الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

على جدران الجامعة

10 فبراير 2006
دخلت ذلك الممر - الضيق بعض الشيء - اختصاراً للوقت نتيجة لتأخري عن المحاضرة، وأنا أفكر بتلك النظرة التي سيرمقني بها الأستاذ المحاضر الذي سأقطع عليه كلامه بدخولي المجلس كسارق يخاف الأضواء، وتدور الأمنية في خاطري بأن يتأخر الأستاذ لهذا اليوم في تسجيل الغياب فأنجو من ختم الغياب الذي أكره أن يختم في سجلي، وعندما صحوت من غفوة تلك الدوامة التي أبعدتني عن الواقع قليلاً صدمت عندما رأيت أحد الجدران مغطى بتواقيع، وأسماء عديدة لفتيات وألقاب وقبائل· مشيت في ذلك الممر ودخلت في ممر آخر فوجدت جدرانه تنوح من كثرة ما أثقل عليها من كتابة، أحسست بمعاناة ذلك الجدار التي أثقل بكلمات فارغة في محتواها، كبيرة في حجم خطها، ملونة بأحسن الخطوط، أسفت كثيراً لتلك الجدران، وأسفت أيضا على جمالية المبنى حديثا كان أم قديماً، سألت نفسي 'وهل نفذت الأوراق من العالم حتى تلجأ طالبة 'جامعة' إلى الجدار لتملأه بشخبطات ليس لها أي معنى؟·
شعرت بحزن على تلك الأموال التي صرفت لكي تصبغ الجدران، وحزنت أكثر على الأموال التي ستدفع من أجل إعادة صباغة الجدران، وقلت لو وضعت أموال إْعادة صبغه لفقراء جنوب افريقيا أو البوسنة أو الهرسك، أو لأي دولة عانت ويلات شح مقومات الحياة لديها لكانت تلك الأموال تسلك الطريق الصحيح في صرفها·· لأنها في نظري تستحق هذه المبالغ التي تصرف بسبب استهتار وإهمال الطلبة·
فتأمل قليلاً أيها القارئ في تلك الضمائر التي سمحت لطالبة بأن تمد يدا عابثة لهذا الجدار الذي لم يتطاول عليها يوما، ولم يوضع أساسا لتخليد ذكرى اسمها واسم صديقتها مقرونين ببيت من قصيدة، استغرب كثيراً عندما أسأل نفسي كيف سمح لها ضميرها بأن تمد تلك اليد العابثة وتستل قلما بأعرض الخطوط، وتكتب كل ما يخطر على بالها على أجد جدران الجامعة لتبث سموما وكلمات غرامية هابطة·· ليس لها معنى البتة، وهل هذا رد للجميل عندما تشوه مظهر المباني والأروقة في الجامعة ذلك المكان الذي صرف ومازال يصرف عليه الألوف المؤلفة؟·· وكيف يطاوع إنسان قلبه بأن يرد الإحسان بالإساءة؟
أصبحت يومياً اتجه إلى محاضرتي من ذلك الطريق وأتأمل بما أفسدته أيدي بني البشر، وأتمنى أن يطهر هذا الجدار من توافه بني البشر، لأنني أحسست بأنين الجدار وانكساره لما يحمله من كلمات فارغة في معانيها، المزينة بأجمل الخطوط والألوان·· وأتذكر دائما ذلك الدرج الذي اكتظت جوانبه بكلمات غريبة وصعبة اللفظ والقراءة· ولم تقتصر الأيدي العابثة على الجدران فقط بل سارعت لرسم وكتابة أشعار على المقاعد الدراسية، وأتذكر أنني في احدى محاضراتي رأيت صديقة لي تتفنن وتبدع على الطاولة الملصقة بالكرسي، رأيتها منهمكة بالرسم باتقان، فناديتها وأشرت لها بالتوقف ومسح ما على الطاولة، وقلت لها ان الطاولة ليست ملكاً خاصاً لها، بل أن هناك الآلاف من الطالبات اللواتي يجلسن على هذا المقعد فلماذا العبث بالممتلكات العامة، فاستغربت أشد الاستغراب، وتعجبت هل هنالك إنسان في زمننا الحالي ينتبه إلى هذا الموضوع لأنه في رأيها تافه ويجب ألا يوضع في الحسبان·· ولكن هنالك من في قلوبهم غيرة وحب للمكان الذي يتلقون العلم فيه، فنراهم يحاولون جاهدين أن يمسحوا كل ما استطاعوا أن يمسحوه من على الطاولات، لأنها في نظرهم أمانة سيحاسبون عليها في يوم من الأيام· فاني أدعو من منبري هذا كل من راودته نفسه في الجامعة والمدرسة وفي أي مؤسسة أو بناء حكومي أن يكتب شيئا على الجدران والممتلكات العامة في أن يتذكر مثقال الذرة التي يحاسب عليها الإنسان، وأننا سوف نحاسب فعلينا تجنب هذه الأخطاء البسيطة في نظر الكثيرين ولكنها كبيرة جداً ولها أثر وخيم على المجتمع·
نورة القبيسي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©