ما بين 10 و12 في المئة وتطال جميع السلع والخدمات، في حين لا تمثل الضرائب المباشرة مثل تلك المفروضة على الدخل وأنشطة الشركات والثروات الخاصة سوى جزء قليل من القاعدة الضريبية في مصر، بالإضافة إلى الضريبة على رأسمال، وهي غير موجودة تقريباً. ويبدو أن الإدارات المتعاقبة على حكم مصر فشلت كلها في إقرار إجراءات فعالة لمحاربة التهرب الضريبي والاقتصادي غير الشرعي، وهي الخطوات التي كان بإمكانها تقليص العجز الكبير في الموازنة، فحسب البحث الذي أجرته مؤسسة «النزاهة الاقتصادية الدولية» خسرت مصر في الفترة بين 2000 و2009 أكثر من 57 مليار دولار من التدفقات المالية غير القانونية، والتي تشمل تحويل الأموال للخارج، والفساد المالي، ثم التهرب الضريبي، وذلك بواقع 6 مليارات دولار في السنة. ولاشك أن هذه المستويات الهائلة من الأنشطة المالية غير القانونية وغير الخاضعة للضرائب استمرت حتى بعد الإطاحة بمبارك، ورغم هذا النزيف في موارد مالية كان يمكن أن تستفيد منها الدولة لم يُبذل ما يكفي من الجهد لاستعادة ولو جزء منها، بل إن المجلس العسكري الأعلى مرر بهدوء تعديلات قانونية في 2012 على قانون الاستثمار يتيح «للهيئة العامة للمناطق الحرة والاستثمار» تسوية حالات الفساد والاختلاس خارج المحاكم، الأمر الذي يعفي المتورطين من المتابعة القضائية. وفي ظل هذا الوضع، صوّت العديد من المصريين لمصلحة السيسي أملاً في أن يؤدي ذلك إلى إحلال قدر من الأمن والاستقرار، وهو يستطيع إنْ أراد أن يوظف شعبيته الجارفة لإشراك النخب المصرية في المساهمة بحصتهم لتطوير مصر، والمشاركة في تحمل المسؤولية بدل إلقائها على عاتق الفئات الأقل حظاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©