الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النظم الجمهورية... نحو مأسسة انتقال السلطة

6 أغسطس 2010 22:54
السياسة في‏ ‏المجتمعات‏ ‏العربية‏‏‏ ‏تأخذ‏ ‏‏الشكل‏ ‏الغربي‏ ‏في وجود مؤسسات سياسية، ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏تفاعلاتها‏ ‏لا‏ ‏تعبر‏ ‏عن‏ هذا النمط الغربي، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏مبرر ‏لكون‏ ‏‏الثقافة‏ العربية ‏مختلفة‏ عن‏ ‏الثقافة‏ ‏في‏ ‏الغرب‏، ‏وبالتالي‏ ‏فجوهر‏ ‏العملية‏ ‏السياسية‏ ‏يأتي‏ ‏مختلفا‏‏، وهذا‏ ‏أمر‏ ‏مقبول، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏يتعدى‏ ‏هذا‏ الشكل عندما يتعلق ذلك باستقرار‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏ويعوقها‏ ‏عن‏ ‏عملية‏ ‏التنمية‏ ‏والتقدم‏‏.‏ ‏فتصبح‏ ‏‏قيم ‏العدالة‏ ‏والحرية‏ ‏وتفعيل‏ ‏القانون مغيبة. وعملية انتقال السلطة لا تعدم وجود مثل هذه الثقافة المشوشة التي لا تعترف بضعف إمكانياتها كي تستطيع أن تقوي نفسها. ‏فالعدالة‏ من المنظور السياسي ‏تقتضي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏نظام‏ ‏سياسي‏ ‏حر‏ ‏ ‏ومرضي‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏أفراد المجتمع، ‏أما‏ عدم وجود ‏‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏فيعني‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏خللا‏ ‏يهدد‏ ‏هذه‏ ‏القيمة‏ ‏والخطورة‏ ‏هنا‏ ‏تكمن‏ ‏في‏ ‏مأسسة‏ ‏المجتمع‏ ‏بنهج‏ ‏يعمل‏ ‏وفق‏ ‏منطق‏ ‏غياب‏ ‏العدالة‏، ‏فمثلا‏ ‏نجد‏ ‏أنه‏ ‏على‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏المناصب‏ ‏السياسية‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالنظام ‏كالوزراء‏ ‏وما‏ ‏شابه‏ ‏ذلك‏، ‏وهم‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏سلطة‏ ‏تنفيذية‏، ‏نجد‏ ‏في‏ بعض ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏نفوذاً‏ ‏لمناصب‏ ‏غير‏ ‏رسمية‏. ويمكن النظر إلى مستقبل عملية انتقال السلطة في المجتمعات العربية عبر طريق "التوريث" في النظم الجمهورية، فإذا كان الواقع العربي شهد وجود حالات نادرة لانتقال السلطة عبر التوريث، إلا أن الواقع العملي يشهد بعد مرور عشر سنوات أن النظم غير الملكية ربما تتحرك نحو تهيئة المجتمع مؤسسيا وسياسيا لتقبل انتقال السلطة على نفس النهج. إن عملية تداول السلطة والمواقع بين السلطات الثلاث تخضع لمعايير متعارف عليها، يوجد فيها حد أدنى من الموضوعية سواء في اختيار منصب رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية أو حتى المجالس التشريعية، فاختيار النواب في حده الأدنى يتم وفقا لنتائج الانتخابات، بصرف النظر عن نزاهتها، المهم هناك وسيلة، هذا فضلا على أن السلطة القضائية تخضع أيضا لتراث من الممارسة للعدالة والقانون يضمن لها النزاهة في حدها الأدنى. أما فيما يتعلق بانتقال السلطة عن طريق رئيس الجمهورية، فيبقى هو الجانب المحير، حيث لم تستطع هذه المجتمعات أن تخلق تراثا مؤسسيا وثقافيا داخلها لتداول السلطة وفق ما تقتضيه قواعد الدستور والقانون، بالأخص في المرحلة التي ارتبطت ببناء الدولة الوطنية عقب حصول هذه الدول على الاستقلال، نتيجة لأسباب عديدة، أهمها أن انتقال السلطة عبر هذه الفترة كان يأتي نتيجة لعملية انقلاب كحالة العراق الذي شهد أكثر من انقلاب قبل أن يستقر الحكم في يد صدام. وطوال فترة حكم النخبة التي جاءت نتيجة انقلاب، وحتى في الحالات التي كان يتم فيها انتقال السلطة سلمياً مثل حالة الدولة المصرية التي جاءت عقب ثورة يوليو 52، فإن الانتقال كان يتم في إطار نخبة النظام وفق قواعد بيروقراطية، عن طريق تولي نائب الرئيس المنصب بعد عملية استفتاء على شخصه بعد فراغ المنصب، وبالتالي تراث انتقال السلطة في هذه الحالات لا يعبر بشكل كبير عن وجود آلية محددة لانتقال السلطة، وتفاعلات السياسة بهذا الشكل على مدار الستين سنة قد أفرزت في الوقت الحالي نمطا جديدا، يتمثل في احتمالات انتقال السلطة إلى الأبناء في الأنظمة الجمهورية. كما هو معروف فإن انتقال السلطة في النظم الجمهورية بهذا الشكل، ربما يثير حفيظة الخارج، بالأخص الدول التي لها مصالح في المنطقة، وتخشى من سريان الفوضى التي تؤثر على مصالحها، ومن هنا فهذه النظم تعمل حساباً للطرف الخارجي والذي ليس وضعه بجديد في المنطقة، فهو يلعب هذا الدور منذ عهد الاحتلال في أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم كان من الضروري وجود مخرج لإرضاء وطمأنة الطرف الخارجي. وهذا يأخذ أحد احتمالين كلاهما مر: الأول يتمثل في تقديم تنازلات من أجل "تمرير التوريث" بشكل لا يثير حفيظة الطرف الخارجي. والثاني هو أن يتم تهيئة المجتمع قانونيا ومؤسسيا لإخراج انتقال السلطة بشكل مرضي لجميع الأطراف، وهو أمر لا تقدر على فعله غير النظم التي تهيمن على مجتمعات ضعيفة، في أن توجد انتخابات، وهي لعبة بعض هذه النظم التي أثبتت كل الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت على مدار الخمسين سنة الماضية أن نتيجتها نادراً ما تأتي وفقاً لرغبة الشعب، ومن هنا قد يتقدم المرشح المهيأة له الظروف السياسية والأمنية بشكل طبيعي ضمن مرشحين آخرين لحبك العملية. خطورة انتقال السلطة بهذه الطريقة حتى لو جاءت بشكل سلمي تكمن في أنها تخلق ثقافة جديدة داخل هذه المجتمعات، ومن ثم تصبح مثل هذه الثقافة وكأنها عرف وشيء طبيعي، أي أن يوالى الأقارب أقاربهم، فنجد هذا المنطق يدخل كل شريحة في المجتمع. إن فراغ السلطة في المجتمعات العربية يعد كارثة تفوق وجود السلطة في شكل سلطوي، ومن هنا فإن مأسسة المجتمعات العربية لتهيئة انتقال السلطة من رئيس إلى آخر باتت من الشأن العام الذي يهم جميع الأفراد عامتهم ونخبتهم. فمثل هذا الأمر لم يعد من الأسرار العليا التي لا يجوز الحديث فيها، وإنما أصبح للجميع الحق في معرفة مصير ما سوف يؤول إليه مستقبل بلدهم والطريقة المثلى لاختيار من يحكمهم. عزمي عاشور - باحث مصري يُنشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©