الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسة دمرت كتاب مصطفى كامل عن المسألة الشرقية

السياسة دمرت كتاب مصطفى كامل عن المسألة الشرقية
27 نوفمبر 2008 00:46
سيرة سياسية ولد مصطفى كامل عام 1874 ودرس في مدرسة الحقوق ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة تولوز بفرنسا وتخرج عام 1894 وانشغل بالقضية الوطنية، وصار خطيبا مفوها واسس الحزب الوطني وينسب اليه انه بعث الروح الوطنية المصرية بعد الانكسار الذي تعرضت له مع فشل الثورة العرابية عام 1882 والاحتلال البريطاني لمصر· التقى مصطفى كامل في شبابه الباكر مع الزعيم والكاتب عبدالله النديم بعد ان خرج من مخبأه والتقى كذلك بالخديو عباس حلمي واخذ عليه فريق من الوطنيين المصريين انحيازه الشديد للدولة العثمانية وكان هؤلاء قد كرهوا تلك الدولة بعد الموقف الذي اتخذته من عرابي اثناء حربه مع الانجليز حيث اصدرت بيانا بعصيان عرابي وتمرده على الدولة· صدرت طبعة جديدة من كتاب الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل ''المسألة الشرقية'' الذي كان قد صدر اول مرة عام 1898 بمناسبة حرب الدولة العلية ''العثمانية'' في اليونان أو منطقة البلقان فيما عرف وقتها على نطاق واسع بالمسألة الشرقية· وتصدر الطبعة الجديدة من الكتاب بمناسبة مرور مئة عام على وفاة مصطفى كامل· عريضة دفاع انحياز مصطفى كامل المطلق للدولة العلية يتضح في كتابه، فهو أقرب الى عريضة دفاع عن الدولة، برأها من كل ما يؤخذ عليها ووصل به الامر الى القول: ''ان بقاء الدولة العلية ضروري للنوع البشري وان في بقاء سلطانها سلامة امم الغرب وامم الشرق، وان الله جل شأنه اراد حفظ بني الانسان من تدمير بعضهم البعض ومن حروب دينية طويلة بحفظ سياج الدولة العلية وبقاء السلطة العثمانية''· تعود المسألة الشرقية في نظر مصطفى كامل الى النزاع بين الدولة وبلاد اوروبا والتواجد العثماني في بعض بلاد اوروبا وقدأرجع البعض هذا الصراع الى العنصر الديني وانه صراع اسلامي - مسيحي في المقام الأول وبمعنى آخر فهو امتداد تاريخي للحروب الصليبية وهو ما يرفضه مصطفى كامل لان الدول التي تنازع الدولة العلية لا تعاديها باسم الدين فقط، بل في الغالب تعاديها طمعا في نوال شيء من أملاكها، وقد أرانا التاريخ أحوالا كثيرة لم يستعمل الدين فيها إلا سلاحا أو وسيلة لنيل غرض جوهري فهو ستار تختفي خلفه أغراض شتى وأطماع مختلفة· ويضيف مصطفى كامل: ''والذي يراجع تاريخ الدولة العلية ويقلب صحائف أمورها من اول وجودها الى اليوم يرى ان المسألة الشرقية نشأت مع الدولة نفسها، اي منذ وطأت اقدام الترك ثرى اوروبا واسسوا دولتهم الضخمة''· ويحاول مصطفى كامل تفنيد الاتهامات الاوروبية للدولة العثمانية واهمها ان الدولة تسيء معاملة المسيحيين الاوروبيين في المناطق التابعة لها، ويرى ان الدولة العلية هي الدولة الوحيدة في دول الارض التي عاملت رعاياها الذين يدينون بغير دينها بالتسامح، وتركت للمسيحيين حرية ديانتهم وعوائدهم وتقاليدهم، واحترمت عقائدهم كل الاحترام، فعاشوا طويلا متمتعين بهامة الحرية على حين ان مسيحيي اسبانيا قتلوا المسلمين لانهم مسلمون· واذا كان الحال على هذا النحو، يظهر التساؤل المهم لماذا اذن وقع التمرد في المناطق الاوروبية من الدولة العثمانية؟ التحريض الأوروبي ويجيب مصطفى كامل بأنه التحريض الاوروبي والتدخل في شؤون الدولة بزعم حماية المسيحيين وقد بدأت النمسا ذلك، ولكن بعد فترة من الصراع اكتشفت النمسا ان الافضل مساعدة الدولة، ثم حاولت روسيا ووقعت معارك وصدامات مع الدولة ثم انتهت الامور الى السلام· ويقول مصطفى كامل: ''رأت النمسا ان حروبها مع الدولة العلية اضرتها ضررا بليغا، وظهرت النتائج المشؤومة لهذه الحروب فقد ضعفت النمسا، وانتهى بها الأمر إلى ان فقدت املاكها الايطالية التي تكونت منها ايطاليا الحالية، وفقدت كذلك امام روسيا جزءا عظيما من مقاطعتها الالمانية''· ونفس الامر بالنسبة لروسيا التي رأت ان حروبها مع الدولة العلية لا تفيد غير انجلترا التي قوي مركزها في اسيا وفي الشرق الأقصى والتي لها أعظم مصلحة في إضعاف قوة روسيا وإضاعتها الوقت والمال والرجال في حروبها مع الدولة العلية ورأت كذلك من جهة اخرى انه يستحيل عليها ان تأخذ الآستانة· وينتهى الى القول: ''لقد اعتقدت روسيا كما اعتقدت النمسا ـ وقد كانتا العدوتين القديمتين للدولة العلية ـ أن تقسيم الدولة العلية امر مستحيل، فعملت كلتاهما على المحافظة على السلام العام بالمحافظة على سياج الدولة العثمانية''· القضية بالنسبة للدولة العلية تكمن في بريطانيا التي أبدت الود كثيرا للدولة الى ان احتلت انجلترا مصر فأدركت الدولة ان الانجليز لا صديق لهم، وانهم اكبر اعداء تركيا، وان صداقتهم القديمة المزعومة لم تكن إلا حجابا ستروا وراءه عداوتهم المرة واطماعهم الشريرة ضد دولة آل عثمان· وأخطر ما يجيء في الكتاب بهذا الخصوص هو ان احتلالهم لمصر كان الهدف منه فقط ان يضعوا ايديهم على الحجر الاساسي للخلافة الاسلامية والسلطنة العثمانية· كان مصطفى كامل يكره الانجليز كراهية شديدة لانهم يحتلون مصر، ولذا راح ينعتهم بأقسى النعوت وأنهم وراء كل شر ويقول: ''عملت انجلترا على دس الدسائس ضد السلطة السنية في كل انحاء الاملاك المحروسة فهاجت الأرمن والكريتين والدروز ولكن وسائلها لم تأت بغير نتيجة واحدة هي اضعاف هذه العناصر التي اتخذتها انجلترا آلات لها واظهار قوة الدولة العلية امام الملأ كله''· ويرى ان انجلترا سعت إلى هدم دولة الخلافة، وكانت تتصور ان وضع يدها على مصر ووادي النيل سوف يحقق لها ذلك ولكن فشل تصورهم بفعل تصدى الدولة العثمانية ومقاومة المصريين لوجودهم وبإزاء ذلك يقول مصطفى كامل: '' أخرج ساسة بريطانيا مشروع الخلافة العربية مؤملين به استمالة العرب لهم وقيامهم بالعصيان في وجه الدولة العلية ولكن العرب وغير العرب من المسلمين ارشد من ان يخدعهم الانجليز بعد ما مر من الامور وما جرى من الحوادث''· لكن هذا المشروع تم فيما بعد باسم جامعة الدول العربية· ولان مصطفى كامل كان يراهن حين وضع هذا الكتاب على ان تساند فرنسا جهوده لإخراج بريطانيا من مصر فقد اخرج فرنسا من كفة العداء للدولة العلية، وبدأ يشيد بها، وسوف يأتي الاتفاق الودي عام 1904 بين فرنسا وانجلترا ليجعله يعيد النظر في موقفه ذلك· وراح مصطفى كامل يستعرض تفاصيل الازمة التي وقعت بين محمد علي وابنه ابراهيم باشا من جهة والدولة العلية من جهة اخرى ووصل الى الحرب وأوشك ابراهيم باشا على دخول استانبول فقد كان قريبا من أبوابها وكان يمكنه اقتحامها· ويرى مصطفى كامل ان ذلك الصراع يبقى ابد الدهر درسا للعثمانيين والمسلمين ونذيرا بأن الشقاق بين اعضاء مجموع واحد يعود على المجموع كله وعلى اعضائه عضوا عضوا بالمصائب العظام والبلايا الجسام· ونشعر بأنه يمشي على حد السكين وهو يروي تفاصيل المعارك فقد كان مصريا وكان كذلك عثمانيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©